ملاك ميخائيل

يحدث لكل الناس .. (قصة قصيرة)

بقلم/ ملاك ميخائيل

‭*‬أيهمـــا‭ ‬جــاء‭ ‬الى‭ ‬الدنيـــــا‭ ‬أولا‭:‬

البيضة‭ ‬أوالكتكوت؟‭!.‬

وأيهما‭ ‬يسبق‭ ‬الآخر‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭:‬الحب‭ ‬أو‭ ‬الكراهية؟‭!.‬يقولون‭:‬ لا‭ ‬محبة‭ ‬الا‭ ‬بعد‭ ‬عداوة‭.‬

بعض‭ ‬أمثالنا‭ ‬القديمة؛‭ ‬وأقوالنا‭ ‬الشائعة‭ ‬تكاد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قوانين‭ ‬حياة،‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬البقاء‭ ‬لحظة‭ ‬واحدة‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭.‬

كانت‭ ‬لأجدادنا‭ ‬صفات‭ ‬كثيرة‭ ‬جدا ومميزات‭ ‬فريدة‭ ‬حقا؛‭ ‬ساعدتهم‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬على‭ ‬صياغة‭ ‬هذه‭ ‬الحكم‭ ‬والأمثال‭ ‬العديدة‭ ‬والغريبة؛‭ ‬التى‭ ‬ضمنوها‭ ‬خلاصة‭ ‬تجاربهم‭ ‬وخبراتهم‭ ‬الحياتية،‭ ‬والتى‭ ‬تركوها‭ ‬لنا‭ ‬بعد‭ ‬رحيلهم،‭ ‬لتكون‭ ‬نبراسا‭ ‬لحياتنا‭ ‬أيضا‭. ‬كيف‭ ‬استطاعوا‭ ‬تأليف‭ ‬هذه‭ ‬الحكم‭ ‬والأمثال‭ ‬العجيبة‭ ‬والمدهشة‭ ‬فى‭ ‬عصور‭ ‬جاهليتهم‭ ‬الأولى؟‭!.‬

هذه‭ ‬هى‭ ‬احدى‭ ‬معجزاتهم‭ ‬التى‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تبهرنا‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭…‬‭ ‬ الحدوتة‭ ‬كلها‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬اللاشىء؛‭ ‬لتنتهى‭ ‬الى‭ ‬اللاشىء؛‭ ‬والدنيا‭ ‬فانية‭. ‬فاذا‭ ‬كنا‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬حياتنا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض؛‭ ‬مجرد‭ ‬بخار‭ ‬يظهر‭ ‬قليلا‭ ‬ثم‭ ‬يضمحّل،‭ ‬لماذا‭ ‬اذن‭ ‬يتحارب‭ ‬الناس؛‭ ‬ويقتلون‭ ‬بعضهم‭ ‬بعضا؟‭!. ‬والجواب‭: ‬من‭ ‬أجــل‭ ‬اللاشــىء‭!!‬

‭ ‬يكافح‭ ‬بعضهم‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬لقمة‭ ‬صغيرة‭ ‬يابسة‭ ‬تكفيهم‭ ‬للحظة،‭ ‬ويطمع‭ ‬آخرون‭ ‬فى‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بطبق‭ ‬من‭ ‬اللحم‭ ‬المشـوى؟‭!.‬فى‭ ‬النهـــــايــــة‭ ‬يتســـاويـــان‭…‬‭ ‬ المهم‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬الانسان‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبعد‭ ‬عن‭ ‬جوفه‭ ‬ذلك‭ ‬الجوع‭ ‬اللعين،‭ ‬والذى‭ ‬قالوا‭ ‬عنه‭ ‬قديما‭:‬ الجوع‭ ‬كافر‭ .‬ولم‭ ‬يقل‭ ‬أحد‭ ‬بأن‭ ‬الجوع‭ ‬قاتل‭!!.‬فليس‭ ‬بالخبز وحده‭ ‬يحيا‭ ‬الانسان‭… ‬ منذ‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر؛‭ ‬لم‭ ‬تدخل‭ ‬فمى‭ ‬ولا‭ ‬لقمة‭ ‬خبز،‭ ‬ولم‭ ‬تبلل‭ ‬ريقى‭ ‬رشفة‭ ‬ماء‭.‬

‭ ‬هكذا‭ ‬أنا،‭ ‬عندما‭ ‬أكون‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬السفر أو‭ ‬مسـافـرا‭-‬أصبـح‭ ‬انسـانـــا‭ ‬آخر‭ ‬تماما‭.‬

‭ ‬يملؤنى‭ ‬القلق،‭ ‬فلا‭ ‬أنام،‭ ‬ولا‭ ‬آكل،‭ ‬ولا‭ ‬أتكلم‭. ‬أخشى‭ ‬أن‭ ‬أنسى‭ ‬شيئا‭ ‬مهما‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬أجده‭ ‬معى،‭ ‬عندما‭ ‬أحتاج‭ ‬اليه‭ ‬فى‭ ‬غربتى‭. ‬أظــل‭ ‬أروح‭ ‬وأجــىء‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أعــرف‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬أفعله‭ ‬لكى‭ ‬أستريح‭. ‬أبقى‭ ‬هكذا؛‭ ‬حتى‭ ‬أركب‭ ‬القطار،‭ ‬وعندئذ‭ ‬فقط‭ ‬يبدأ‭ ‬كل‭ ‬شىء‭ ‬داخلى‭ ‬فى‭ ‬الاسترخاء‭.‬أحس‭ ‬فى‭ ‬داخلى‭ ‬بتلك‭ ‬الايقاعات‭ ‬التى‭ ‬يحـدثـهــا‭ ‬احتكاك‭ ‬العجلات‭ ‬الدائرة‭ ‬بالقضبان‭ ‬المتمددة‭ ‬والممتدة‭ ‬بلا‭ ‬نهاية‭.‬

‭ ‬اسميهــا‭:‬ موسيقى‭ ‬المسافر‭.‬ترك‭..‬رك‭..‬ترك‭..‬ررك‭..‬ترك‭..‬ررك‭….‬وتنعكس‭ ‬هــذه‭ ‬الايقــاعــات‭ ‬الرتيبـة‭ ‬والمنتظمــة‭ ‬والمتكررة،‭ ‬لتصبح‭ ‬اهتزازا‭ ‬لا‭ ‬نهائيا‭ ‬فى‭ ‬أعماقى‭…‬

‭ ‬أحب‭ ‬جدا‭ ‬الجلوس‭ ‬الى‭ ‬جوار‭ ‬النافذة‭. ‬أهوى‭ ‬تأمل‭ ‬المناظر‭ ‬التى‭ ‬تحيط‭ ‬وتدور ‬حول‭ ‬القطار‭ ‬من‭ ‬خارجه‭.‬الحقول‭ ‬الخضراء،‭ ‬الأشجارالعالية،‭ ‬أعمدة‭ ‬التليفون ‬والنور،‭ ‬المحطات‭ ‬الصغيرة‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬يراها‭ ‬القطار‭ ‬فلا‭ ‬يقف‭ ‬عندها‭…‬عصفور‭ ‬صغير؛‭ ‬يسابق‭ ‬القطار،‭ ‬وعندما‭ ‬يكتشف‭ ‬أنه‭ ‬سيرهق‭ ‬نفسه‭ ‬بلا‭ ‬نتيجة‭ ‬ولا‭ ‬هدف‭ ‬يتوقف‭  .‬

ليت‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬يجرون‭ ‬وراء‭ ‬السراب‭ ‬يتعلمون‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العصفور‭!!‬

‭ ‬أحب‭ ‬أيضا‭ ‬مراقبة‭ ‬شريط‭ ‬الماء‭ ‬الجارى‭ ‬بمحازاة‭ ‬القضبان،وخط‭ ‬الأفق‭ ‬الذى‭ ‬تلتقى‭ ‬عنده‭ ‬الأرض‭ ‬بالسماء،‭ ‬والذى‭ ‬يبتعد‭ ‬ساخرا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يفكر‭ ‬فيحاول الاقتراب‭ ‬منه‭. ‬هكذا‭ ‬أنا،‭ ‬كلما‭ ‬سافرت‭ ‬أهيم‭ ‬مسرورا‭ ‬مع‭ ‬طبيعية‭ ‬الحياة‭ ‬التى‭ ‬أراها‭ ‬تجرى‭ ‬مع‭ ‬وحول‭ ‬القطار‭…‬آه‭…‬ما‭ ‬هذا؟‭! ‬حقيبة‭ ‬كبيرة‭ ‬وثقيلة‭ ‬وقعت‭ ‬فجأة‭ ‬على‭ ‬رجلى‭.‬أحسست‭ ‬بألم‭ ‬شديد‭ ‬يكاد‭ ‬أن‭ ‬يمزق‭ ‬ركبتى‭. ‬أمسكت‭ ‬بالحقيبة ‬فى‭ ‬غيظ‭ ‬وحنق‭ ‬شديدين‭. ‬نظرت‭ ‬حولى‭ ‬باحثا‭ ‬عن‭ ‬صاحب‭ ‬الحقيبة‭ ‬المجرمة‭.‬

‭ ‬التقت‭ ‬عيناى‭ ‬بعينين‭ ‬سوداوين‭ ‬كالليل ولامعتين‭ ‬كالنجوم‭. ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬لحظة‭ ‬التـقـاء‭ ‬العيـون،‭ ‬عانقت‭ ‬سمعى‭ ‬همسات‭ ‬خجلى‭ ‬ورقيقة‭ ‬ومرتعشة‭:‬

‭- ‬ آسفة‭ …‬أنا‭…‬آسفة‭ ‬جدا‭…‬و‭…‬ ‭ ‬قاطعتها‭ ‬بسرعة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تسترسل‭ ‬فى‭ ‬تأسفاتها‭ ‬الذى‭ ‬آلمنى‭ ‬أكثر‭:‬

‭- ‬ لاداعى‭ ‬للأسف‭…‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬ما‭ ‬يستأهل‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التأسفات‭…‬ ‬أكملت‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يفارق‭ ‬احمرار‭ ‬الخجل‭ ‬قسمات‭ ‬وجهها‭ ‬الجميل‭:‬

‭- ‬ هذه‭ ‬الحقيبة‭ ‬اللعينة‭…‬لا‭ ‬أدرى‭ ‬ماذا‭ ‬أقول‭…‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬كيف‭ ‬أعتذرلك‭…‬‭ ‬بلعت‭ ‬ريقى‭ ‬الذى‭ ‬ملأ‭ ‬حنجرتى،‭ ‬وخرج‭ ‬صوتى‭ ‬مبللا‭ ‬بالحرج‭:‬

‭- ‬ لقد‭ ‬اعتذرت‭ ‬بما‭ ‬يكفى‭…‬ولا‭ ‬شىء‭ ‬يستحق‭ ‬كل‭ ‬أسفك‭…‬

‭- ‬ كيف‭ ‬ذلك؟‭!…‬

‭- ‬ حقيبتك‭ ‬كانت‭ ‬فوق‭ ‬الرف‭ ‬فى‭ ‬أمان‭ ‬الله‭…‬لا‭ ‬بها‭ ‬ولا‭ ‬عليها‭… ‬لكن‭ ‬اهتزاز القطار‭ ‬هو‭ ‬الذى‭ ‬أسقطها‭…‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الذنب‭ ‬ذنبى‭ ‬أنا‭…‬و‭ …‬قاطعتنى‭ ‬وهى‭ ‬تنظر‭ ‬الىّ‭ ‬فى‭ ‬دهشة،‭ ‬وقد‭ ‬اتسعت‭ ‬عيناها‭ ‬وامتلأ‭ ‬وجهها‭ ‬باللافهم.

‭- ‬ الذنب‭ ‬ذنبك‭ ‬أنت؟‭!! ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬ماذا‭ ‬تعنى؟‭!!‬

‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬مرحا‭ ‬ولطيفا‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬أستطيع،‭ ‬لأحول‭ ‬الموقف‭ ‬المحرج‭ ‬الذى ‬وضعتنا‭ ‬فيه‭ ‬حقيبتها‭ ‬الى‭ ‬مجرد‭ ‬نكتة‭:‬

‭ – ‬لأننى‭ ‬أنا‭ ‬الذى‭ ‬جلست‭ ‬تحت‭ ‬الرف‭ ‬الذى‭ ‬كانت‭ ‬حقيبتك‭ ‬عليه‭…‬‬هزت‭ ‬رأسها‭ ‬الصغير‭ ‬وهى‭ ‬تبتسم‭ ‬فى‭ ‬رقة‭:‬

‭- ‬ وأين‭ ‬كنت‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تجلس‭ ‬اذن؟‭!!‬

‭ – ‬لو‭ ‬أننى‭ ‬جلست‭ ‬فوق‭ ‬الرف‭ ‬لما‭ ‬وقعت‭ ‬حقيبتك‭ ‬على‭ ‬رجلى‭ …‬‭ ‬ابتسمت‭ ‬أكثر‭. ‬نكتتى‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قوية‭ ‬ولاذعة‭ ‬لتجعلها‭ ‬تقهقه‭. ‬النساء‭ ‬أيضا‭ ‬لديهن‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التماسك‭ ‬ومقاومة‭ ‬الرغبة‭ ‬فى‭ ‬القهقهة‭ ‬وهن‭ ‬فى‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة‭.‬

للأسف؛‭ ‬هن‭ ‬لا‭ ‬يستطعن‭ ‬التحكم‭ ‬فى‭ ‬دموعهن‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬مكان‭ ‬عام‭ ‬أو‭ ‬خاص؟‭!!.‬

قالت‭ ‬بصوتها‭ ‬العذب؛‭ ‬مصحوبا‭ ‬بنظرة‭ ‬رجاء‭ ‬ملحة‭:‬

‭- ‬ اذن‭.. ‬وما‭ ‬دام‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭…‬فتعال‭ ‬واجلس‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الرف‭…‬هنا‭…‬‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬نهضت‭ ‬لأعيد‭ ‬حقيبتها‭ ‬الى‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬فوق‭ ‬الرف‭. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نظرت‭ ‬الى‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تشير؛‭ ‬للمكان‭ ‬الخالى‭ ‬بجوارها،‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬ما‭ ‬يمنعنى‭ ‬من‭ ‬تلبية‭ ‬دعوتها‭.‬جلست‭ ‬الى‭ ‬جوارها‭.‬سمعت‭ ‬زفرة‭ ‬ضيق‭ ‬أطلقها‭ ‬ذلك‭ ‬العجوز‭ ‬الأصلع‭ ‬الجالس‭ ‬أمامها‭. ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬نظراته‭ ‬ملتصقة‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬نظارته‭ ‬الطبية‭ ‬السميكة‭ ‬العدسات،‭ ‬وتلك‭ ‬الصحيفة‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يلصقها‭ ‬بوجهه‭ ‬متظاهرا‭ ‬بأنه‭ ‬يقرأها‭. ‬لم‭ ‬أهتم‭ ‬به‭ ‬كثيرا،‭ ‬ونسيته‭ ‬تماما‭ ‬بعد‭ ‬قليل‭. ‬وقف‭ ‬القطار‭ ‬على‭ ‬احدى‭ ‬المحطات‭. ‬فتحت‭ ‬النافذة‭ ‬التى‭ ‬الى‭ ‬جوارها‭. ‬صممت‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬بعض‭ ‬البيض‭ ‬والسميط‭ ‬لنأكل‭ ‬ويكون‭ ‬بيننا‭(‬عيش‭ ‬وملح‭ . ‬أفهمتها‭ ‬أننى‭ ‬لا‭ ‬آكل‭ ‬أبداً‭ ‬أثناء‭ ‬سفرى‭.‬

اندهشت‭. ‬ألحّت؛‭ ‬وأقسمت فشربت‭ ‬زجاجة‭ ‬عصير‭ ‬مانجو‭ ‬مثلج‭. ‬دخل‭ ‬الديوان‭ ‬الذى‭ ‬كنا‭ ‬به‭ ‬ركاب‭ ‬جدد‭. ‬رجل‭ ‬وزوجته‭ ‬وثلاثة‭ ‬أطفال‭. ‬تحرك‭ ‬القطار‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭.‬سألتنى‭ ‬فجأة‭ ‬باستغراب‭ ‬واهتمام‭:‬

‭- ‬ تصور‭… ‬اننا‭ ‬لم‭ ‬نتعارف‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭…‬

‭- ‬ غريبة‭…‬فلنتعرّف‭ ‬الآن‭ ‬؛‭ ‬اذا‭ ‬أردت‭ ‬طبعا؟‭!!‬

‭- ‬ حضرتك‭ ‬اسمك‭ ‬ايه؟؟

‭ ‬ابتسمت‭ ‬لها‭ ‬مشجعا‭ ‬اياها‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة،‭ ‬ولما‭ ‬سكتت‭ ‬قلت‭:‬

‭- ‬ فلنجعل‭ ‬منها‭ ‬فزورة‭…‬ما‭ ‬رأيك؟‭!‬

‭- ‬ أنا‭ ‬لا‭ ‬أجيد‭ ‬لعبة‭ ‬الفوازير‭ ‬هذه‭…‬أظننى‭ ‬غبية‭…‬

‭- ‬ بالعكس‭…‬فلا‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الرأس‭ ‬الجميل‭ ‬يحمل‭ ‬عقلا‭ ‬غبيا؟‭!!‬

‭ – ‬ولم‭ ‬لا؟‭!!‬

‭- ‬ ذلك‭ ‬الشعر‭ ‬الأسود‭ ‬الفاحم‭ ‬الناعم،‭ ‬وهذه‭ ‬العيون‭ ‬اللامعة‭ ‬الرائعة،‭ ‬وهذا‭ ‬

الجـبـــيــن‭ ‬الأبـيــــض‭ ‬العــريـــض‭….‬و‭…‬ قاطعتنى‭ ‬وهى‭ ‬تمسك‭ ‬بيدى‭ ‬وكأنها‭ ‬لا‭ ‬تقصد‭:‬

‭- ‬كفى‭ …‬كفى‭…‬هل‭ ‬تسألنى‭ ‬أو‭ ‬تغازلنى؟‭!!‬

انتهزت‭ ‬فرصة‭ ‬وجود‭ ‬يدها‭ ‬فى‭ ‬يدى؛‭ ‬فضغطت‭ ‬عليها‭ ‬برفق‭ ‬وأنا‭ ‬أهمس‭ ‬لها‭:‬

‭ – ‬أنا‭…‬أصفك‭…‬فقط‭…‬

‭- ‬ فقط؟‭!!‬

‭ ‬صاح‭ ‬أحد‭ ‬الأطفال‭ ‬الصغار‭ ‬فجأة‭:‬

‭- ‬ ماما‭…‬ماما‭…‬أنا‭ ‬جائع‭…‬أريد‭ ‬أن‭ ‬آكل‭ …‬‭ ‬أعطته‭ ‬أمه‭ ‬ساندويتشاً‭ ‬صغيراً،‭ ‬قضم‭ ‬منه‭ ‬قطعة‭ ‬ملأ‭ ‬بها‭ ‬فمه‭ ‬وسكت‭. ‬وجدتنى ‬فى‭ ‬حيرة‭ ‬شديدة‭ ‬مما‭ ‬يحدث‭ ‬لى‭. ‬معرفة‭ ‬سريعة؛‭ ‬فى‭ ‬قطار‭ ‬مسرع؛‭ ‬تفعل‭ ‬بى‭ ‬كل‭ ‬ذلك؟‭!. ‬لقد‭ ‬عشت‭ ‬سنين‭ ‬حياتى‭ ‬الماضية‭ ‬كلها؛‭ ‬وأنا‭ ‬أنكر‭ ‬قصص‭ ‬الحب،‭ ‬وأهزأ‭ ‬بجنون‭ ‬المحبين‭. ‬أظننى‭ ‬كنت‭ ‬مخطئا‭. ‬أعتقد‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الحب‭ ‬الذى‭ ‬سمعتهم‭ ‬يقولون‭ ‬عنه‭: ‬أنه‭…‬وأنه‭…‬وأنه‭…‬هو‭ ‬حدث؛‭ ‬أو‭ ‬حادث؛‭ ‬يحدث‭ ‬لكل‭ ‬الناس‭ …‬‭ ‬جاءنى‭ ‬صوتها‭ ‬طائرا‭ ‬مرفرفا‭ ‬الىّ‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬العالم‭ ‬البعيد‭ ‬الذى‭ ‬ذهبت‭ ‬اليه‭ ‬فى‭ ‬اللحظة‭ ‬التى‭ ‬أمسكت‭ ‬فيها‭ ‬بيدها‭:‬

‭- ‬ أيـن‭ ‬ذهبت؟‭!‬

‭- ‬ مـعـــك‭…‬

‭- ‬ فـيـم‭ ‬تفكر؟‭!‬

‭- ‬ فـيــك‭…‬

‭- ‬ كــيـف؟‭!‬

‭ ‬نظرت‭ ‬اليها‭ ‬ولم‭ ‬أنطق‭ ‬بحرف‭ ‬واحد‭. ‬لفنا‭ ‬الصمت‭. ‬رحت‭ ‬أتأمل‭ ‬وجهها‭ ‬فى ‬سكون‭. ‬أثارنى‭ ‬ذلك‭ ‬الغموض‭ ‬الحلو‭ ‬الذى‭ ‬تفيض‭ ‬به‭ ‬عيناها‭. ‬تمنيت‭ ‬لو‭ ‬بقيت‭ ‬عمرى‭ ‬كله‭ ‬معها‭. ‬اهتزازة‭ ‬قطار‭ ‬قوية‭ ‬أعادتنى‭ ‬بقسوة‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬الأحلام‭. ‬لمحت‭ ‬المراهق‭ ‬العجوز‭ ‬وقد‭ ‬وضع‭ ‬الصحيفة‭ ‬على‭ ‬وجهه‭ ‬ونام‭. ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬لعننى‭ ‬آلآف‭ ‬المرات،‭ ‬وطلب‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يرسلنى‭ ‬للجحيم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حرمته‭ ‬من‭ ‬متعته‭ ‬بالنظر‭ ‬اليها‭. ‬قال‭ ‬لى‭ ‬معاتبة‭:‬

‭- ‬ لم‭ ‬نتعارف‭ ‬حتى‭ ‬الآن؟‭!‬

‭ – ‬ما‭ ‬زلنا‭ ‬معا‭…‬

‭- ‬ سأنزل‭ ‬فى‭ ‬محطتى‭ ‬القادمة‭…‬

‭- ‬ هكذا‭ ‬بسرعة؟‭!!‬

‭- ‬ ظللنا‭ ‬معا‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ثمانى‭ ‬ساعات‭…‬

‭- ‬ هل‭ ‬أنت‭ ‬من‭ ‬الأقصر؟‭!‬

‭- ‬ بل‭ ‬أعمل‭ ‬هناك‭…‬‭‬ وقفت‭. ‬سوت‭ ‬ملابسها‭. ‬مشطت‭ ‬شعرها‭. ‬أمسكت‭ ‬بحقيبة‭ ‬يدها‭. ‬حملت‭ ‬عنها‭ ‬تلك‭ ‬الحقيبة‭ ‬الثقيلة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬سبب‭ ‬تعارفنا‭. ‬سرت‭ ‬معها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خرجنا‭ ‬وتركنا‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فى‭ ‬الديوان‭ ‬نياما‭. ‬فى‭ ‬اللحظة‭ ‬التى‭ ‬وصلنا‭ ‬عند‭ ‬الباب؛‭ ‬كان‭ ‬القطار‭ ‬قد‭ ‬توقف‭ ‬على‭ ‬رصيف‭ ‬المحطة‭. ‬نزلت‭ ‬ونزلت‭ ‬معها‭ ‬حاملا‭ ‬حقيبة‭ ‬سفرها‭:‬

‭- ‬ لم‭ ‬تقولى‭ ‬لى‭ ‬ماذا‭ ‬تعملين‭ ‬فى‭ ‬الأقصر؟‭! ‬ولم‭ ‬أعرف‭ ‬حتى‭ ‬أسمك؟‭!‬

‭ ‬تحرك‭ ‬القطار،‭ ‬فقفزت‭ ‬لألحق‭ ‬به‭. ‬سمعتها‭ ‬تقول‭:‬

‭ – ‬اسمى‭ ‬رجاء‭…‬وأعمل‭ ‬فى‭….‬و‭…‬‭ ‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬سماع‭ ‬بقية‭ ‬كلماتها‭. ‬لوحت‭ ‬لها‭ ‬بيدى‭ ‬ردا‭ ‬على‭ ‬تلويحها‭ ‬لى‭. ‬أخذت ‬تصغر‭ ‬و‭ ‬تصغر‭ ‬حتى‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أراها‭ ‬بعينىّ‭. ‬عدت‭ ‬الى‭ ‬الديوان؛‭ ‬فوجدت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬نياما‭ ‬كما‭ ‬تركتهم‭. ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬معهم‭ ‬ذلك‭ ‬المراهق‭ ‬العجوز‭ ‬الأصلع،‭ ‬ولم‭ ‬أجد‭ ‬حقيبة‭ ‬سفرى‭ ‬أيضا؟‭!!. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بها‭ ‬أشياء‭ ‬مهمة‭. ‬بحثت‭ ‬عنهما‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬عربات‭ ‬القطار،‭ ‬وفشلت‭ ‬فى‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬منهما‭. ‬وصلت‭ ‬الى‭ ‬أسوان‭ ‬وليس‭ ‬معى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الملابس‭ ‬التى‭ ‬أرتديها‭…‬‭ ‬عندما‭ ‬حكيت‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لصديقى‭ ‬‭‬سامى‭ ‬قال‭ ‬ضاحكا‭:‬

‭- ‬ قالوا‭ ‬فى‭ ‬الأمثال‭:‬الحب‭ ‬عذاب‭…‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬تصدقهم‭…‬

‭- ‬ لا‭ ‬أفهم‭ ‬شيئا‭…‬ماذا‭ ‬تقصد؟‭!‬

‭- ‬ انه‭ ‬الحب‭…‬يا‭…‬عزيزى‭!!‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى