مقالات رأى مختلفة

لماذا يا الله .. ؟!

بقلم/ رائد نبيل

كيف‭ ‬يريد‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬نعبده‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬وهو‭ ‬يتركنا‭ ‬هكذا‭ ‬نقاسى‭ ‬آلام‭ ‬الحياه؟‭,‬‭  ‬نحن‭ ‬نقترب‭ ‬إليه‭ ‬وهو‭ ‬يبتعد‭ ‬عنا‭ .. ‬تلك‭ ‬الكلمات‭ ‬قالها‭ ‬صديقى‭ ‬عندما‭ ‬جالسته‭ ‬للحديث‭ ‬سوياّ‭ ‬عن‭ ‬ظروف‭ ‬الحياة‭,‬‭ ‬قالها‭ ‬بحزن‭ ‬موُجع‭ ‬للقلب‭ ‬وإختتمها‭ ‬بسؤال‭ ‬لا‭ ‬يُنسى‭ ‬يقول‭ ‬‭”‬‭ ‬لماذا‭ ‬يا‭ ‬الله‭ .. ‬؟‭! ‬‭”, ‬‭ ‬بعدها‭ ‬ذهب‭ ‬وتركنى‭ ‬وحيداُ‭, ‬دارت‭ ‬فى‭ ‬الذهن‭ ‬أسئلة‭ ‬تشبه‭ ‬ذلك‭ ‬السؤال‭ ‬ومواقف‭ ‬من‭ ‬واقعنا‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬تفسيرها‭ ..‬

عندما‭ ‬جلستُ‭ ‬بمفردى‭,‬‭ ‬أحضرت‭ ‬ورقة‭ ‬بيضاء‭ ‬لكتابة‭ ‬تساؤلات‭ ‬بعض‭ ‬أصدقائى‭,‬‭ ‬فتذكرت‭ ‬أن‭ ‬أحدهم‭ ‬لم‭ ‬ينجب‭ ‬طفلاً‭ ‬وآخَرون‭ ‬إنتظروا‭ ‬عشرات‭ ‬السنوات‭ ‬بينما‭ ‬غيرهم‭ ‬رزقهم‭ ‬مباشرة‭ .. ‬أحدهما‭ ‬يُولد‭ ‬عاجزاً‭ ‬وآخَرون‭ ‬يأخذون‭ ‬بطولات‭ ‬العالم‭ ‬فى‭ ‬كمال‭ ‬الأجسام‭ .. ‬أطفال‭ ‬وشباب‭ ‬يودعون‭ ‬الحياة‭ ‬فى‭ ‬أزهى‭ ‬سنوات‭ ‬عمرهم‭,‬‭ ‬بينما‭ ‬يترك‭ ‬الشيوخ‭ ‬والعواجيز‭ ‬التى‭ ‬تعانى‭ ‬العجز‭ ‬والألم‭ .. ‬يُعطى‭ ‬أحدهم‭ ‬أعلى‭ ‬مناصب‭ ‬القيادة‭ ‬يترك‭ ‬شباب‭ ‬يضيع‭ ‬زمنا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬فى‭ ‬رحلة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬عمل.‭ ‬

أناس‭ ‬تموت‭ ‬جوعا‭ ‬واناس‭ ‬تملك‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تملكه‭ ‬بلاد‭ ‬بأكملها‭ .. ‬يترك‭ ‬الأشرار‭ ‬يمارسون‭ ‬حياة‭ ‬سعيدة‭ ‬بينما‭ ‬الذين‭ ‬يخافونه‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬وجع‭ ‬الحياة, ويتأخر‭ ‬فى‭ ‬إيجاد‭ ‬السعادة‭ ‬لأتقيائه‭ .. ‬تدخل‭ ‬المستشفيات‭ ‬تجد‭ ‬مرضى‭ ‬كثيرون‭ ‬يتمنون‭ ‬لمسة‭ ‬شفاء‭ ‬منه‭ ‬ولم‭ ‬يُرسلها‭ ‬بعد‭ .. ‬شاب‭ ‬يتعثر‭ ‬فى‭ ‬دراسته‭ ‬لأسباب‭ ‬لا‭ ‬شأن‭ ‬له‭ ‬بها‭ ‬وآخَر‭ ‬يسير‭ ‬الأمر‭ ‬طبيعى‭ ‬معه‭ .. ‬أناس‭ ‬بلا‭ ‬مأوى‭ ‬ومسكن‭ ‬وأطفال‭ ‬فى‭ ‬الشوارع‭ ‬وآخَرون‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬الإختيار‭ ‬فى‭ ‬العيش‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬من‭ ‬قصورهم‭ .. ‬تذكرت‭ ‬عندما‭ ‬جاءنى‭ ‬صديقى‭ ‬الذى‭ ‬فقد‭ ‬بصره‭ ‬منذ‭ ‬ولادته‭, ‬يتلمس‭ ‬الجدار‭ ‬بعصاه‭  ‬وقال‭ ‬ها‭ ‬أنت‭ ‬ترى‭ ‬كل‭ ‬شىء‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭,‬‭ ‬ترى‭ ‬الطرق‭ ‬والمنازل‭ ‬والاشجار‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬التى‭ ‬سمعت‭ ‬وصفها‭ ‬فقط‭,‬‭ ‬لماذا‭ ‬خلقنى‭ ‬هكذا‭ ‬؟‭! .. ‬وفى‭ ‬حديثى‭ ‬يوماً‭ ‬مع‭ ‬صديقتى‭ ‬الثلاثينية‭,‬‭ ‬والتى‭ ‬تملك‭ ‬كل‭ ‬مقومات‭ ‬فتاة‭ ‬الأحلام‭ ‬التى‭ ‬يتمناها‭ ‬أى‭ ‬شاب‭,‬‭ ‬وقالت‭ ‬يا‭ ‬صديقى‭ ‬لم‭ ‬أطلب‭ ‬شيئا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬صديقاتى‭, ‬تعلمت‭ ‬اخاف‭ ‬الله‭ ‬منذ‭ ‬صغرى‭,‬‭ ‬لا‭ ‬شىء‭ ‬بيدى‭ ‬ولكنهم‭ ‬يعايروننى‭ ‬بإنى‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬عزباء‭ .. ‬حروب‭ ‬وصراعات‭ ‬تمسح‭ ‬بلاد‭ .. ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬جعلتنى‭ ‬أزعُم‭ ‬بأن‭ ‬الله‭ ‬يقف‭ ‬بعيداً‭ ‬وأن‭ ‬الحياة‭ ‬ليست‭ ‬عادلة‭ ..‬

علمونى‭ ‬قديماً‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬ليس‭ ‬مصدر‭ ‬الشر‭ ‬الموجود‭ ‬فى‭ ‬العالم‭,‬‭ ‬فلماذا‭ ‬يسمح‭ ‬الله‭ ‬بالشر‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يعلمه‭ ‬؟‭,‬‭ ‬أسئلة‭ ‬كثيرة‭ ‬تتردد‭ ‬فى‭ ‬الأذهان‭ ‬وخصوصاً‭ ‬فى‭ ‬الضيقات‭ ‬والظروف‭ ‬الصعبة‭ ‬كمن‭ ‬يقول‭ ‬أين‭ ‬هو‭ ‬الله‭,‬‭ ‬أو‭ ‬لماذا‭ ‬يارب؟‭ ,‬‭ ‬لماذا‭ ‬تتركنا‭ ‬هكذا‭ ‬؟‭ .. ‬إمتلئت‭ ‬ورقتى‭ ‬بمواقف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬حتى‭ ‬كتبت‭ ‬الثانية‭ ‬وهكذا‭ .. ‬كلها‭ ‬أسئلة‭ ‬عجزتُ‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬إجابة‭ ‬لها‭ .. ‬حقيقة‭ ‬هناك‭ ‬أسئلة‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬تقال؟‭ ‬أو‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬حقنا‭ ‬قولها‭ ‬ام‭ ‬لا‭ !! .. ‬كلها‭ ‬تناقضات‭ ‬يا‭ ‬الله‭,‬‭ ‬تثير‭ ‬الوجع‭ ‬فى‭ ‬النفوس‭ ‬وتنفض‭ ‬اللوم‭ ‬عليك‭,‬‭ ‬لم‭ ‬نعرف‭ ‬كيف‭ ‬نُسكت‭ ‬الألم‭ ‬فى‭ ‬نفوسنا‭,‬‭ ‬ضجيج‭ ‬التفكير‭ ‬يُتعب‭ ‬العقل‭, ‬والضيقات‭ ‬تُهلك‭ ‬القلب‭ ‬وجعاً‭ .. ‬وأكثر‭ ‬ما‭ ‬يوُجع‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬تلك‭ ‬الأسئلة‭,‬‭ ‬إجاباتها‭ ‬غير‭ ‬شافية‭ ..‬

أسرعت‭ ‬وقتها‭ ‬للحديث‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬رجال‭ ‬الله‭ ‬الذين‭ ‬أعتز‭ ‬برأيهم‭ ‬وإرشادهم‭ ‬كثيراُ‭,‬‭ ‬فقال‭ ‬لى‭ ‬صبراُ‭ ‬يا‭ ‬ولدى لا‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬ينكر‭ ‬وجود‭ ‬تناقضات‭ ‬مثل‭ ‬هذه ولكن‭ ‬الله‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬لكل‭ ‬إنسان‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬غيره‭, ‬وكل‭ ‬واحد‭ ‬له‭ ‬رسالته‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الحياة,‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬تنتج‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬المواقف‭ ‬مع‭ ‬اهتزاز‭ ‬الإيمان‭ ‬بالاضافة‭ ‬الى‭ ‬الإبتعاد‭ ‬قليلاً‭ ‬عن‭ ‬الله,‭ ‬فلا‭ ‬تتسرع‭ ‬بسؤال‭ ‬هكذا‭,‬‭ ‬ستفهم‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬وستعرف‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬شىء‭ ‬زمان‭ ‬ولكل‭ ‬أمر‭ ‬تحت‭ ‬السموات‭ ‬وقت حتى‭ ‬عند‭ ‬تأخره‭ ‬فى‭ ‬الإستجابة‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬لمنع‭ ‬شرا‭ ‬سيحدث‭,‬‭ ‬لو‭ ‬فتشت‭ ‬فى‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬وتأملت‭ ‬تاريخ‭ ‬الأمم‭ ‬والأجيال‭ ‬القديمة‭ ‬ستستريح‭, ‬لم‭ ‬يتوكل‭ ‬أحد‭ ‬عليه‭ ‬وخزى‭ .. ‬فقلت‭ ‬عندما‭ ‬تأملت‭ ‬كتبه‭, ‬أثارنى‭ ‬العجب‭,‬‭ ‬كيف‭ ‬يجعل‭ ‬أقرب‭ ‬الناس‭ ‬إليه‭ ‬يقول:

إلى‭ ‬متى‭ ‬يارب‭ ‬تنسانى‭ ‬كل‭ ‬النسيان‭ “‬‭ ‬؟‭ .. ‬أجابنى‭ ‬باسماً‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬يجرب‭ ‬فقط‭ ‬أتقيائة‭,‬‭ ‬ولكنه‭ ‬حتماً‭ ‬سيُصلح‭ ‬كل‭ ‬شىء‭ ‬ويُفرح‭ ‬قلوب‭ ‬مُحبيه‭,‬‭ ‬هو‭ ‬يعمل‭ ‬ويتدخل‭ ‬ويتدبر‭ ‬ولكنه‭ ‬يدبر‭ ‬بطريقته‭ ‬وبإسلوبه‭ ‬الخاص‭, ‬ما‭ ‬أبعد‭ ‬أحكامه‭ ‬عن‭ ‬الفحص‭ ‬وطرقه‭ ‬عن‭ ‬الاستقصاء‭!‬‭, ‬حكمة‭ ‬الله‭ ‬العالية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تحول‭ ‬الشر‭ ‬إلى‭ ‬خير‭ ‬والمر‭ ‬إلى‭ ‬حلو‭,‬‭ ‬والكارثة‭ ‬إلى‭ ‬بركة‭, ‬تأمل‭ ‬معى‭ ‬فى‭ ‬عملية‭ ‬تمحيص‭ ‬الذهب‭ ‬بالنار‭,‬‭ ‬النار‭ ‬قوية‭ ‬ومؤلمة‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬منها‭ ‬لإخراج‭ ‬الذهب‭ ‬فى‭ ‬أنقى‭ ‬صوره‭,‬‭ ‬هكذا‭ ‬تجارب‭ ‬الله‭ ‬معنا‭,‬‭ ‬يجعل‭ ‬الضيقة‭ ‬تمر‭ ‬بك‭ ‬ليجهزك‭ ‬لنعمة‭ ‬عظيمة‭ ‬لا‭ ‬تتوقعها‭,‬‭ ‬تذكر‭ ‬معى‭ ‬قصة‭ ‬يوسف‭,‬‭ ‬فها‭ ‬أفضل‭ ‬سنين‭ ‬عمره‭ ‬قضاها‭ ‬فى‭ ‬العبودية‭ ‬والسجن‭,‬‭ ‬ماذا‭ ‬دار‭ ‬بعقله‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الأوقات أتعرف‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬نعرف‭ ‬نهاية‭ ‬القصة‭ ‬المفرحة‭ ‬للقلب‭ ‬لكُنا‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬نلوم‭ ‬الله‭ ‬كثيراُ‭,‬‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬التى‭ ‬يُقال‭ ‬في‭ ‬بدايتها‭ ‬‭” ‬لماذا‭ ‬يا‭ ‬الله؟‭ ‬‭”,‬‭ ‬يأتى‭ ‬الله‭ ‬ويجيب‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬سائليه‭ ‬بطريقته‭ ‬التى‭ ‬سيلمسوها‭ ‬بعقولهم‭ ‬وقلوبهم‭,‬‭ ‬ربما‭ ‬يتأخر‭ ‬ولكنه‭ ‬حتما‭ ‬سيأتى‭ .. ‬

بعدها‭ ‬جاءنى‭ ‬صديقى‭ ‬الذى‭ ‬جالسته‭ ‬وأشعل‭ ‬ذلك‭ ‬السؤال‭ ‬فى‭ ‬نفسى‭ ‬وقال‭ ‬لى‭ ‬‭” ‬هل‭ ‬جمعت‭ ‬إجابة‭ ‬لسؤالى‭ ‬؟‭ “, ‬فقلت‭ ‬‭”‬‭ ‬لو‭ ‬أمعنت‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬سؤالك‭, ‬ستجد‭ ‬إنه‭ ‬موجه‭ ‬لله‭,‬‭ ‬أرفع‭ ‬عينيك‭ ‬نحوه‭ ‬فقط‭ ‬وحتماً‭ ‬سيرسل‭ ‬لك‭ ‬الإجابة‭ ‬بطريقته‭ ‬فهو‭ ‬يعرف‭ ‬جيداً‭ ‬كيف‭ ‬يُريح‭ ‬القلوب‭,‬‭ ‬هو‭ ‬سامع‭ ‬الصلاة‭ ‬ويأتى‭ ‬إليه‭ ‬كل‭ ‬البشر‭ ..”‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى