مقالات رأى مختلفة

هل يوجد فرق بين كلمة (فتح) وكلمة (غزو)؟

بقلم/ طلعت رضوان

    يخجل الإسلاميون المعاصرون من استخدام تعبير(الغزوالعربى) ويُـفضلون تعبير(الفتح الإسلامى) ويزعمون أنّ (الفتح/ الغزو) العربى كان بهدف نشرالإسلام، بينما الواقع، كما جاء فى كتب التراث العربى/ الإسلامى، أنّ أول سؤال سأله الغزاة العرب لحكام الدول التى احتلوا أراضيها، كان عن مقدار(الجزية) وهوما فعلوه فى العراق والشام وفارس ومصر..إلخ. ويؤكد ذلك أنّ الغزوالعربى- على سبيل المثال- كان فى عهد عمربن الخطاب، بينما تجميع القرآن فى مصحف واحد كان فى عهد عثمان. فكيف يكون الهدف (نشرالإسلام) كما يزعم المُـغالطون؟

    كما يتحنــّـب العروبيون والإسلاميون وأدعياء الليبرالية وأغلب الماركسيين  استخدام تعبير (الغزو العربى) على بلاد الشام والعراق والمغرب ومصرإلخ، بينما التزم المؤرخون القدامى بالتعبيرالصحيح، فصدرتْ عدة كتب (تراثية) بعنوان (غزوات الرسول) وهوما جاء فى (صحيح البخارى) حيث التزم بما سمعه من الرواة ومن أمثلة ذلك: عن فلان عن فلان عن أنس أنّ رسول الله ((غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس (الغلس ظلمة آخر الليل) ولما دخل النبى القرية قال ((الله أكبر..خربتْ خيبر..إنــّـا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المُـنذرين)) قالها ثلاثــًـا..وقال قائد الحملة:  فأصبناها عنوة..وسبينا..وقال دُحية للنبى: اعطنى جارية من السبى. قال: اذهب فخذ جارية. فأخذ صفية بنت حـُـيى، فجاء رجل إلى النبى وقال: يا نبى الله.. أعطيتَ دحية صفية بنت حـُـيى سيدة قريظة والنضير، لاتصلح إلاّ لـك. قال: ادعوه بها..فجاء بها..فلما نظرإليها النبى قال: خذ جارية من السبى غيرها..قال فأعتقها النبى وتزوجها..حتى إذا كان بالطريق جهـّـزتها أم سليم فأهدتها له من الليل فأصبح النبى عروسًا (الأدق لغويًا عريسًا) وقال: من كان عنده شىء فليحيى به..وبسط نطعـًا..إلخ)) (حديث رقم 371).

   وهذا الحديث الذى سرد واقعة غزوخيبرفيه أكثرمن دلالة 1- التزام راوى الحديث باستخدام كلمة (غزو) 2- التأكيد على سبى النساء بعد انتصارجيش محمد 3- السبايا من النساء يتم توزيعهنّ على أتباع محمد 4- الإنسانة التى وقعتْ ضحية (السبى) تمّ التعامل معها على أنها مثل الشاة أوالجمل، تنتقل ملكيتها من شخص لآخر، كما حدث مع صفية، فبعد أنْ كانت من نصيب (دُحية) انتقلتْ لتكون من نصيب النبى 5- أنّ النبى دخل على صفية وعاشرها معاشرة الأزواج قبل أنْ يتأكد من خلورحمها من الحمل، حيث كانت صفية مُـتزوجة، وقــُــتل زوجها فى المعركة 6- عدم مراعاة مشاعرصفية التى يـُـقام حفل زفافها على من قتل زوجها ووالدها وباقى أفراد أسرتها، وفى مساء نفس اليوم الذى انتهتْ فيه المعركة.

   وللتأكيد على أنّ هدف الغزوات الحصول على غنائم المعركة، أورد البخارى الحديث التالى:  عن فلان عن فلان عن ابن عباس قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله، وقالوا: إنــّـا من هذا الحى من ربيعة. ولسنا نصل إليك إلاّفى الشهرالحرام، فمرنا بشيىء نأخذه عنك، فقال: ((آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع))  ثم فسّرها لهم واختتم حديثه قائلا ((وإنى رسول الله.. وأنْ تؤدوا إلىّ خـُـمس ما غنمتم)) (حديث رقم 523).

   ولكن هل الغزواقتصرعلى الحصول على غنائم المعارك؟ أم تسبّـب (الغزو) فى كوارث بشرية؟ عن فلان عن فلان عن أبى هريرة أنّ رسول الله قال ((والذى نفسى بيده، لقد هممتُ أنْ آمربحطب فيـُـحطب، ثم آمربالصلاة فيؤذن لها، ثم آمررجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم)) (حدث رقم 644) فلمذا حرق البيوت؟ لم يذكرأبوهريرة السبب الذى جعل النبى يقول هذا الكلام، ولم يهتم البخارى بتقصى هذا السبب.

   وتبريرالغزو- دائمًا– يأخذ صبغة ميتافيزيقية تكرّرتْ كثيرًا تحت مقولة ثابتة ((العمل فى سبيل الله)) أو((الجهاد فى سبيل الله)) مثال ذلك حديث ((من أغبرّتْ قدماه فى سبيل الله حرّمه الله على النار)) (حديث رقم 907) وأعتقد أنّ كلمة (أغبرّتْ) غالبًا مصدرها (الغبار) الذى يكون نتيجة حركة الخيول التى تنطلق مُـسرعة فوق الرمال أثناء الغزوات.

    وتأكــّـد ذلك فى حديث: عن فلان عن فلان عن عائشة قالت: قال رسول الله ((يغزوجيشٌ الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم)) (حديث رقم 2118) فهذا الحديث – بغض النظرعن اسم قائله– كاشف عن تلك الآلية التى اعتمد العرب عليها فى نهب موارد الشعوب المُـتحضرة، وعلى رأسها شعوب المُـجتمعات الزراعية، ويكون الهدف من الغزو- ليس نهب الموارد فقط– وإنما القضاء التام على تلك الشعوب، عندما استخدم تعبير((يخسف بأولهم وآخرهم)) وقد تأكــّـد ذلك بما جاء فى آخرالحديث، حيث سألتْ عائشة الرسول: كيف يا رسول الله يخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟)) فقال ((يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يـُـبعثون على نياتهم)) فما معنى تعبير((على نياتهم))؟ وماجدواه بعد أنْ تمّ ((الخسف بأولهم وآخرهم))؟ ومع ملاحظة أنّ تعبير(أولهم وآخرهم) يعنى الابادة التامة.

   وارتبط بالغزوالاغراء بدخول الجنة تحت مسمى (نيل شرف الاستشهاد فى سبيل الله) لذلك جاء حديث: عن فلان عن فلان عن سعيد بن المُسيب قال، إنّ أبا هريرة قال: سمعتُ النبى يقول ((والذى نفسى بيده لولا أنّ رجالامن المؤمنين لاتطيب أنفسهم أنْ يتخلــّـفوا عنى، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلــّـفتُ عن سرية تغزوفى سبيل الله. والذى نفسى بيده لوددتُ أنْ أقتل فى سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل)) (حديث رقم 2797) فهذا الحديث فيه تحريض واضح على الغزو(فى سبيل الله) لدرجة أنّ (الغازى فى سبيل الله) يتمنى– بشكل ميتافيزيقى– أنْ يُـبعث للحياة من جديد بعد أنْ يُـقتل، ولدرجة تريد تلك الأمنية ثلاث مرات، فإذا كان قائل هذا الحديث هونبى الإسلام، فكيف ولماذا لايفعل مثله المؤمنون برسالته؟

   وعن فلان عن فلان عن زيد بن خالد أنّ رسول الله قال ((من جهـّـزغازيًا فى سبيل الله فقد غزا، ومن خلــّـف غازيًا فى سبيل الله فقد غزا)) (حديث رقم 2843) ومعنى الحديث أنّ الشخص الذى لايستطيع المُـشاركة فى الغزو، ولكنه ساهم فى (التجهيزللغزو) فكأنه غزا مع باقى الغزاة. وهذا المعنى تأكــّـد بحديث ((الخيل فى نواصيها الخيرإلى يوم القيامة)) (حديث رقم 2849، حديث رقم 2850) ثم تكرّرفى حديث ((البركة فى نواصى الخيل)) (حديث رقم 2851) وتكرّرفى حديث ((الخيل معقود فى نواصيها الخيرإلى يوم القيامة: الأجروالمغنم)) (حديث رقم 2852) وهذا الحديث كان أكثروضوحا فى التركيزعلى (الأجر) وعلى (المغنم) أى الغنيمة كما ورد فى سورة الأنفال. وتكرّرفى حديث ((من احتبس فرسًا فى سبيل الله إيمانــًا بالله والتصديق بوعده، فإنّ (شبعه) و(ريه) وروثه وبوله فى ميزانه يوم القيامة)) (حديث رقم 2853) أى أنّ بول الفرس وروثه سيكونان فى ميزان (حسناته) يوم القيامة.

   أما الحديث الذى لم يكتف قائله بالتحريض على القتال والغزو، وإنما الحط من شأن البشر، فهوحديث ((لاتقوم الساعة حتى تــُـقاتلوا التــُـرك صغارالأعين، حـُـمرالوجوه، ذلف الأنوف، كأنّ وجوههم (المجان المطرقة) ولاتقوم الساعة حتى تــُـقاتلوا قومًا نعالهم الشعر)) (حديث رقم 2928) وتكرّرفى حديث رقم 2929. فلماذا ذلك التعالى المقيت اللاإنسانى، الذى يجعل شعر الإنسان يحل محل (النعل) أو(المداس) الذى يضعه الإنسان فى قدمه؟ بل إنّ العرب الذين خالفوا نبى الإسلام لم يسلموا من (دعوات) الدعاء عليهم مثل الحديث الذى قاله الرسول يوم الأحزاب ((ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا..شغلونا عن الصلاة الوسطى حين غابتْ الشمس)) (حديث رقم 2931) فهل مجرد الانشغال عن الصلاة تستوجب أنْ يقوم (الله) بحرق بيوت وقبورمن خالفوا النبى؟ وقال أيضًا ((اللهم مُـنزل الكتاب سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم)) (حديث رقم 2933) وحتى أقاربه وأبناء قبيلته قريش لم يسلموا من (الدعاء) عليهم فقال ((اللهم عليك بقريش..اللهم عليك بقريش)) (حديث رقم 2934) ولأنّ (الدعاء) سيترتب عليه هزيمة الخصوم وبالتالى الحصول على ممتلكاتهم لذلك قال ((أحلــّـتْ لى الغنائم)) (حديث رقم 3122) وتأكــّـد فى حديث ((تكفــّـل الله لمن جاهد فى سبيله لايُخرجه إلاّ الجهاد فى سبيله وتصديق كلماته، بأنْ يُـدخله الجنة، أويرجعه إلى مسكنه الذى خرج منه مع ما نال من أجرأو غنيمة)) (حديث رقم 3123) وقال (أحلّ الله لى الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا فأحلــّـها لنا)) (حديث رقم 3124) وتحت باب (بركة الغازى فى ماله حيًا وميتــًا مع النبى) كتب البخارى حديثــًا طويلا شمل صفحة كاملة من القطع الكبير، وخلاصة ما ذكره أنه نتيجة الغزوات التى قام بها الزبيرأنه اشترى ((غابة بسبعين ومائة ألف، فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف)) (حديث رقم 3129).

   وللتأكيد على أنّ الغزوات كان يتبعها سبى النساء والحصول على أموال القبيلة المهزومة، ورد حديث مُـلخصه أنّ وفدًا من هوازن (مسلمين) جاء إلى النبى، وسأل أعضاء الوفد الرسول أنْ يرد إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول الله ((أحبُ الحديث إلىّ أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتيْن: إما السبى وإما المال، قالوا نختارسبينا)) (حديث رقم 3131، وحديث رقم 3132).

    وتحت باب (من لم يُـخمّـس الأسلاب ومن قتل قتيلا فله سلبه من غيرأنْ يُـخمّـس) كتب البخارى عن فلان عن فلان عن أبى محمد مولى أبى قتادة، أنه بعد غزوة (حنين) قال الرسول لنا ((من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه)) (حديث رقم 3141).

   أما من يـُــقتل من جيش (المسلمين) ولم يحصل على (غنائم الدنيا) فإنّ الأحاديث العديدة ركــّـزتْ على معنى الاستشهاد (فى سبيل الله) وأنْ ينال (الشهيد) دخول الجنة، وهوما عبّرعنه حديث: عن فلان عن فلان عن أنس بن مالك أنّ النبى قال ((ما أحد يدخل الجنة يـُـحبُ أنْ يرجع إلى الدنيا وله ماعلى الأرض من شىء إلاّ الشهيد، يتمنى أنْ يرجع إلى الدنيا فيـُـقتل عشرمرات،  لما يرى من الكرامة)) (حديث رقم 2817) وفى حديث آخرقال عمربن الخطاب للنبى: أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار؟ قال النبى بلى (= نعم) وأضاف ((واعلموا أنّ الجنة تحت ظلال السيوف)) (حديث رقم 2818) وتكرّرفى الحديث رقم 2966، ورقم 3025.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى