“لا يمكن طرد الظلمة بالظلمة، النور وحده يمكنه ذلك، لا يمكن للكراهية أن تطرد الكراهية الحب وحده يمكنه ذلك”، قولاً مأثور للعظيم مارتن لوثر كينغ، واللي اثبت بالفعل وليس فقط الكلام امكانية تحقق ذلك، حيث انتصر في النهاية وحققت ثورته علي الكراهية العنصرية انتصار ليس فقط للسود في امريكا بل اصبح انتصار علي العنصرية في كل انحاء العالم ،ساهم هذا الانتصار في تشكيل شكل الانسانية في عصرنا هذا ومازال. من فترة اثارني الفضول لفهم اجواء الحروب العالمية الاولي والثانية واللي سببت دمار وقتلي وجرحي بمئات الملايين في معظم بقاع الارض، وبدون الدخول في تفاصيل مجرد متابعة الاحادث سوف تجد مقدمات الحربين عبارة عن زراعة نبتة الكراهية ورعايتها بفعل القيادات السياسية، والنتيجة مضمونة خراب ودمار وهو ما تم بالفعل، كان الدافع الاساسي للجنود هو تحفيز الكراهية اللي ظلت تُزرع في نفوسهم لسنين وسنين، حتي ان قيادة المملكة العثمانية حينما اشتركت في الحرب لمساعدة حلافائها لم تجد غير الكراهية الدينية لتحفيز الجنود، رغم ان طرفي الصراع من المسيحيين سواء حلافائها او اعدائهم. لم يفيق العالم من اهوال وجرائم تنظيم الدولة الاسلامية داعش،حتي صُدم بفاجعة قتل المصلين في مسجدين في نيوزلاندا الهادئة، وكتب الارهابي القاتل صفحات طوال من المبررات التي قادته لهذا العمل الشنيع، وعند قراءتك لمبرراته لا تجد بين السطور اكثر وضوحاً من سرطان الكراهية، والذي اكل عقله وروحه وتغذي علي انسانيه ليقتل اطفال ونساء ومصلين عزل. وبحكم عملي اتابع عن قرب تطور محتوي شبكة المعلومات العالمية، والثورة الاخيرة للشبكات الاجتماعية والتي اعطت الكل امكانية التعبير الحر عن الرأي، وخلال هذه الثورة وهذا التطور شاركت في العديد من المؤتمرات والاجتماعات لمناقشه المزايا والعيوب لهذا التطور، وكان احد اهم المخاطر والذي تحول بذاته الي مؤتمرات وندوات لمناقشته وحده، “خطاب الكراهية” واللي ظهر بتجلي في كتير من القضايا سواء كراهية عنصرية او دينية او سياسية وطبقية او حتي الكوارث الطبيعية اللي يتخرب او تقتل. وتحول في كثير من الاحوال من مجرد كتابات الي اعمال عنف، كما ظهر جلياً علي سبيل المثال في حشد العامة بالكراهية الدينية لحرق دور العبادة في صعيد مصر، حيث يتم نشر خطاب الكراهية للمسيحيين هناك بين العامة عن طريق الشبكات الاجتماعية والتنسيق لاعمال العنف والحشد ليها، ومن بعدها التفاخر بحرق ونهب الكنائس وممتلكات المسيحيين هناك. وبدون الحاجة الي اقناع، المتابع للمحتوي العربي علي الانترنت سوف يدرك حجم المصيبة والتضخم في خطاب الكراهية للآخر سواء الديني او العرقي او السياسي، وكيف ان كثيراً من الاعمال الارهابية واعمال العنف كانت ترجمة طبيعية لهذا الخطاب الشرير. وتتغني الكثير من دول العالم وبالاخص دول الشرق الاوسط بمحاربتها للارهاب، رغم عدم اتخاز اي خطوات تذكر في محاربة مسببه الرئيس وهو خطاب الكراهية والذي يجد دعم معلن من الانظمة السياسية في هذه البلدان. وهو ما يفند مصطلح “الحرب علي الارهاب” الذي يتغنون به ويترجمه لحقيقة الاحداث وهي انهم يحاربون الارهاب اللي ممكن يهدد عروشهم اما الارهاب الذي يهدد المواطنين العزل فأنه آداء سحرية لنشر الخوف بين الناس ليتحول ببساطة الي تمسكهم اكثر بالحكام اللي بيوهموهم بالحماية، وطمان ثبات كرسي الحكم. إن استمر نمو خطاب الكراهية بهذه الوتيرة وفي مقابله خطاب كراهية مضاد، فالعالم في خطر، فإبدأ بنفسك ونقي قلبك من هذا السرطان رأفة بنفسك ومستقبل اولادك اولاً.