كمال سدره

فن صناعة الخراب

بقلم/ كمال سدره

تسابقت‭ ‬الصحف‭ ‬البوسنية‭ ‬في‭ ‬التحذير‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬تنامي‭ ‬اعداد‭ ‬اللاجئين‭ ‬السوريين،‭ ‬وقامت‭ ‬بالحشد‭ ‬شديد‭ ‬اللهجة‭ ‬ضدهم،‭ ‬بعد‭ ‬شهادة‭ ‬والد‭ ‬شاب‭ ‬تعرض‭ ‬للطعن‭ ‬مما‭ ‬ادي‭ ‬الي‭ ‬احتجازه‭ ‬فاقد‭ ‬الوعي‭ ‬بين‭ ‬الحياة‭ ‬والموت‭ ‬في‭ ‬احد‭ ‬المستشفيات‭ ‬العاصمة‭ ‬البوسنية‭ ‬سارييفو،‭ ‬وقال‭ ‬الاب‭ ‬الملكوم‭ ‬ان‭ ‬ثلاث‭ ‬لاجئين‭ ‬سوريين‭ ‬قامو‭ ‬بضرب‭ ‬ابنه‭ ‬الشاب‭ ‬وطعنوه‭ ‬طعنات‭ ‬قاتلة‭ ‬ولازو‭ ‬بالفرار‭.‬

المتابع‭ ‬للوضع‭ ‬في‭ ‬جمهورية‭ ‬البوسنة‭ ‬والهرسك،‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الاهلية‭ ‬والتي‭ ‬راح‭ ‬بسببها‭ ‬الالاف‭ ‬من‭ ‬المدنين‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬ابشع‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬انتهت‭ ‬الحرب‭ ‬وبقت‭ ‬مسبباتها‭ ‬وآثارها‭ ‬المجتمعية‭ ‬واهمها‭ ‬الانقسام‭ ‬والكراهية‭ ‬الطائفية،‭ ‬حتي‭ ‬ان‭ ‬الزائر‭ ‬العادي‭ ‬يلاحظ‭ ‬اثار‭ ‬القذائف‭ ‬والرصاص‭ ‬علي‭ ‬واجهات‭ ‬معظم‭ ‬البنيات‭ ‬السكنية‭ ‬والتجارية‭ ‬والتي‭ ‬تركت‭ ‬دون‭ ‬اصلاح‭ ‬او‭ ‬تجميل‭ ‬او‭ ‬ترميم‭ ‬لتذكير‭ ‬العامة‭ ‬للحفاظ‭ ‬علي‭ ‬كمية‭ ‬الكراهية‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬المسبب‭ ‬الرئيس‭ ‬للحرب،‭ ‬هذا‭ ‬بخلاف‭ ‬انتشار‭ ‬القبور‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الاحياء،‭ ‬حتي‭ ‬ان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬جداً‭ ‬ان‭ ‬تجلس‭ ‬علي‭ ‬مقهي‭ ‬خمس‭ ‬نجوم،‭ ‬وتجد‭ ‬واجهتك‭ ‬نحو‭ ‬عدة‭ ‬مدافن‭ ‬صغيرة‭ ‬تحيط‭ ‬بها‭ ‬كراسي‭ ‬المقهي‭.‬

الوضع‭ ‬ببساطة‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الكراهية‭ ‬والطائفية‭ ‬تملئ‭ ‬القلوب‭ ‬وتظهر‭ ‬بتجلي‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام،‭ ‬فكل‭ ‬طائفة‭ ‬تتسابق‭ ‬لحشد‭ ‬اتباعها‭ ‬ضد‭ ‬الطوائف‭ ‬الاخري.

‭ ‬وتعبتر‭ ‬رسائل‭ ‬الكراهية‭ ‬هي‭ ‬العنصر‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬الاخبار،‭ ‬ولذلك‭ ‬حظيت‭ ‬قضية‭ ‬طعن‭ ‬الشاب‭ ‬البوسني‭ ‬علي‭ ‬اهتمام‭ ‬كبير،‭ ‬وحشد‭ ‬مخيف‭ ‬ضد‭ ‬اللاجئين‭ ‬السوريين،‭ ‬والتي‭ ‬تقطعت‭ ‬بهم‭ ‬الطرق‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬بلدهم‭ ‬التي‭ ‬تمزقه‭ ‬الحرب‭ ‬الاهلية‭ ‬بين‭ ‬جماعات‭ ‬ارهابية‭ ‬ونظام‭ ‬ديكتاتوري‭ ‬اجرامي،‭ ‬وكان‭ ‬بإنتظارهم‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬لجؤهم‭ ‬كراهية‭ ‬وبالتبعية‭ ‬عنف‭.‬

واستكملاً‭ ‬لقصة‭ ‬الشاب،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬استعاد‭ ‬وعيه،‭ ‬حكي‭ ‬قصة‭ ‬الطعن‭ ‬واقر‭ ‬بأن‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بالطعن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬مشجعي‭ ‬فريق‭ ‬كروي‭ ‬منافس‭ ‬بعد‭ ‬مشاداه‭ ‬بينهم،‭ ‬وان‭ ‬لا‭ ‬صحة‭ ‬لوجود‭ ‬لاجئين‭ ‬سورين‭ ‬في‭ ‬القصة،‭ ‬وتبين‭ ‬بالطبع‭ ‬ان‭ ‬كلام‭ ‬والده‭ ‬بإتهام‭ ‬اللاجئين‭ ‬السوريين‭ ‬عار‭ ‬عن‭ ‬الصحة،‭ ‬وبالطبع‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬والتي‭ ‬نشرت‭ ‬وحشدت‭ ‬بالكراهية‭ ‬ضد‭ ‬اللاجئيين،‭ ‬نشرت‭ ‬علي‭ ‬خجل‭ ‬حقيقة‭ ‬الامر،‭ ‬وبالطبع‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬اذهان‭ ‬الناس‭ ‬وضمائرهم‭ ‬القصة‭ ‬الكاذبة‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬الحقيقة‭ ‬نفس‭ ‬الاهتمام‭ ‬او‭ ‬الظهور‭.‬

ذكرتني‭ ‬القصة‭ ‬هذه‭ ‬بعشرات‭ ‬او‭ ‬مئات‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬تسابق‭ ‬الاعلام‭ ‬في‭ ‬الحشد‭ ‬لها‭ ‬واسهب‭ ‬واعطها‭ ‬مساحات‭ ‬الصحفة‭ ‬الاولي‭ ‬وساعات‭ ‬طوال‭ ‬من‭ ‬برامج‭ ‬التوك‭ ‬شو،‭ ‬رغم‭ ‬انها‭ ‬اكاذيب‭ ‬وخزعبلات‭ ‬نسجت‭ ‬للمنافسيين‭ ‬السياسيين‭ ‬او‭ ‬للمختلفين‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬او‭ ‬اللون،‭ ‬وبنت‭ ‬اسوار‭ ‬من‭ ‬الكراهية‭ ‬داخل‭ ‬ضمير‭ ‬المجتمع‭ ‬ووعيه،‭ ‬وعند‭ ‬ظهور‭ ‬الحقيقة،‭ ‬اجحمت‭ ‬عن‭ ‬نشرها‭ ‬وتركت‭ ‬ارث‭ ‬الكراهية‭ ‬ينهش‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المجتمع،‭ ‬وانتجت‭ ‬مجتمعات‭ ‬مقسمة‭ ‬وضعيفة،‭ ‬بل‭ ‬مستعدة‭ ‬للعنف‭ ‬والقتل‭ ‬للمختلفين‭ ‬عنهم‭ ‬سواء‭ ‬سياساً‭ ‬او‭ ‬دينياً،‭ ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬الاعم‭ ‬معظم‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬هذه‭ ‬موجهة‭ ‬لخدمة‭ ‬اطراف‭ ‬سياسية‭ ‬او‭ ‬جماعات‭ ‬تطرف،‭ ‬ويبقي‭ ‬المواطن‭ ‬العادي‭ ‬فريسة‭ ‬سهلة‭ ‬اما‭ ‬لشحنه‭ ‬بالكراهية‭ ‬والبغضة‭ ‬وبالتبعية‭ ‬العنف‭ ‬والعنصرية او‭ ‬فريسة‭ ‬لعنف‭ ‬وعنصرية‭ ‬مواطن‭ ‬آخر‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى