كمال سدره

مـفـتـوح على الـبـحـرى

بقلم/ كمال سدره

استاء مواطن امريكا من مقاطعة مينيابوليس بولاية مينيسوتا الامريكية من كم الاعلانات التي تصله للمنزل من متجر تارجت -احد اكبر متاجر التجزئة الامريكية- حول منتجات الحوامل والاطفال حديثي الولادة، حيث انه واسرته لا ينتظروا مواليد جدد، وعند شكواه للمتجر اكتشف ان النظام الاليكتروني الخاص بالعملاء يرسل له اليكترونياً هذه الدعاية الخاصة بالحوامل لرصده عملية شراء لمنتجات قد تستخدم في بدايات الحمل من احد افراد اسرته والتي قد تكون اختبارات الحمل الاولية، وفي النهاية عرف هذا المواطن ان ابنته المراهقة في اشهرها الاولي للحمل، دون علم الاسرة.

هذا الموضوع والذي اثارته جريدة النيويورك تايمز في بدايات عام ٢٠١٢ واستحوز علي اهتمام صحف ووسائل اعلام امريكية وعالمية كثيرة، اثار علامات استفهام كبيرة حول ماهية المعلومات التي بحوزة الشركات؟ ومدي قدرتها علي انتهاك خصوصية المواطنين المحمية والمصونة بالدستور الامريكي؟ وإن وثقنا في الشركات، فكيف نثق بإي شخص او كيان يمكنه سرقة مثل هذه المعلومات؟، فمتجر تارجت علم بحمل ابنة احد المواطنين المراهقة قبل معرفة اسرتها بالامر.

في ٢٠١٨ تابع العالم بإهتمام جلسات الاستماع التي عقدت بالكونجرس الامريكي بغرفتيه الشيوخ والنواب مع مارك زوكربيرج مالك الشبكة الاجتماعية الاكبر علي الاطلاق فيسبوك، للتحقيق في مزاعم التدخل الخارجي بإستخدام موقعه للتأثير علي نتيجة الانتخابات الرئاسية الامريكية ٢٠١٦ والتي فاز بها الرئيس الامريكي الحالي دونالد ترامب، حيث استخدمت احدي شركات التسويق بيانات مستخدمي الموقع ووجهت اعلانات ونشرات لتوجيه رأيهم لدعم المرشح الرئاسي ترامب. ومن كواليس ونقاشات هذه الجلسات نكتشف كبني ادمين ان الشركة البريطانية تجمع معلومات وانماط سلوكيات مستخدمي مواقع الانترنت من شركات ومنصات عدة وتعالج هذا الكم الهائل من المعلومات وتخرج منه بمعلومات شبه دقيقة يمكن استخدمها من اطراف عدة سواء بشكل قانوني او غير قانوني.

مسائل الخصوصية علي الانترنت حالياً تستحوز علي اهتمام الكثير من المنظمات والتي تهتم بحماية الخصوصية وحرية الرأي والتعبير وايضاً اهتمام حكومات وشركات واطراف عدة، لانه ببساطة كل خطوة نخطوها بإعتماد اكثر علي التكونولوجيا تمثل خطوة اكبر في الاستغناء عن خصوصيتنا، وتصبح حياتنا وتصرفاتنا معلومات قابلة للبيع والاستخدام، بل في ظل تنامي هذه التقنيات تستطيع ايضاً التنبئ بتحركاتنا المستقبلية بدرجة عالية من الدقة، فكل زيارة تقوم بها وكل بحث علي الشبكة الدولية وكل مقطع فيديو تشاهده يمثل نمط استخدام خاص بك -بصمة اصبع-، بل وفي ظل تنامي استخدام تكنولوجيا المنازل الذكية والتنافس الحالي بين عمالقة التكنولوجيا لتطوير تنقنيات اكثر سهولة مثل تقنية اليكسا (امازون) او سيري (ابل) او جوجل وغيرها والتي تنفذ اوامر بإستخدام الصوت، والتي بإعتراف الشركات حالياً يمكنها تسجيل محادثتكم العادية، فمسائل الخصوصية سوف تصبح مسائلة تاريخية.

السطور المكتوبة ليست لارهابكم من التكونولوجيا، ولكن هدفها الاول والاخير توعيتكم بما يحدث -في معظم الاحيان- في غفلة منكم، التكنولوجيا حالياً وبالاكثر مستقبلاً ليست اختيار، فكل حياتنا واعمالنا تعتمد بشكل اكبر يوم بعد يوم علي التكنولوجيا, لذلك يجب علينا كمستخدمين بذل جهد اكبر في التحكم في كم ونوعية المعلومات التي نتركها دون مراقبة، فعلي سيبل المثال عندما تقوم بتثبيت برنامج جديد علي تلفونك النقال، يُطلب منك الموافقة علي السماح للبرنامج بإستخدام التنبيهات او الكاميرا المثبتة بالتليفون او الولوج الي قائمة تليفونات الاصدقاء، فيجب عليك التفكير في ان هذه البيانات والصلاحيات ستصبح تحت سيطرة احد غيرك، فقم بالموافقة علي ما تراه مناسب لاستخدماتك للبرنامج وبالطبع استخدم فقط البرامج الموثوق في مصدرها.

بالطبع الموضوع يحتاج كتابات ونقاشات وخطوات اكثر نحو الفهم والوعي، لكن اول هذه الخطوات هي الادراك بأهمية الخصوصية ومدي استطاعة شركات وكيانات اختراق خصوصيتك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى