بيشوى بولس

السـلسـلـة الـذهـبـيـة!

قصة قصيرة مستوحاة من أحداث حقيقية - بقلم/ بيشوى بولس

كانت‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬قد‭ ‬تخطت‭ ‬الثلاثين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البقعة‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬الحدودية‭ ‬حينما‭ ‬قال‭ ‬ياسين‭ ‬وهو‭ ‬يبتلع‭ ‬ريقه‭ ‬بصعوبة‭ : ‬‭”‬‭ ‬كم‭ ‬أشتاق‭ ‬إلى‭ ‬كوب‭ ‬من‭ ‬مشروب‭ ‬التمر‭ ‬الهندي‭ ‬المثلج‭ ‬الذي‭ ‬تعده‭ ‬أمك‭ ‬خصيصاً‭ ‬لنا‭ ‬يا‭ ‬روماني‭! ‬ذكِّرني‭ ‬أن‭ ‬أطلب‭ ‬منها‭ ‬تعليم‭ ‬خطيبتي‭ ‬خديجة‭ ‬كيفية‭ ‬عمله‭”‬‭. ‬رد‭ ‬عليه‭ ‬روماني‭: ‬‭” ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬أمي‭ ‬كل‭ ‬رمضان‭ ‬أما‭ ‬نحن‭ ‬فلا‭ ‬نرى‭ ‬منكم‭ ‬شيئاً‭ !‬‭”‬‭. ‬قالها‭ ‬مازحاً‭ ‬وهو‭ ‬يتحسس‭ ‬سلسلته‭ ‬الذهبية‭ ‬المختبئة‭ ‬خلف‭ ‬زيه‭ ‬العسكري،‭ ‬فأجابه‭ ‬ياسين‭ ‬بغضب‭ ‬مصطنع‭: ‬‭”‬‭ ‬وهل‭ ‬نسيت‭ ‬صواني‭ ‬الكنافة‭ ‬التي‭ ‬تعدها‭ ‬أمي،‭ ‬لقد‭ ‬اعتدت‭ ‬أن‭ ‬تلتهم‭ ‬معظم‭ ‬هذه‭ ‬الصواني‭ ‬بمفردك‭ ‬أيها‭ ‬الشَرِه‭! ‬‭”‬‭.‬

هذا‭ ‬الشَرِه‭ ‬يصوم‭ ‬معك‭ ‬كل‭ ‬عام‭! ‬انظر‭ ‬إليَّ إنني‭ ‬لم‭ ‬أضع‭ ‬شيئاً‭ ‬في‭ ‬فمي‭ ‬منذ‭ ‬وجبة‭ ‬السحور‭ ‬الهزيلة‭ ‬التي‭ ‬تناولتها‭. ‬أليس‭ ‬هذا‭ ‬غريباَ‭! ‬مسيحي‭ ‬يصوم‭ ‬رمضان‭! ‬والأغرب‭ ‬أنني‭ ‬سوف‭ ‬أفطر‭ ‬بأكل‭ ‬نباتي‭ .‬هل‭ ‬نسيت‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬صيام‭ ‬الرسل‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أنني‭ ‬لن‭ ‬أتمكن‭ ‬من‭ ‬أكـ‭ ………!‬‭”‬‭.‬

قاطعهما‭ ‬فجأة‭ ‬صوت‭ ‬إنفجار‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬الكمين‭. ‬كان‭ ‬إنفجاراً‭ ‬مدوياً‭ ‬لم‭ ‬يشاهدا‭ ‬مثله‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬،في‭ ‬سرعة،‭ ‬راحا‭ ‬ينفذان‭ ‬الخطة‭ ‬التي‭ ‬تدربا‭ ‬عليها‭ ‬وانتشرا‭ ‬مع‭ ‬باقي‭ ‬الجنود‭ ‬في‭ ‬نصف‭ ‬دائرة‭ ‬حول‭ ‬الكمين‭. ‬استمرت‭ ‬المعركة‭ ‬قرابة‭ ‬الساعة‭ ‬والربع‭ ‬أطلق‭ ‬خلالها‭ ‬روماني‭ ‬عشرات‭ ‬الطلقات‭ ‬الصائبة‭ ‬بينما‭ ‬اخترقت‭ ‬ساقه‭ ‬اليمنى‭ ‬خمس‭ ‬رصاصات‭ ‬فوقع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬حاضناً‭ ‬سلاحه‭. ‬اتجه‭ ‬نحوه‭ ‬اثنان‭ ‬من‭ ‬الإرهاببين‭ ‬محاوليين‭ ‬أسره‭ ‬حياً‭ ‬لكن‭ ‬ياسين‭ ‬ظهر‭ ‬فجأه‭ ‬و‭ ‬أمطرهما‭ ‬برصاص‭ ‬سلاحه‭ ‬الآلي‭ ‬وأوقعهما‭ ‬قتيلين‭ ‬وحمل‭ ‬روماني‭ ‬على‭ ‬كتفيه‭ ‬محاولاً‭ ‬الإحتماء‭ ‬بالسور‭ ‬الشرقي‭ ‬للكمين‭. ‬وهنا‭ ‬وقع‭ ‬الإنفجار‭ ‬الثاني‭!‬

كانت‭ ‬جنازة‭ ‬عسكرية‭ ‬مهيبة‭ ‬تقدمها‭ ‬المحافظ‭ ‬والقيادات‭ ‬الشعبية‭ ‬والتنفيذية‭ ‬ومندوب‭ ‬عن‭ ‬السيد‭ ‬الرئيس‭. ‬بذل‭ ‬شيخ‭ ‬الأوقاف‭ ‬و‭ ‬أسقف‭ ‬الإيبارشية‭ ‬الشاب‭ ‬جهداً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬تعزية‭ ‬أهل‭ ‬القرية‭ ‬وألقى‭ ‬مبعوث‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬عظة‭ ‬رائعة‭ ‬في‭ ‬صوان‭ ‬العزاء‭ ‬المشترك‭ ‬عن‭ ‬سيدتنا‭ ‬‭”‬مريم‭ ‬العذراء‭”‬‭ ‬التى‭ ‬اصطفاها‭ ‬الله‭ ‬واحتملت‭ ‬المصاعب‭ ‬في‭ ‬صمت‭ ‬ضاربة‭ ‬لنا‭ ‬مثالاً‭ ‬نحتزي‭ ‬به‭ ‬جميعاً‭ ‬في‭ ‬الصبر‭ ‬على‭ ‬الشدائد‭.‬

روى‭ ‬قائد‭ ‬المنطقة‭ ‬العسكرية‭ ‬كيف‭ ‬هرب‭ ‬الإرهابيون‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬أسير‭ ‬واحد‭.. ‬روى‭ ‬كيف‭ ‬قال‭ ‬ياسين‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يلفظ‭ ‬أنفاسه‭ ‬الأخيرة‭ : ‬‭”‬‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أتركك‭ ‬يا‭ ‬روماني‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الجبناء‭!…‬إنها‭ ‬عشرة‭ ‬عمر‭! ‬‭”‬‭… ‬روى‭ ‬كيف‭ ‬وجدوا‭ ‬جثة‭ ‬روماني‭ ‬وعلى‭ ‬وجهه‭ ‬ابتسامة‭ ‬ممسكاً‭ ‬يد‭ ‬ياسين‭ ‬بيمناه‭ ‬ويده‭ ‬اليسرى‭ ‬قابضة‭ ‬على‭ ‬سلسلة‭ ‬ذهبية‭.‬

الآن‭ ‬إذا‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬قرية‭ ‬الشهداء‭ ‬القابعة‭ ‬فوق‭ ‬الجبل‭ ‬و‭ ‬مررت‭ ‬من‭ ‬الأزقة‭ ‬الضيقة‭ ‬ستشتم‭ ‬رائحة‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬العتيق‭. ‬ستكون‭ ‬محظوظاً‭ ‬إن‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬زيارة‭ ‬منزل‭ ‬ياسين‭. ‬إذا‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬إحرص‭ ‬أن‭ ‬تطلب‭ ‬من‭ ‬أم‭ ‬ياسين‭ ‬أن‭ ‬تريك‭ ‬سلسلة‭ ‬روماني‭ ‬التي‭ ‬تحتفظ‭ ‬بها‭! ‬أتحداك‭ ‬أن‭ ‬تميز‭ ‬بين‭ ‬بقع‭ ‬الدماء‭ ‬على‭ ‬السلسلة،‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬لياسين‭ ‬أم‭ ‬لروماني؟‭! ‬مهلاً،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬محظوظاً‭ ‬أكثر‭ ‬إن‭ ‬وجدت‭ ‬أم‭ ‬روماني‭ ‬هناك‭! ‬أؤكد‭ ‬لك‭ ‬أنك‭ ‬ستستمتع‭ ‬بكوب‭ ‬من‭ ‬التمر‭ ‬الهندي‭ ‬الذي‭ ‬لن‭ ‬تنسى‭ ‬مذاقه‭ ‬أبداً‭ ..‬فهو‭ ‬ممزوج‭ ‬بماء‭ ‬المحبة‭ ‬المحبة‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تسقط‭ ‬أبداً‭… ‬أبداً‭!.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى