بيشوى بولس

نهايتان مختلفتان لقصة واحدة

بقلم/ بيشوى بولس

تباً‭ ‬لكم‭! ‬لماذا‭ ‬تطاردونني‭ ‬أيها‭ ‬الدواعش؟‭ ‬ماذا‭ ‬فعلت‭ ‬؟‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬تهمتي؟‭ ‬هل‭ ‬لأنني‭ ‬أختلف‭ ‬معكم؟‭ ‬هل‭ ‬لأنني‭ ‬أعارضكم‭ ‬و‭ ‬غير‭ ‬راض‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬تفعلونه‭ ‬ببلدي‭ ‬الحبيبة؟‭ ‬كيف‭ ‬تجرؤون‭ ‬أن‭ ‬تنهوا‭ ‬حياتي‭ ‬هكذا‭ ‬أيها‭ ‬السَّفَّاحون؟‭ ‬ألا‭ ‬أستحق‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬محاكمة‭ ‬عادلة؟‭ ‬فليشهد‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬مخالف‭ ‬لكل‭ ‬الدساتير‭ ‬و‭ ‬الشرائع‭ ‬و‭ ‬القوانين‭! ‬ثم‭ ‬انني‭ ‬لا‭ ‬اعلم‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬يمثله‭ ‬شخص‭ ‬ضعيف‭ ‬مثلي‭ ‬على‭ ‬وحوش‭ ‬بلا‭ ‬قلب‭ ‬مثلكم؟‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬أتيتم‭ ‬بكل‭ ‬هذه‭ ‬القسوة؟‭ ‬ما‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬السَّوَاد؟‭!‬

يا‭ ‬إلهي‭! ‬إن‭ ‬حياتي‭ ‬ستنتهي‭ ‬بعد‭ ‬قليل‭. ‬أعلم‭ ‬ذلك‭ ‬يقيناً‭. ‬فلقد‭ ‬رأيتكم‭ ‬تفعلون‭ ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬عائلتي‭ ‬فرداً‭ ‬فرداً‭. ‬زوجتي‭ ‬قتلتموها‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬و‭ ‬عَمَّتي‭ ‬منذ‭ ‬ستة‭ ‬أيام،‭ ‬حتى‭ ‬والدي‭ ‬الكهل‭ ‬لم‭ ‬ترحموه‭ ‬في‭ ‬شيخوخته،‭ ‬لم‭ ‬تستمعوا‭ ‬إلى‭ ‬توسلاته‭. ‬إستكثرتم‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يموت‭ ‬في‭ ‬هدوء‭. ‬نعم،‭ ‬كان‭ ‬حتماً‭ ‬سيموت‭ ‬بدون‭ ‬أي‭ ‬تدخل‭ ‬منكم‭. ‬كم‭ ‬كان‭ ‬هزيلاً‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رفض‭ ‬أن‭ ‬يتناول‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬منذ‭ ‬ستة‭ ‬أيام‭ ‬بعدما‭ ‬قتلتم‭ ‬أخته‭ ‬الوحيدة‭! ‬والآن‭ ‬حان‭ ‬دوري‭!‬

ها‭ ‬أنا‭ ‬أجري‭ ‬بلا‭ ‬هدف‭ ‬عبر‭ ‬الشوارع‭ ‬والأزقة‭ ‬محاولاً‭ ‬الهروب‭. ‬لكن،‭ ‬الشوارع‭ ‬ليست‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬قبلاً،‭ ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬يبدو‭ ‬كئيباً‭. ‬هذا‭ ‬المبنى‭ ‬حزين‭. ‬وذاك‭ ‬يبكي‭! ‬يبكي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سيحدث‭ ‬لي‭ ‬بعد‭ ‬قليل‭! ‬أعلم‭ ‬جيداً‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المطاردة‭ ‬ستنتهي‭ ‬حتماً‭ ‬لصالحكم فأنا‭ ‬لم‭ ‬أقابل‭ ‬أحداً‭ ‬قط‭ ‬إستطاع‭ ‬أن‭ ‬يفلت‭ ‬من‭ ‬قبضتكم‭ ‬الغاشمة‭.‬

حسناً،‭ ‬إن‭ ‬لدي‭ ‬فكرة‭. ‬سأجري‭ ‬صوب‭ ‬منتصف‭ ‬المدينة‭ … ‬إلى‭ ‬البحيرة‭. ‬حيث‭ ‬الذكرايات‭ ‬الجميلة‭. ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬رحل‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭.  ‬حينما‭ ‬كانت‭ ‬المدينة‭ ‬آمنة‭ ‬جداً‭ ‬حتي‭ ‬أننا‭ ‬نادراً‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬ننام‭ ‬قبل‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭. ‬أتذكر‭ ‬كيف‭ ‬كنا‭ ‬نجتمع‭ ‬حول‭ ‬تلك‭ ‬البحيرة‭ ‬الصغيرة‭ ‬و‭ ‬سط‭ ‬المدينة‭ ‬و‭ ‬نتسامر‭. ‬كنا‭ ‬عائلة‭ ‬واحدة‭ ‬كبيرة‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬للوقت‭ ‬قيمة‭. ‬على‭ ‬هذه‭ ‬البحيرة‭ ‬رأيت‭ ‬محبوبتي‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬و‭ ‬هناك‭ ‬تعاهدنا‭ ‬على‭ ‬الزواج‭. ‬هناك‭ ‬تركنا‭ ‬أولادنا‭ ‬ليلعبوا‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬في‭ ‬براءة‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬قلق‭. ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الحياة‭. ‬كان‭ ‬الخير‭ ‬و‭ ‬فيراً‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نحتاج‭ ‬أن‭ ‬نرهق‭ ‬أنفسنا‭ ‬بالعمل‭ ‬الشاق‭. ‬حتى‭ ‬الطقس‭ ‬كان‭ ‬رطباً‭ ‬جميلاً‭ ‬و‭ ‬ليس‭ ‬حاراً‭ ‬خانقاً‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الآن‭. ‬كان‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تأتوا‭ ‬إلى‭ ‬هنا‭. ‬عليكم‭ ‬اللعنة.

لقد‭ ‬دمرتم‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬ساعة‭ ‬ما‭ ‬أتيتم‭ ‬بملابسكم‭ ‬السوداء‭ ‬و‭ ‬شعوركم‭ ‬الطويلة‭. ‬ساعة‭ ‬أنهيتم‭ ‬في‭ ‬دقائق‭ ‬معدودة‭ ‬على‭ ‬قواتنا‭ ‬الهزيلة‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬للتصدي‭ ‬لكم‭. ‬يومها‭ ‬إنقلب‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬رأساً‭ ‬على‭ ‬عقب‭. ‬فلم‭ ‬نعد‭ ‬نسهر،‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬نفرح‭ ‬بل‭ ‬إختبأنا‭ ‬في‭ ‬بيوتنا‭ ‬كالفئران‭ ‬المذعورة‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬نجرؤ‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬الخروج‭. ‬أنا‭ ‬شخصياً‭ ‬لم‭ ‬أخرج‭ ‬منذ‭ ‬أسبوع‭ ‬كامل‭ ‬بعدما‭ ‬فرضتم‭ ‬حظر‭ ‬التجول‭. ‬لكن،‭ ‬أطفالي‭ ‬الجوعى‭ ‬ماذا‭ ‬أفعل‭ ‬بهم؟‭ ‬لقد‭ ‬نفذ‭ ‬كل‭ ‬الطعام‭ ‬الذي‭ ‬خزنته‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬و‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬مضطراً‭ ‬للخروج‭. ‬لكن‭ ‬أحد‭ ‬جنودكم‭ ‬المنتشرين‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬قد‭ ‬رآني‭ ‬و‭ ‬ها‭ ‬هو‭ ‬يطاردني‭. ‬ما‭ ‬هذا‭ ‬بحق‭ ‬السماء،‭ ‬كم‭ ‬هو‭ ‬ضخم؟‭ ‬لا‭ ‬أجرؤ‭ ‬أن‭ ‬أتخيل‭ ‬ماذا‭ ‬سيحدث‭ ‬حينما‭ ‬يمسك‭ ‬بي‭.‬

إلى‭ ‬البحيرة‭ ‬إذن‭. ‬سأنعطف‭ ‬يمينا‭ ‬ثم‭ ‬يساراً‭ ‬و‭ ‬سأجدها‭ ‬أمامي‭. ‬ها‭ ‬هي‭. ‬مهلاً‭ ‬أين‭ ‬البحيرة؟‭! ‬ماذا‭ ‬فعلتم‭ ‬بها؟‭! ‬هل‭ ‬جففتموها؟‭ ‬إني‭ ‬لا‭ ‬أري‭ ‬لها‭ ‬أثراً‭! ‬يا‭ ‬هؤلاء،‭ ‬كان‭ ‬هنا‭ ‬بحيرة‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬تأتوا‭ ‬بأجسامكم‭ ‬الضخمة‭ ‬و‭ ‬وجوهكم‭ ‬المتجهمة‭! ‬إنني‭ ‬متأكد‭. ‬قال‭ ‬لى‭ ‬أحد‭ ‬اقاربي‭ ‬أول‭ ‬أمس‭ ‬أنكم‭ ‬قد‭ ‬جففتم‭ ‬البحيرة‭ ‬لأنكم‭ ‬لا‭ ‬تريدون‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬أن‭ ‬يستمتع‭ ‬بأي‭ ‬شيء‭ ‬لكنني‭ ‬لم‭ ‬أصدقه‭. ‬قلت‭ ‬إنها‭ ‬إشاعة‭ ‬كالإشاعات‭ ‬التي‭ ‬تُقَال‭ ‬عنكم‭. ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬صحيحاً‭.‬

حسنا‭ ‬لقد‭ ‬تعبت‭. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬في‭ ‬قوة‭ ‬بعد‭. ‬إنني‭ ‬أستسلم،‭ ‬إنهوا‭ ‬حياتي،‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬معنى‭ ‬لها‭. ‬لكن،‭ ‬لِتَمُت‭ ‬نفسي‭ ‬موت‭ ‬الأبطال،‭ ‬سأستدير‭ ‬لأواجه‭ ‬خصمي‭ ‬و‭ ‬ليكن‭ ‬ما‭ ‬يكون‭. ‬و‭ ‬هنا‭ ‬سُمِع‭ ‬صوت‭ ‬دهس‭ ‬ناتج‭ ‬عن‭ ‬إرتطام‭ ‬جسم‭ ‬صلب‭ ‬بشيء‭ ‬ما؟‭ ‬و‭ ….. ‬و‭ ‬إنتهي‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬

نفضت‭ ‬المرأة‭ ‬حذاءها‭ ‬في‭ ‬إشمئزاز‭ ‬فوقع‭ ‬صرصور‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬قالت‭ ‬لجارتها‭: ‬‭”‬و‭ ‬الله‭ ‬يا‭ ‬أم‭ ‬صبري،‭ ‬لا‭ ‬أعلم‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬أتت‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الصراصير،‭ ‬إنني‭ ‬أنظف‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬ولكم‭ ‬طلبت‭ ‬من‭ ‬زوجي‭ ‬حلمى‭ ‬أفندي‭ ‬أن‭ ‬يرش‭ ‬المبيد‭ ‬لكنه‭ ‬دائماً‭ ‬مشغول‭”‬‭ ‬و‭ ….. ‬و‭ ‬إنتهي‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى