فادى يوسف

وطن الغربة وغربة الوطن

بقلم/ فادى يوسف

الغربة‭ ‬كلمة‭ ‬طعمها‭ ‬مر‭ ‬مرارة‭ ‬الليمون‭ ‬أو‭ ‬أشد‭ ‬كلمة‭ ‬قاسية‭ ‬وتجربة‭ ‬صعبة‭ ‬قد‭ ‬عاشها‭ ‬الكثير‭ ‬منا‭ ‬لكن‭ ‬باشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬ولأسباب‭ ‬متعددة‭ ‬فمنا‭ ‬من‭ ‬ولد‭ ‬ووجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬قد‭ ‬هاجر‭ ‬إليه‭ ‬الأهل‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭ ‬أفضل‭ ‬ومنا‭ ‬من‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬مجبرا‭ ‬لترك‭ ‬البيت‭ ‬الدافئ‭ ‬الذي‭ ‬نشأ‭ ‬وترعرع‭ ‬به‭ ‬طلبا‭ ‬للعلم‭ ‬لعله‭ ‬يضيف‭ ‬عند‭ ‬عودته‭ ‬بالشهادة‭ ‬والنجاح.

وبعضنا‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬فرصة‭ ‬أفضل‭ ‬لتحسين‭ ‬مستواه‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬غير‭ ‬موطنه‭ ‬الأصلي‭ ‬ومنا‭ ‬من‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬بلده‭ ‬ومع‭ ‬أهله‭ ‬ولكنه‭ ‬يشعر‭ ‬بغربة‭ ‬قاتلة‭ ‬قد‭ ‬حاصرته‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جوانب‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬هموم‭ ‬ومشاكل‭ ‬وظلم‭ ‬وهضم‭ ‬للحقوق‭ ‬وعدم‭ ‬منحه‭ ‬الفرصة‭ ‬التي‭ ‬يستحقها‭.‬‮ ‬

الغربة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬ممتعة‭ ‬لعدة‭ ‬شهور‭ ‬حين‭ ‬تحقق‭ ‬املك‭ ‬في‭ ‬السفر‭ ‬و‭ ‬بدء‭ ‬حياة‭ ‬جديدة‭ ‬طالما‭ ‬حلمت‭ ‬بها‭ ‬حتي‭ ‬تشعر‭ ‬بالوحدة‭ ‬دون‭ ‬الاهل‭ ‬والاصدقاء‭ ‬والاحبه،‭ ‬تسير‭ ‬حياتك‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي‭ ‬حتى‭ ‬تتذوق‭ ‬الغربة‭ ‬وهنا‭ ‬المنعطف‭ ‬الذي‭ ‬تتغير‭ ‬فيه‭ ‬حياتك‭ ‬تغترب‭ ‬مشاعرك‭ ‬وأحساسيك‭ ‬حتى‭ ‬أنطباعاتك‭ ‬القديمة‭ ‬تصبح‭ ‬غريبة،‭ ‬شعور‭ ‬مضطرب‭ ‬لا‭ ‬يحسه‭ ‬الا‭ ‬مغترب‭ ‬تكره‭ ‬الغربة‭ ‬أشد‭ ‬من‭ ‬كره‭ ‬المظلوم‭ ‬الي‭ ‬ظالمه‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬عدت‭ ‬لبلدك‭ ‬اشتقت‭ ‬لتلك‭ ‬الغربة‭.‬

الغربة‭ ‬مدرسة‭ ‬من‭ ‬الطراز‭ ‬الاول‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬لديها‭ ‬إلا‭ ‬أسلوب‭ ‬تعليمي‭ ‬واحد‭ ‬وهو‭ ‬القسوة‭ .. ‬قسوة‭ ‬اشتياقك‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬لحضن‭ ‬امك‭ ‬الدافى‭ ‬لجرعة‭ ‬الحنان‭ ‬التي‭ ‬تعوت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬لقسوة‭ ‬ابتعادك‭ ‬عن‭ ‬اخيك‭ ‬عمودك‭ ‬الفقري‭ ‬الثاني‭ ‬عن‭ ‬تجمع‭ ‬اصدقائك‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يفرق‭ ‬بينكم‭ ‬سوا‭ ‬الغربة،‭ ‬عن‭ ‬شوارع‭ ‬قد‭ ‬تركت‭ ‬بها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الذكريات.

وحين‭ ‬تغترب‭ ‬لا‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تفضفض‭ ‬لصاحبك‭ ‬كل‭ ‬مشاعر‭ ‬الشوق‭ ‬والحنين‭ ‬التي‭ ‬تشعر‭ ‬بها‭ ‬فهو‭ ‬يعاني‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬تعاني‭ ‬رفقاً‭ ‬بقلب‭ ‬صاحبك‭ ‬ويتبقي‭ ‬لك‭ ‬نفسك‭ ‬تشكي.

و‭ ‬تفضفض‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬تريد‭ ‬وتعترف‭ ‬لها‭ ‬ان‭ ‬اقسي‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الغربة‭ ‬ليس‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬ارض‭ ‬الوطن‭ ‬وان‭ ‬تعيش‭ ‬الاعياد‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬بعيدة‭ ‬ووحيدا‭ .. ‬اصعب‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الغربة‭ ‬هو‭ ‬الشعور‭ ‬بفراق‭ ‬الاحبة‭ ‬احساسك‭ ‬علي‭ ‬انك‭ ‬قد‭ ‬اصبحت‭ ‬اقوي‭ ‬علي‭ ‬الصبر‭ ‬والتحمل‭ ‬ولكنك‭ ‬تخاف‭ ‬علي‭ ‬قلبك‭ ‬أن‭ ‬يتعود‭ ‬فراق‭ ‬الاحبه‭.‬

أتذكر‭ ‬قول‭ ‬الشاعر‭.‬‭”‬بك‭ ‬يا‭ ‬زمان‭ ‬أشكو‭ ‬غربتي‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬الشكوى‭ ‬تداوي‭ ‬مهجتي.

قــلبــــي‭ ‬تـســــاوره‭ ‬الــهــمــوم‭ ‬تــوجــعــــاً‭ ‬ويزيد‭ ‬همي‭ ‬إن‭ ‬خلوت‭ ‬بظلمتي‭”‬

اما‭ ‬عن‭ ‬الاشتياق‭ ‬للوطن‭ ‬وطني‭ ‬الذي‭ ‬حلمت‭ ‬بتنفيذ‭ ‬احلامي‭ ‬فيه‭ ‬ولم‭ ‬استطع‭ ‬وطني‭ ‬الذي‭ ‬احبه‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬يحبني‭ ‬امضيت‭ ‬فيه‭ ‬نصف‭ ‬عمري‭ ‬ولم‭ ‬احقق‭ ‬شي‭ ‬مما‭ ‬تمنيت‭ ‬ولم‭ ‬يترك‭ ‬لي‭ ‬سوا‭ ‬ذكريات‭ ‬واشخاص‭ ‬لكنني‭ ‬لم‭ ‬اكن‭ ‬اعلم‭ ‬ان‭ ‬الوطن‭ ‬ليس‭ ‬مِلكي‭ ‬يلبي‭ ‬طلباتي‭ ‬وان‭ ‬الحلم‭ ‬لي‭ ‬وهو‭ ‬عليه‭ ‬تحقيقة‭ ‬لما‭ ‬يجبرني‭ ‬الوطن‭ ‬علي‭ ‬الرحيل‭ ‬ولما‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬لي‭ ‬مكان‭ ‬للمكوث‭ ‬فيه.‮ ‬

وقد‭ ‬أستفدت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الغربة‭ ‬وعرفت‭ ‬معزة‭ ‬الوطن‭ ‬وأرض‭ ‬الوطن‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬مشاكل‭ ‬وصعوبات‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬أهون‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الأغتراب‭. ‬ولما‭ ‬دقت‭ ‬ساعة‭ ‬الرحيل‭ ‬وحزمنا‭ ‬أمتعتنا‭ ‬واتجهنا‭ ‬صوب‭ ‬العالم‭ ‬الأخر‭ ‬بقيت‭ ‬قلوبنا‭ ‬تلتفت‭ ‬وراءها‭ ‬تودع‭ ‬شمس‭ ‬الوطن‭ ‬وسهوله‭ ‬وهضابه‭ ‬وروابيه‭ ‬ونذرف‭ ‬الدموع‭ ‬تلو‭ ‬الدموع‭ ‬والقلب‭ ‬حينها‭ ‬معلق‭ ‬أيما‭ ‬تعلق‭ ‬بحبال‭ ‬الحب‭ ‬والأشتياق‭ ‬الى‭ ‬الأهل‭ ‬والصحبة‭ ‬والجيران‭ ‬فهذه‭ ‬هي‭ ‬بداية‭ ‬الرحلة‭ ‬خارج‭ ‬أسواره‭ ‬وساحاته‭ ‬ولا‭ ‬نعرف‭ ‬متي‭ ‬سيأتي‭ ‬اللقاء‭ ‬مرة‭ ‬اخري‭.‬

الغربة‭ ‬صعبة‭ ‬لكنها‭ ‬تعطيك‭ ‬ما‭ ‬لايمنحه‭ ‬لك‭ ‬وطنك‭ ‬وتمنحك‭ ‬تجارب‭ ‬عظيمة‭ ‬في‭ ‬سفرك‭ ‬وتعرفك‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬والبلاد.

الوطن‭ ‬غالٍ‭ ‬على‭ ‬القلب‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يمنحك‭ ‬الأ‭ ‬قوت‭ ‬يومك‭ ‬ويأخذ‭ ‬بتبديد‭ ‬أحلامك‭ ‬فيقعدها‭ ‬فلا‭ ‬تقوى‭ ‬على‭ ‬النهوض‭.‬

وأي‭ ‬الأمرين‭ ‬أصعب‭ ‬أن‭ ‬تلاقي‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬نفسك‭ ‬مكانها‭ ‬لم‭ ‬تغادره‭ ‬ولم‭ ‬تتقدم‭ ‬خطوة‭ ‬الى‭ ‬الأمام‭ ‬سوى‭ ‬خطوات‭ ‬لا‭ ‬تغني‭ ‬ولا‭ ‬تسمن‭ ‬من‭ ‬جوع‭ ‬أم‭ ‬الأبتعاد‭ ‬عن‭ ‬ديارك‭ ‬وطلب‭ ‬الرزق‭ ‬والعودة‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬بالخير‭ ‬والثمر‭.‬

عجبي‭ ‬علي‭ ‬وطن‭ ‬غريب‭ ‬يحتضن‭ ‬ما‭ ‬ليس‭ ‬منه‭ ‬وتجد‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬يساعدك‭ ‬علي‭ ‬تحقيق‭ ‬احلامك‭ ‬وتدين‭ ‬له‭ ‬بالولاء‭ ‬والحب‭ ‬لتدرك‭ ‬ان‭ ‬وطنك‭ ‬قد‭ ‬علمك‭ ‬كيف‭ ‬تسطيع‭ ‬ان‭ ‬تحقق‭ ‬ما‭ ‬تريده‭ ‬لكن‭ ‬فى‭ ‬وطن‭ ‬غريب‭ ‬حتي‭ ‬تحقق‭ ‬ما‭ ‬تريد‭ ‬وكيف‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬تحقيق‭ ‬غايتك‭ ‬من‭ ‬الغربة‭ ‬وتجنب‭ ‬الآثار‭ ‬السلبية‭ ‬لها‭ ‬سؤال‭ ‬صعب‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تفكر‭ ‬فيه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬وتسأل‭ ‬نفسك‭ ‬ما‭ ‬الضريبة‭ ‬التى‭ ‬ستدفعها‭ ‬ثمناً‭ ‬لغربتك‭ ‬ومتى‭ ‬ستصل‭ ‬للحد‭ ‬الذى‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬تغربت‭ ‬ومتى‭ ‬يكون‭ ‬قرار‭ ‬العودة‭ ‬صائبا؟‭!.‬ً

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى