بيشوى بولس

بركاتك يا مولانا

بقلم/ بيشوى بولس

أخذ‭ ‬حبيبات‭ ‬من‭ ‬العدس‭ ‬و‭ ‬أدخلها‭ ‬في‭ ‬كيس‭ ‬ورقي‭ ‬ثم‭ ‬وضعها‭ ‬في‭ ‬آلية‭ ‬على‭ ‬الميزان‭ ‬الصدئ‭ ‬و‭ ‬هو‭ ‬يقول‭ :‬‭”‬‭ ‬أنتِ‭ ‬قلقة‭ ‬على‭ ‬“فوقية”‭. ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أفهم‭ ‬ذلك‭. ‬لكن،‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تجدي‭ ‬لها‭ ‬إبن‭ ‬الحلال‭ ‬؟‭ ‬‭” ‬

‭- ‬ أجابته‭ ‬في‭ ‬يأس‭: ‬‭”‬‭ ‬و‭ ‬هل‭ ‬يوجد‭ ‬من‭ ‬يرغب‭ ‬بالزواج‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القرية‭. ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يتحمل‭ ‬نفقات‭ ‬الزواج؟‭ ‬من‭ ‬سيدفع‭ ‬المهر؟‭ ‬كلهم‭ ‬معدمون‭! ‬لقد‭ ‬تعبت‭ ‬من‭ ‬‭”‬أم‭ ‬سليم‭”‬‭ ‬الخاطبة‭ ‬و‭ ‬لكم‭ ‬زرت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشيوخ‭ ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭”‬‭. ‬

‭ – ‬لمعت‭ ‬عيناه‭ ‬و‭ ‬قال‭ : ‬شيوخ‭! …. ‬و‭ ‬هل‭ ‬ذهبتي‭ ‬أيضاً‭ ‬إلى‭ ‬الشيخ‭ ‬‭”‬فتحي‭”‬؟

‭- ‬‭‬ الشيخ‭ ‬فتحي‭ ‬من؟‭ ‬شيخ‭ ‬الكُتَّاب؟‭!‬‭.‬

‭ – ‬نعم‭ ‬إنه‭ ‬رجل‭ ‬مبروك‭. ‬لكنه‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬الخفاء‭. ‬يخدم‭ ‬محبيه‭ ‬فقط‭!‬

‭- ‬ الشيخ‭ ‬‭”‬‭ ‬فتحي‭ ‬‭”‬؟‭! ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬متأكد؟‭!‬

‭-‬ نعم،‭ ‬الشيخ فتحي‭”‬‭. ‬إنه‭ ‬رجل‭ ‬مبروك‭ ‬و‭ ‬له‭ ‬كرامات‭! ‬هل‭ ‬تتذكري‭ ‬كيف‭ ‬ضعفت‭ ‬أذني‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أستطيع‭ ‬السمع‭. ‬لقد‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬الوحدة‭ ‬الصحية‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬يعرفوا‭ ‬سبب‭ ‬ذلك‭. ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬ذهبت‭ ‬الشيخ‭ ‬إلى‭ ‬الشيخ‭ ‬‭”‬فتحي‭”‬،‭ ‬وضع‭ ‬يده‭ ‬المبروكة‭ ‬على‭ ‬رأسي‭ ‬و‭ ‬أنهي‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬خمس‭ ‬دقائق‭ ‬و‭ ‬صرت‭ ‬أسمع‭ ‬أفضل‭ ‬مما‭ ‬قبل،‭ ‬حتى‭ ‬أنني‭ ‬أستطيع‭ ‬الآن‭ ‬سماع‭ ‬زوجتى‭ ‬الأولى‭ ‬و‭ ‬هي‭ ‬تدعوا‭ ‬على‭ ‬ضُرَّتها‭ ‬عند‭ ‬صلاة‭ ‬الفجر‭. ‬و‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬الخفاء‭ ‬لوجه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬يأتونه‭ ‬من‭ ‬المشارق‭ ‬و‭ ‬من‭ ‬المغارب‭. ‬هل‭ ‬تعلمي؟‭ ‬بالأمس‭ ‬رأيت‭ ‬سيارة‭ ‬فارهة‭ ‬تحمل‭ ‬أرقام‭ ‬‭”‬الدقهلية‭” ‬تتوقف‭ ‬أمام‭ ‬منزله‭. ‬لقد‭ ‬رأيت‭ ‬بأم‭ ‬عيني‭ ‬كيف‭ ‬نزل‭ ‬منها‭ ‬ناس‭ ‬أكابر‭ ‬و‭ ‬معهم‭ ‬فتاة‭ ‬جميلة‭ ‬بيضاء‭ ‬كنساء‭ ‬الخواجات‭. ‬لقد‭ ‬وصل‭ ‬صيته‭ ‬إلى‭ ‬البندر‭. ‬و‭ ‬الله‭ ‬العظيم‭ ‬لقد‭ ‬رفع‭ ‬رأس‭ ‬بلدنا‭. ‬ألا‭ ‬تصدقينني؟‭!‬‭. ‬

‭- ‬ ردت‭ ‬في‭ ‬خجل‭:‬‭”‬‭ ‬من‭ ‬قال‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أصدقك؟‭ ‬إنني‭ ‬فقط‭ ‬متعجبة،‭ ‬فأنا‭ ‬أعلم‭ ‬أن‭ ‬الشيخ‭ ‬‭”‬فتحي‭”‬‭ ‬لا‭ ‬يهمه‭ ‬سوى‭ ‬ملئ‭ ‬بطنه‭ ‬بالطعام‭ ‬و‭ ‬الحلوى‭”‬‭ .‬

‭- ‬ إشاعات،‭ ‬بلد‭ ‬كلها‭ ‬إشاعات‭! ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬زاهد‭ ‬لكنه‭ ‬يحب‭ ‬أن‭ ‬يخفي‭ ‬كراماته‭.‬

‭- ‬ غريبة،‭ ‬عموماً‭ ‬أنا‭ ‬لم‭ ‬أتحدث‭ ‬إليه‭ ‬قبلاً‭ ‬قط‭. ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬أمامي‭ ‬حل‭ ‬آخر‭. ‬لقد‭ ‬ناهزت‭ ‬فوقية‭ ‬إبنتي‭ ‬الثلاثين‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬يطرق‭ ‬بابنا‭ ‬أي‭ ‬خُطَّاب‭. ‬و‭ ‬قد‭ ‬تزوج‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬في‭ ‬عمرها‭ ‬حتى‭ ‬سناء‭ ‬إبنة‭ ‬العمدة‭ ‬تزوجت‭ ‬و‭ ‬أنجبت‭ ‬طفلين‭ ‬و‭ ‬هي‭ ‬أصغر‭ ‬من‭ ‬فوقية‭ ‬بثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬‭”‬‭.‬

‭- ‬ إبتسم‭ ‬في‭ ‬ثقة‭ ‬وقال‭:‬‭”‬‭ ‬أعلم‭ ‬ذلك‭ ‬جيداً‭ ‬فلقد‭ ‬كنت‭ ‬أنا‭ ‬من‭ ‬شجع‭ ‬العمدة‭ ‬على‭ ‬الذهاب‭ ‬إلي‭ ‬الشيخ‭ ‬‭”‬فتحي‭”‬‭ ‬و‭ ‬بعد‭ ‬زيارته‭ ‬تقدم‭ ‬خمسة‭ ‬رجال‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الأسبوع‭ ‬للزواج‭ ‬من‭ ‬إبنته‭. ‬لكن،‭ ‬إسمعي،‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬لديه‭ ‬مصروفات‭ ‬كبيرة‭ ‬و‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تدفعي‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الحال،‭ ‬إنه‭ ‬ليس‭ ‬مثلي،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬تقديم‭ ‬خدماته‭ ‬بالأجل‭. ‬جهزي‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬جنيه‭ ‬و‭ ‬إذهبي‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬الحال‭”‬‭.‬

صرخت‭ ‬في‭ ‬حدة‭: ‬‭”‬‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف؟‭! ‬لماذا؟‭”‬‭. ‬

قاطعها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تسترسل‭:‬‭”‬‭ ‬هو‭ ‬يأخذ‭ ‬عادة‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬لكن‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬سيخفض‭ ‬لكِ‭ ‬المبلغ‭ ‬عندما‭ ‬يعلم‭ ‬بحالك‭. ‬وأنا‭ ‬أؤكد‭ ‬لكِ‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يمر‭ ‬الأسبوع‭ ‬إلا‭ ‬و‭ ‬ابنتك‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬زوجها،‭ ‬بل‭ ‬وسيرجع‭ ‬لك‭ ‬ما‭ ‬دفعتيه‭ ‬للشيخ‭  ‬‭”‬فتحي‭”‬‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المهر‭ ‬الذي‭ ‬سيقدمه‭ ‬العريس‭ ‬لإبنتك‭”‬‭.   

أخذت‭ ‬كيس‭ ‬العدس‭ ‬و‭ ‬خرجت‭ ‬مسرعة‭ ‬قائلة‭: ‬‭”‬على‭ ‬الحساب‭”‬‭. ‬

و‭ ‬للتو‭ ‬باعت‭ ‬أم‭ ‬فوقية‭ ‬آخر‭ ‬قراط‭ ‬ذهبي‭ ‬في‭ ‬خزانتها‭ ‬و‭ ‬إستدانت‭ ‬ألف‭ ‬جنيه‭ ‬من‭ ‬جارتها‭ ‬‭”‬‭ ‬سميحة‭ ‬‭”‬‭ ‬و‭ ‬استجمعت‭ ‬شجاعتها‭ ‬و‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬منزل‭ ‬الشيخ‭  ‬‭”‬فتحي‭”‬‭ ‬في‭ ‬طرف‭ ‬القرية‭ ‬بعد‭ ‬المغرب‭.‬

حينما‭ ‬دخلت‭ ‬و‭ ‬ضعت‭ ‬أمامه‭ ‬النقود‭ ‬و‭ ‬وضعت‭ ‬وجهها‭ ‬في‭ ‬الأرض‭. ‬

حك‭ ‬ذقنه‭ ‬قائلاً‭:‬‭”‬‭ ‬إقتربي‭ ‬يا‭ ‬‭”‬أم‭ ‬فوقية‭”‬‭ ‬أهلاً‭ ‬و‭ ‬سهلاً‭!‬‭”‬‭.‬

‭ – ‬كيف‭ ‬عرفت‭ ‬إسمي‭ ‬؟‭! ‬أنت‭ ‬لم‭ ‬ترني‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬بركاتك‭ ‬يا‭ ‬مولانا‭! ‬

‭- ‬ إقتربي‭ ‬يا‭ ‬بنيتي،‭ ‬لا‭ ‬تخافي‭ . ‬أم‭ ‬أن‭ ‬العدس‭ ‬الذي‭ ‬أكلتيه‭ ‬اليوم‭ ‬يكبس‭ ‬على‭ ‬أنفاسك؟

‭- ‬ و‭ ‬أيضاً‭ ‬عرفت‭ ‬ماذا‭ ‬أكلت؟‭! ‬بركاتك‭ ‬يا‭ ‬مولانا‭!‬

‭- ‬ مولاكي‭ ‬حزين‭ ‬و‭ ‬غاضب‭ ‬منك‭. ‬كيف‭ ‬لكِ‭ ‬يا‭ ‬إمرأة‭ ‬أن‭ ‬تركبي‭ ‬القطار‭ ‬و‭ ‬تذهبي‭ ‬إلى‭ ‬الشيخ‭  ‬‭”‬البنداري‭”‬‭ ‬في‭ ‬القرية‭ ‬المجاورة‭. ‬أكون‭ ‬أنا‭ ‬موجوداً‭ ‬في‭ ‬البلدة‭ ‬و‭ ‬أنت‭ ‬تسافرين‭ ‬لشيوخ‭ ‬خارج‭ ‬البلد‭. ‬صحيح‭ ‬الشيخ‭ ‬البعيد‭ ‬سره‭ ‬باتع‭ …! ‬و‭ ‬أخذ‭ ‬يضحك‭ ‬ضحكات‭ ‬إهتز‭ ‬لها‭ ‬كرشه‭ ‬الضخم‭. ‬

‭- ‬ يبدو‭ ‬فعلاً‭ ‬أنك‭ ‬صاحب‭ ‬كرامات‭. ‬كيف‭ ‬عرفت؟‭! ‬و‭ ‬الله‭ ‬يا‭ ‬مولانا‭ ‬الشيخ‭ ‬‭”‬البنداري‭”‬‭ ‬هذا‭ ‬نصاب‭. ‬أخذ‭ ‬الأموال‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬شيئاً‭. ‬البركة‭ ‬فيك‭ ‬يا‭ ‬مولانا‭!‬

‭- ‬ طبعاً‭ ‬أتيتي‭ ‬لأجل‭ ‬زواج‭ ‬إبنتك‭. ‬ألم‭ ‬تعرضيها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬على‭ ‬‭”‬سمير‭” ‬البقال؟‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬مرة‭ ‬قلتي‭ ‬له‭ ‬أنك‭ ‬تريدين‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬جنيه‭ ‬فقط‭ ‬كمهر‭ ‬لها‭! ‬ألا‭ ‬تتذكرىن؟‭ ‬يوم‭ ‬إشتريتي‭ ‬منه‭ ‬علبتين‭ ‬من‭ ‬السلمون‭ ‬على‭ ‬الحساب‭.‬

‭- ‬ حتى‭ ‬هذه‭ ‬عرفتها‭! ‬بركاتك‭ ‬يا‭ ‬مولانا‭! ‬أنا‭ ‬تحت‭ ‬أمرك،‭ ‬ماذا‭ ‬تريدني‭ ‬ان‭ ‬افعل؟‭ ‬

في‭ ‬ذات‭ ‬الليلة‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬منزل‭ ‬الشيخ‭ ‬‭”‬فتحي‭”‬‭ ‬‭”‬حمدي‭ ‬أفندي‭”‬‭ ‬ناظر‭ ‬المحطة‭ ‬و‭ ‬‭”‬سمير‭ ‬البقال‭”‬‭ ‬و‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬كيس‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الفول‭! ‬و‭ ‬بعد‭ ‬أسبوع‭ …. ‬صارت‭ ‬‭”‬فوقية‭”‬‭ ‬الزوجة‭ ‬الثالثة‭ ‬لفهمي‭ ‬تاجر‭ ‬البقول،‭ ‬بائع‭ ‬الفول‭ ‬و‭ ‬العدس،‭  ‬بعدما‭ ‬دفع‭ ‬لأمها‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬جنيه‭ ‬مهراً‭ ‬لها‭!‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى