م/ مجدى عزيزمقالات م. مجدى

مصر محاصرة

بقلم/م. مجدى عزيز

تنفرد‭ ‬مصر‭ ‬بموقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬المتميز‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬قارتها‭  ‬أفريقيا‭ ‬بالقارتين‭ ‬الأسيوية‭ ‬والأوروبية،‭ ‬ولذلك‭ ‬صارت‭ ‬مطمعا‭ ‬للأمبراطوريات‭ ‬العظمى‭ ‬منذ‭ ‬فجر‭ ‬التاريخ‭ ‬بداية‭ ‬بالهكسوس‭  ‬والفرس‭ ‬مرورا‭ ‬باليونانيين‭ ‬والرومان‭ ‬وصولا‭ ‬للماليك‭ ‬والعثمانيين‭ ‬وأخيرا‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬وفرنسا‭. ‬فمنهم‭ ‬من‭ ‬احتل‭ ‬مصر‭ ‬طمعا‭ ‬في‭ ‬خيراتها‭ ‬وموقعها‭ ‬كمركز‭ ‬للتجارة‭ ‬العالمية‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬فانسحب‭.‬

ولكون‭ ‬مصر‭ ‬منارة‭ ‬الإشعاع‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي‭ ‬والأدبي‭ ‬والفني‭ ‬في‭ ‬منطقتها،‭  ‬بدليل‭ ‬حصول‭ ‬أربعة‭ ‬من‭ ‬أبنائها‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬في‭ ‬فروع‭ ‬مختلفة،‭ ‬صارت‭ ‬هدفا‭ ‬للأفكار‭ ‬المتطرفة‭ ‬والأيدولوجيات‭ ‬الغريبة‭ ‬على‭ ‬مجتمعها‭ ‬بغية‭ ‬تغيير‭ ‬هويتها‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬تضرب‭ ‬جذورها‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬التاريخ‭ ‬وبالتالي‭ ‬تنتقل‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭ ‬المجاورة‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬أسلفنا‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬مصر‭ ‬الثقافي‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يتواصل‭ ‬معها‭.‬

ومنذ‭ ‬ظهور‭ ‬الأخوان‭ ‬ومن‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬عباءتهم،‭ ‬وهم‭ ‬كثير،‭ ‬دأبوا‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬أفكار‭ ‬شاذة‭ ‬مستنبطة‭ ‬من‭ ‬بيئة‭ ‬بدوية‭ ‬وفتاوى‭ ‬وهابية‭ ‬ساعدت‭ ‬أموال‭ ‬النفط‭ ‬والهوس‭ ‬الديني‭ ‬على‭ ‬انتشارها‭ ‬كانتشار‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬الهشيم‭ ‬والتي‭ ‬انتبهت‭ ‬لها‭ ‬مؤخرا‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬المعتدلة‭ ‬والواعية‭ ‬فبدأت‭ ‬في‭ ‬نبذها‭ ‬تباعا‭.‬

وحديثا‭ ‬تحاصر‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الجهات‭ ‬بميليشيات‭ ‬مسلحة‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬ستارا‭ ‬لتبرير‭ ‬أفكار‭ ‬وأفعال‭ ‬تحض‭ ‬على‭ ‬الكراهية‭ ‬والتكفير‭ ‬ونبذ‭  ‬الآخر‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬ليس‭ ‬معهم‭ ‬فهو‭ ‬عليهم،‭ ‬هكذا‭ ‬يقولون‭ ‬وهكذا‭ ‬يتعاملون‭.‬

في‭ ‬شمال‭ ‬مصر‭ ‬وفي‭ ‬غزة‭ ‬توجد‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬والتي‭ ‬يأتي‭ ‬إسمها‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬مقاومة‭ ‬إسلامية‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تقاوم‭ ‬عدوها‭ ‬الأول‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإنما‭ ‬تهادنه‭ ‬ولا‭ ‬تدوس‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬طرف‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬حماسها‭ ‬ينصب‭ ‬على‭ ‬المؤامرات‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬ساعدتها‭ ‬وأيدتها‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭ ‬وعلى‭ ‬سفك‭ ‬الدماء‭ ‬داخليا‭ ‬وخارجيا‭ ‬وممارسة‭ ‬تجارة‭ ‬غير‭ ‬مشروعة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأنفاق‭ ‬التي‭ ‬حفرتها‭ ‬بينها‭ ‬وببن‭ ‬مصر‭ ‬التي‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬تتغاضى‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬تجاوزاتها‭ ‬رغم‭ ‬علم‭ ‬مخابراتها‭ ‬بها‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬إجتراءها‭ ‬ودخول‭ ‬عناصرها‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬المصرية‭ ‬خلال‭ ‬فوضى‭ ‬ثورة‭ ‬يناير‭ ‬لإخراج‭ ‬سجناء‭ ‬وادي‭ ‬النطرون‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬تتبنى‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتدافع‭ ‬عنها‭ ‬وتحاول‭ ‬رأب‭ ‬الصدع‭ ‬بين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العصابة‭ ‬تتفنن‭ ‬في‭ ‬إضاعة‭ ‬الوقت‭ ‬وإفشال‭ ‬المفاوضات‭ ‬بين‭ ‬فتح‭ ‬وحماس‭ ‬ليبقى‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬غزه‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭.‬

مما‭ ‬تقدم،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬إظهار‭ ‬العين‭ ‬الحمراء‭ ‬لحماس‭ ‬حتى‭ ‬ترتدع‭ ‬وتعمل‭ ‬ألف‭ ‬حساب‭ ‬لمصر‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬لفعل‭ ‬ذلك‭.‬

إلى‭ ‬الغرب‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬فلول‭ ‬الإخوان‭  ‬ومرتزقة‭ ‬داعش‭ ‬التي‭ ‬تناهض‭ ‬الدولة‭ ‬الليبية‭ ‬مستغلة‭ ‬الفوضى‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬الدولة‭ ‬أصلا‭ ‬وأكم‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬إرهابية‭ ‬داخل‭ ‬مصر‭ ‬انطلقت‭ ‬من‭ ‬ليبيا،‭ ‬ولولا‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الجيشين‭ ‬المصري‭ ‬والليبي‭ ‬لما‭ ‬خفت‭ ‬وتيرة‭ ‬تلك‭ ‬الهجمات‭.‬

جنوبا‭ ‬أضف‭ ‬عصابات‭ ‬الإخوان‭ ‬الموجودة‭ ‬بكثافة‭ ‬وااتي‭ ‬أيدها‭ ‬ومولها‭ ‬الغير‭ ‬مأسوف‭ ‬عليه‭ ‬الإخواني‭ ‬الأصلي‭ ‬البشير‭ ‬بالشؤم‭.‬

ويكمن‭ ‬الحل،‭ ‬في‭ ‬رأي‭ ‬الكثيرين،‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تقاوم‭ ‬مصر‭ ‬الفكر‭ ‬المتطرف‭ ‬بالفكر‭ ‬المستنير‭ ‬وأن‭ ‬تقيم‭ ‬الندوات‭ ‬وتطلق‭ ‬المفكرين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ربوعها‭ ‬لدحض‭ ‬الأفكار‭ ‬الظلامية‭ ‬بالإضافة‭ ‬إالى‭ ‬توعية‭ ‬النشء‭ ‬منذ‭ ‬الطفولة‭ ‬بقيم‭ ‬المحبة‭ ‬والتسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬أطراف‭ ‬المجتمع‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬اطيافهم‭.‬

والأهم‭ ‬هو‭ ‬منع‭ ‬الفضائيات‭ ‬وأرباب‭ ‬الفتنة‭ ‬من‭ ‬التواجد‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬وزرع‭ ‬الأفكار‭ ‬المتطرفة،‭  ‬وإثارة‭ ‬اللغط‭ ‬والفتنة‭ ‬بين‭ ‬فئات‭ ‬المجتع‭ ‬الواحد‭ ‬وإلا‭ ‬فأننا‭ ‬كمن‭ ‬ينفخ‭ ‬في‭ ‬الهواء‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى