كمال سدره

تنافس الكراهية مع الكراهية

بقلم/ كمال سدره

“لا‭ ‬يمكن‭ ‬طرد‭ ‬الظلمة‭ ‬بالظلمة،‭ ‬النور‭ ‬وحده‭ ‬يمكنه‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للكراهية‭ ‬أن‭ ‬تطرد‭ ‬الكراهية‭ ‬الحب‭ ‬وحده‭ ‬يمكنه‭ ‬ذلك”،‭ ‬قولاً‭ ‬مأثور‭ ‬للعظيم‭ ‬مارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كينغ،‭ ‬واللي‭ ‬اثبت‭ ‬بالفعل‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬الكلام‭ ‬امكانية‭ ‬تحقق‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬انتصر‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬وحققت‭ ‬ثورته‭ ‬علي‭ ‬الكراهية‭ ‬العنصرية‭ ‬انتصار‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬للسود‭ ‬في‭ ‬امريكا‭ ‬بل‭ ‬اصبح‭ ‬انتصار‭ ‬علي‭ ‬العنصرية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬انحاء‭ ‬العالم‭ ‬،ساهم‭ ‬هذا‭ ‬الانتصار‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬شكل‭ ‬الانسانية‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬هذا‭ ‬ومازال‭.‬

من‭ ‬فترة‭ ‬اثارني‭ ‬الفضول‭ ‬لفهم‭ ‬اجواء‭ ‬الحروب‭ ‬العالمية‭ ‬الاولي‭ ‬والثانية‭ ‬واللي‭ ‬سببت‭ ‬دمار‭ ‬وقتلي‭ ‬وجرحي‭ ‬بمئات‭ ‬الملايين‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬بقاع‭ ‬الارض،‭ ‬وبدون‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬مجرد‭ ‬متابعة‭ ‬الاحادث‭ ‬سوف‭ ‬تجد‭ ‬مقدمات‭ ‬الحربين‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬زراعة‭ ‬نبتة‭ ‬الكراهية‭ ‬ورعايتها‭ ‬بفعل‭ ‬القيادات‭ ‬السياسية،‭ ‬والنتيجة‭ ‬مضمونة‭ ‬خراب‭ ‬ودمار‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬بالفعل،‭ ‬كان‭ ‬الدافع‭ ‬الاساسي‭ ‬للجنود‭ ‬هو‭ ‬تحفيز‭ ‬الكراهية‭ ‬اللي‭ ‬ظلت‭ ‬تُزرع‭ ‬في‭ ‬نفوسهم‭ ‬لسنين‭ ‬وسنين،‭ ‬حتي‭ ‬ان‭ ‬قيادة‭ ‬المملكة‭ ‬العثمانية‭ ‬حينما‭ ‬اشتركت‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬لمساعدة‭ ‬حلافائها‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬غير‭ ‬الكراهية‭ ‬الدينية‭ ‬لتحفيز‭ ‬الجنود،‭ ‬رغم‭ ‬ان‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬المسيحيين‭ ‬سواء‭ ‬حلافائها‭ ‬او‭ ‬اعدائهم‭.‬

لم‭ ‬يفيق‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬اهوال‭ ‬وجرائم‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الاسلامية‭ ‬داعش‭‬،‬حتي‭ ‬صُدم‭ ‬بفاجعة‭ ‬قتل‭ ‬المصلين‭ ‬في‭ ‬مسجدين‭ ‬في‭ ‬نيوزلاندا‭ ‬الهادئة،‭ ‬وكتب‭ ‬الارهابي‭ ‬القاتل‭ ‬صفحات‭ ‬طوال‭ ‬من‭ ‬المبررات‭ ‬التي‭ ‬قادته‭ ‬لهذا‭ ‬العمل‭ ‬الشنيع،‭ ‬وعند‭ ‬قراءتك‭ ‬لمبرراته‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬بين‭ ‬السطور‭ ‬اكثر‭ ‬وضوحاً‭ ‬من‭ ‬سرطان‭ ‬الكراهية،‭ ‬والذي‭ ‬اكل‭ ‬عقله‭ ‬وروحه‭ ‬وتغذي‭ ‬علي‭ ‬انسانيه‭ ‬ليقتل‭ ‬اطفال‭ ‬ونساء‭ ‬ومصلين‭ ‬عزل‭.‬

وبحكم‭ ‬عملي‭ ‬اتابع‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬تطور‭ ‬محتوي‭ ‬شبكة‭ ‬المعلومات‭ ‬العالمية،‭ ‬والثورة‭ ‬الاخيرة‭ ‬للشبكات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتي‭ ‬اعطت‭ ‬الكل‭ ‬امكانية‭ ‬التعبير‭ ‬الحر‭ ‬عن‭ ‬الرأي،‭ ‬وخلال‭ ‬هذه‭ ‬الثورة‭ ‬وهذا‭ ‬التطور‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤتمرات‭ ‬والاجتماعات‭ ‬لمناقشه‭ ‬المزايا‭ ‬والعيوب‭ ‬لهذا‭ ‬التطور،‭ ‬وكان‭ ‬احد‭ ‬اهم‭ ‬المخاطر‭ ‬والذي‭ ‬تحول‭ ‬بذاته‭ ‬الي‭ ‬مؤتمرات‭ ‬وندوات‭ ‬لمناقشته‭ ‬وحده،‭ ‬“خطاب‭ ‬الكراهية”‭ ‬واللي‭ ‬ظهر‭ ‬بتجلي‭ ‬في‭ ‬كتير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬سواء‭ ‬كراهية‭ ‬عنصرية‭ ‬او‭ ‬دينية‭ ‬او‭ ‬سياسية‭ ‬وطبقية‭ ‬او‭ ‬حتي‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬اللي‭ ‬يتخرب‭ ‬او‭ ‬تقتل.

وتحول‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الاحوال‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬كتابات‭ ‬الي‭ ‬اعمال‭ ‬عنف،‭ ‬كما‭ ‬ظهر‭ ‬جلياً‭ ‬علي‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬في‭ ‬حشد‭ ‬العامة‭ ‬بالكراهية‭ ‬الدينية‭ ‬لحرق‭ ‬دور‭ ‬العبادة‭ ‬في‭ ‬صعيد‭ ‬مصر،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬نشر‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬للمسيحيين‭ ‬هناك‭ ‬بين‭ ‬العامة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الشبكات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتنسيق‭ ‬لاعمال‭ ‬العنف‭ ‬والحشد‭ ‬ليها،‭ ‬ومن‭ ‬بعدها‭ ‬التفاخر‭ ‬بحرق‭ ‬ونهب‭ ‬الكنائس‭ ‬وممتلكات‭ ‬المسيحيين‭ ‬هناك‭.‬

وبدون‭ ‬الحاجة‭ ‬الي‭ ‬اقناع،‭ ‬المتابع‭ ‬للمحتوي‭ ‬العربي‭ ‬علي‭ ‬الانترنت‭ ‬سوف‭ ‬يدرك‭ ‬حجم‭ ‬المصيبة‭ ‬والتضخم‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬للآخر‭ ‬سواء‭ ‬الديني‭ ‬او‭ ‬العرقي‭ ‬او‭ ‬السياسي،‭ ‬وكيف‭ ‬ان‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الاعمال‭ ‬الارهابية‭ ‬واعمال‭ ‬العنف‭ ‬كانت‭ ‬ترجمة‭ ‬طبيعية‭ ‬لهذا‭ ‬الخطاب‭ ‬الشرير‭. ‬وتتغني‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وبالاخص‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسط‭ ‬بمحاربتها‭ ‬للارهاب،‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬اتخاز‭ ‬اي‭ ‬خطوات‭ ‬تذكر‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬مسببه‭ ‬الرئيس‭ ‬وهو‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والذي‭ ‬يجد‭ ‬دعم‭ ‬معلن‭ ‬من‭ ‬الانظمة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان.

وهو‭ ‬ما‭ ‬يفند‭ ‬مصطلح‭ ‬“الحرب‭ ‬علي‭ ‬الارهاب”‭ ‬الذي‭ ‬يتغنون‭ ‬به‭ ‬ويترجمه‭ ‬لحقيقة‭ ‬الاحداث‭ ‬وهي‭ ‬انهم‭ ‬يحاربون‭ ‬الارهاب‭ ‬اللي‭ ‬ممكن‭ ‬يهدد‭ ‬عروشهم‭ ‬اما‭ ‬الارهاب‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬المواطنين‭ ‬العزل‭ ‬فأنه‭ ‬آداء‭ ‬سحرية‭ ‬لنشر‭ ‬الخوف‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬ليتحول‭ ‬ببساطة‭ ‬الي‭ ‬تمسكهم‭ ‬اكثر‭ ‬بالحكام‭ ‬اللي‭ ‬بيوهموهم‭ ‬بالحماية،‭ ‬وطمان‭ ‬ثبات‭ ‬كرسي‭ ‬الحكم‭.‬

إن‭ ‬استمر‭ ‬نمو‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬بهذه‭ ‬الوتيرة‭ ‬وفي‭ ‬مقابله‭ ‬خطاب‭ ‬كراهية‭ ‬مضاد،‭ ‬فالعالم‭ ‬في‭ ‬خطر،‭ ‬فإبدأ‭ ‬بنفسك‭ ‬ونقي‭ ‬قلبك‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬السرطان‭ ‬رأفة‭ ‬بنفسك‭ ‬ومستقبل‭ ‬اولادك‭ ‬اولاً‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى