كمال سدره

سر شرطة الزبالة وثقافة سيادة القانون

بقلم/ كمال سدره

لا‭ ‬اعتقد‭ ‬ان‭ ‬احداً‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬قد‭ ‬يختلف‭ ‬حول‭ ‬ان‭ ‬سويسرا‭ ‬من‭ ‬انظف‭ ‬بلاد‭ ‬العالم‭ ‬بل‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬الانظف‭ ‬علي‭ ‬الاطلاق،‭ ‬واذا‭ ‬حالفك‭ ‬الحظ‭ ‬وزرت‭ ‬احد‭ ‬مدنها‭ ‬سيبهرك‭ ‬نظافة‭ ‬شوارعها‭ ‬وبقاء‭ ‬معالمها‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قديمة‭ ‬بنفس‭ ‬النظافة‭ ‬والابهار‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬لسه‭ ‬خارجة‭ ‬من‭ ‬كرتونتها‭ ‬بحسب‭ ‬التعبير‭ ‬المصري‭.‬

ده‭ ‬كان‭ ‬محور‭ ‬حديثي‭ ‬مع‭ ‬صديقي‭ ‬المصري‭ ‬المقييم‭ ‬في‭ ‬سويسرا‭ ‬من‭ ‬سنين‭ ‬طويلة،‭ ‬وقد‭ ‬حكي‭ ‬لي‭ ‬السر‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬النظافة‭ ‬المبهرة،‭ ‬وهو‭ ‬ان‭ ‬الادارات‭ ‬الحكومية‭ ‬هناك‭ ‬كانت‭ ‬تواجه‭ ‬مشاكل‭ ‬في‭ ‬انتشار‭ ‬القمامة‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬وعدم‭ ‬اهتمام‭ ‬السكان‭ ‬بالمظهر‭ ‬العام‭ ‬لواجهات‭ ‬بيوتهم‭ ‬او‭ ‬النظافة‭ ‬خارجها،‭ ‬مما‭ ‬اضطرهم‭ ‬لسن‭ ‬قوانين‭ ‬لمعالجة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهر‭ ‬وتغيير‭ ‬شكل‭ ‬البلد،‭ ‬وكان‭ ‬القائمون‭ ‬علي‭ ‬تطبيق‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬جهاز‭ ‬شرطي‭ ‬متخصص،‭ ‬يبحثون‭ ‬في‭ ‬شوارعها‭ ‬عن‭ ‬اي‭ ‬قمامة‭ ‬ملقاه‭ ‬ويقومون‭ ‬برفعها‭ ‬وتحليل‭ ‬محتوايتها‭ ‬بكل‭ ‬دقة‭ ‬لمعرفة‭ ‬المجرم‭ ‬اللي‭ ‬القاءها‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬العام‭ ‬وليس‭ ‬المكان‭ ‬المخصص‭ ‬لها،‭ ‬وبعدها‭ ‬كانوا‭ ‬يرغمونه‭ ‬علي‭ ‬دفع‭ ‬الغرامات‭ ‬القانونية‭ ‬الكبيرة‭ ‬وعند‭ ‬التكرر‭ ‬يدفع‭ ‬غرامات‭ ‬مضاعفة،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬البلديات‭ ‬ترغم‭ ‬السكان‭ ‬بزراعة‭ ‬الورود‭ ‬في‭ ‬بكونات‭ ‬بيوتهم،‭ ‬وبالطبع‭ ‬الآن‭ ‬وصلت‭ ‬سويسرا‭ ‬لهذا‭ ‬الشكل‭ ‬المبهر‭ ‬واصبحت‭ ‬حديث‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬النظافة‭ ‬والجمال،‭ ‬واصبح‭ ‬المواطن‭ ‬السويسري‭ ‬رمز‭ ‬للنظافة‭ ‬وبالطبع‭ ‬يحظي‭ ‬بأعلي‭ ‬مستويات‭ ‬المعيشة‭ ‬والدخل‭ ‬بالمقارنة‭ ‬بجميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

تذكرت‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬عندما‭ ‬نبهني‭ ‬الفيسبوك‭ ‬لخبر‭ ‬نشرته‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬عن‭ ‬نية‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬تطبيق‭ ‬قانون‭ ‬المرور،‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬المرة‭ ‬الاولي‭ ‬حيث‭ ‬تكرر‭ ‬هذا‭ ‬الخبر‭ ‬عشرات‭ ‬المرات‭ ‬علي‭ ‬مدار‭ ‬سنين‭ ‬وسنين‭ ‬وبالطبع‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تطبيقه‭ ‬بالشكل‭ ‬المطلوب‭ ‬ولم‭ ‬يحقق‭ ‬اهداف‭ ‬واضعه‭ ‬او‭ ‬طموحات‭ ‬مواطنين‭ ‬المحروسة‭ ‬وبالطبع‭ ‬سكان‭ ‬العاصمة‭ ‬والمدن‭ ‬الكبري،‭ ‬واللي‭ ‬فيها‭ ‬استهانة‭ ‬متميزة‭ ‬بقواعد‭ ‬المرور‭ ‬الرئيسية‭ ‬والتي‭ ‬تسبب‭ ‬الكثير‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬حوادث‭ ‬الطرق‭ ‬والاختناقات‭ ‬المرورية‭ ‬وتضع‭ ‬البلد‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬قتلي‭ ‬الحوادث‭ ‬المرورية‭ ‬بالمقارنة‭ ‬بدول‭ ‬العالم‭.‬

والمرور‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬فقط‭ ‬المشكلة،‭ ‬فالمرور‭ ‬مجرد‭ ‬مثال‭ ‬واضح‭ ‬لمكانة‭ ‬القانون‭ ‬عند‭ ‬المواطنين‭ ‬وبالطبع‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬المواطنين‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مثال‭ ‬ايضاً‭ ‬عن‭ ‬مدي‭ ‬التزام‭ ‬الجهات‭ ‬القائمة‭ ‬علي‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬بعملها،‭ ‬سواء‭ ‬الجهات‭ ‬الحكومية‭ ‬المختلفة‭ ‬او‭ ‬الجهاز‭ ‬الشرطي‭ ‬وهو‭ ‬الجهة‭ ‬المباشرة‭ ‬المنوط‭ ‬بيها‭ ‬افعال‭ ‬القانون‭.‬

ويعرف‭ ‬القانون‭ ‬علي‭ ‬انه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬والأسس‭ ‬التي‭ ‬تنظم‭ ‬سلوك‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع،‭ ‬والتي‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬أفراده‭ ‬اتباع‭ ‬القانون،‭ ‬وهنا‭ ‬اذكر‭ ‬معيار‭ ‬نسبي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬هام‭ ‬في‭ ‬قياس‭ ‬اهمية‭ ‬القانون‭ ‬عند‭ ‬المجتمعات،‭ ‬فمثلاً‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تعتبر‭ ‬المحاماه‭ ‬من‭ ‬اكثر‭ ‬المهن‭ ‬ربحاً‭ ‬والمحامي‭ ‬من‭ ‬اكثر‭ ‬الطبقات‭ ‬احتراماً‭ ‬ودخلاً

‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬دراسة‭ ‬القانون‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭  ‬الدراسات‭ ‬المرموقة‭ ‬والاكثر‭ ‬تكلفةً‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬التخصصات‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الامريكية،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬المحامي‭ ‬يحتاج‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬والتدريب‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬يقبل‭ ‬في‭ ‬نقابة‭ ‬المحامين‭ ‬الامريكية‭ ‬او American Bar Association

وطبعاً‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬كليات‭ ‬الحقوق‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬مثل‭ ‬مصر‭ ‬او‭ ‬حتي‭ ‬دخل‭ ‬المحامي‭ ‬هناك،‭ ‬تدرك‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬الفرق‭ ‬في‭ ‬اهمية‭ ‬القانون‭ ‬بين‭ ‬المجتمعات‭ ‬وبعضها،‭ ‬وبالاحري‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬والتي‭ ‬يحظي‭ ‬فيها‭ ‬المواطن‭ ‬بجودة‭ ‬حياة‭ ‬اعلي‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬مواطني‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬والتي‭ ‬يعاني‭ ‬فيها‭ ‬المواطن‭ ‬وتنحدر‭ ‬جودة‭ ‬حياته‭ ‬سواء‭ ‬صحة‭ ‬او‭ ‬اقتصاد‭ ‬او‭ ‬تعليم‭.‬

الخلاصة‭ ‬ان‭ ‬إعمال‭ ‬دولة‭ ‬القانون‭ ‬واحترام‭ ‬السلطات‭ ‬قبل‭ ‬المواطنين‭ ‬للقانون‭ ‬يعتبر‭ ‬احـد‭ ‬اعمــدة‭ ‬بنــاء‭ ‬الحضـــــارات‭ ‬والـــلــي‭ ‬بيضمن‭ ‬النهوض‭ ‬بجودة‭ ‬حياة‭ ‬المواطنين ويجلب‭ ‬الاحترام‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬بعضها‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى