جريمة ازدراء الأديان أو استغلال الدين في الترويج لأفكار متطرفة المقصود بها القيام باستخدام الدين بأي وسيلة كانت مثل الكتابة ، التصوير ، النشر ، القول وغير ذلك من وسائل العلانية في نشر أفكار متطرفة بهدف إثارة الفتنة أو الإساءة لأحد الأديان السماوية أو لمعتنقيه بهدف الإضرار بسلام المجتمع ووحدته الوطنية. فـــــــى مصـــــــــر حينما وضع الرئيس السابق محمد أنور السادات المادة (98/ و) من قانون العقوبات وهى تعد مادة سلطوية مطاطة ربما كان يفكر أنها الوسيلة القانوينة الوحيدة للقبض على الإسلاميين والسيطرة عليهم باليد العليا للقانون خاصة أنها وضعت عقب أحداث الزاوية الحمراء يونيو 1981 التى راح ضحيتها حوالى 81 قبطياً على يد مسلمين، وتم إحراق منازلهم وبعض المحال، بتعمد من النظام المصرى لتضخيم الحدث ليستغل لفرض قوانين استثنائية ما فسر وقتها بالحل السياسى للأزمة وبالفعل تم وضع مادة سلطوية عرفت بقانون إزدراء الأديان والتى تنص بالحبس أو الغرامة لمن يرتكب فعلاً يسبب إزدراء وتحقيرا للأديان كما تحاكم من يروج لأفكار متطرفة وكذلك كل من يقدم على فعل فيه تدنيس لدور العبادة! وأصبحت تلك المادة منذ ذلك الوقت هى الأشهر فى قانون العقوبات وبسبب مادة انتقامية غشومة تم جرجرة عشرات الباحثين و الأدباء و المفكرين والايرياء من البسطاء الى ساحات المحاكم و صدرت ضد بعضهم احكاما نهائية بالسجن بالفعل ! وبعيدا عن قائمة الضحايا وحقيقة قيمتهم المعرفية و الأدبية ، فمن الملاحظ أن هذه المادة التى تتخذها السلطة وسيلة للتنكيل بخصومها جاءت صياغتها شديدة العمومية و تتسم بالطابع الواسع الفضفاض فإذا انتقدت الخطاب الدينى لمشايخ السلفية فأنت تزدري الأديان و إذا اعترضت على فتوى عنصرية لابن تيمية فأنت تزدرى الأديان و إذا قلت أن التراث الفقهى الاسلامى بحاجة الى ثورة تصحيح و مراجعة لأن داعش و أخواتها يتخذون منه مبررا للذبح فأنت تزدري الأديان ! إذن الموضوع لا يتعلق بالاساءة للأديان فعلا و لكنه سيف يشهره بعض رجال الدين في وجه منتقديهم باعتبار أنهم يمثلون الإسلام وظل الله على أرضه و انتقادهم يعد عدوانا على الدين و لا يتطلب الأمر سوى محام غاوي شهرة يحرك دعوى قضائية بسبب مشهد عابر بفيلم أو جملة حوارية مقتطعة من سياقها برواية فتقوم الدنيا و لا تقعد و يضمن السيد المحامى زيادة اتعابه عند الزبائن بعد أن أصبحت صورته تنشر بالصحف و يظهر ببرامج التوك شو ! تعمدت السلطة ألا يكون هناك تعريف محدد قاطع لهذا الاتهام و آثرت أن يبقى مفتوحا على كل الاحتمالات تاركة للقاضي و حده تقدير إذا ما كان الأمر ازدراء أم ممارسة لحق النقد و حرية التعبير. لقد كان لهذه المادة المعيبة أصل ضعيف وغامض يطل على استحياء في قانون العقوبات المصري حتى جاء الرئيس السادات سامحه الله و أجرى عليها تعديلات تؤكد شرعيتها و تزيد من عقوبتها و تمنحها الصياغة بشكلها الحالى فعل السادات ذلك في اطار مغازلته لجماعات الاسلام السياسى و حبه المزعومة على الشيوعية التى كانت في الواقع حربا على التيار الناصري و بضغوط من دوائر خليجية كانت لا تزال غاضبة من السياسات الاقليمية لمصر الناصرية. ازدراء الأديان هى تهمة تكشف في حقيقتها عن ازدراء مصر و تخرج لسانها لكل من يؤمن بالتنوير و التفكير الحر الخلاق هى ارهاب فكري مقنن و تهديد لكل من يحاول الخروج عن منطق القطيع وهى دليل على ان دستور ثورة الثلاين من يونيو الذي نباهى الدنيا برقى مواد الحريات العامة فيه لا يزال حبرا على ورق و لم يتحول الى تشريعات قانونية بعد تنص المادة السبعة و الستين من دستور البلاد الجديد على أن “ حرية الابداع الأدبي و الفنى مكفولة و تلتزم الدولة بالنهوض بالفنون و الآداب و رعاية المبدعين و حماية ابداعاتهم و لا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية و الأدبية و الفكرية أو ضد مبدعيها إلا من عن طريق النيابة العامة و لا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى او الادبي او الفكري “ فـــى الــبــــلاد العــربــيــة ويجمع عدة باحثين أن الحضور القوي لازدراء الأديان في النصوص القانونية للبلدان العربية راجع إلى رغبة بعض الأنظمة قمع الأصوات المعارضة لها خاصة القوى الحداثية التي تؤمن بالمرجعية الكونية إضافة إلى ارتباط الحكم السياسي في أغلب هذه البلدان بالدين باعتباره مرجعية للحكم ما يعني أن حماية الدين من النقد فيه حماية للحاكم أيضا من المساءلة. ومن جانب آخر تطرح فكرة ازدراء الأديان إشكالا حقيقيا في ما يتعلق بحرية الأفراد فإذا كان معناها احترام حقوق المواطنين الذين يعيش الشخص إلى جانبهم في دولة معينة فإن هذا التعريف لا ينطبق على الدين باعتباره فكرة وإيديولوجيا وتراثا إنسانيا وهو ما يفتح عليه أبواب النقد وحتى الإساءة لأن الدين ليست له حقوق وواجبات أو لديه مشاعر يخشى أن تمس في حالة الإساءة. ولا تشجع القوانين التي تجرم ازدراء الأديان على تحرير العقل وتنمية قدرات النقد والابتكار إذ تجد من حرية الشخص في نقد مجموعة من المواضيع التي يتدخل فيها الدين والتي لها ارتباط وثيق بحياة ومصير الشخص من قبيل انتقاد فكرة الآخرة أو العذاب الإلهي وغيرها من الأفكار التي تؤثر بشكل مباشر على الفرد الذي يعيش في البلدان العربية على الخصوص. وفي الوقت الذي تتسابق فيه الدول العربية على الحفاظ على بنود تجريم ازدراء الأديان في قوانينها، تسعى دول غربية أخرى إلى حذفها وأبرز نموذج على ذلك دولة الدنمارك التي ألغى برلمانها في السنوات الأخيرة بأغلبية ساحقة قانون ازدراء الأديان رغم أن الدول الأوروبية لها ارتباط وثيق بالدين كما أنه من بين شروط تقلد بعض المسؤوليات السياسية انطلاقا من إيمانها بحرية العقل في نقد جميع المواضيع مهما كانت مقدسة. للاسف تندرج العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قوانين مكافحة ازدراء الأديان ضمن قانون العقوبات وتوفر أداة مثالية يستخدمها المتطرفون في تبرير هجماتهم الإرهابية وعنفهم اللفظي والجسدي وترويع من يختلف معهم باسم حماية الدين وهذه الحالات أكثر انتشارا في بلدان كالسعودية والسودان ومصر وإيران. قوانين تجريم ازدراء الأديان عادة ما تكون فضفاضة ولا توفر تعريفا واضحا ومحددا لما قد يعد ازدراء للدين وبالتالي تترك هامشا كبيرا للتفسيرات والاجتهادات الفردية. تتعارض قوانين تجريم الازدراء مع فهمنا المعاصر لمبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير التي تحظى بقبول دولي واسع تلك المبادئ التي يتشارك فيها البشر كافة ويقدسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إن مواثيق حقوق الإنسان تحمي حق الناس في التديّن وحرية الضمير وفي الحماية من العنف والتشهير والتمييز لكنها لا تحمي الأديان أو المعتقدات والأفكار بكل أنواعها من النقد أو السخرية أو الإساءة لا يعني هذا أن الحرية سداح مداح فالقانون الذي يسمح بحرية الاستفزاز ونقد المقدسات يجرم ويعاقب على التحريض على العنف والكراهية والعنصرية والتمييز وهذه هي الحالات الوحيدة التي تقيد فيها حرية التعبير بأمر قضائي محدود. من المهم جدا أن تتم إزالة هذه القوانين من قانون العقوبات أو على الأقل تعديلها بما أنها لا تهدد الأمن العالمي فحسب بل أيضا وحدة المجتمعات وتماسكها في الدول التي تطبقها. يا سادة لا يوجد من يمارس فكرة ازدراء الأديان أكثر من الأديان ذاتها. فكل دين يرى نفسه الدين الصحيح ويرى بقية الأديان محرفة وباطلة ومثيرة للسخرية ولو طبقنا قاعدة ازدراء الأديان فإن الضحية الأولى ستكون العقائد الدينية ذاتها.