تصور :أفراد عائلة واحدة، جالسين في حجرة مظلمة، يراقبون "التلفاز".. وإذا حاول أحدهم أن يتحدث مع الآخر، فإن الاستجابة ستكون: "أصمت حتى ينتهي هذا البرنامج".. وبذلك يجلسون في "الظلام السعيد"، ملتصقين عاطفياً بالشاشة الصغيرة، ومتجاهلين بعضهم بعضاً إلى حد التباعد والاغتراب أكثر بأكثر! أنه "الظلام السعيد"، الذي بعد أن کان أطفالك الملائكيون النائمون في سررك الدافئة، يصنعون من أحلامهم: أراجيح، وأناشيد، وزوارق للصباحات الإنسانية الجديدة القادمة، تُعد لهم فيه، بدأب، وعن غير قصد، أفكاراً من: الدم، والرمل، والظلمة، والجراح! أنه "الظلام السعيد"، الذي صنع البلاغة الإليكترونية، بينما توقف عن جعل طفلك لا يمل الرضاعة من مشاهد العنف، والإغتصاب، والحروب والكوارث؛ حتى أصبح فيما بعد يدرء مشاعر النغصة بتصنع اللامبالاة! أنه "الظلام السعيد"، الذي أصبح فيه جيلنا، جيل اللمسة الرقيقة، قادراً على التواصل مع الميديا، بينما لا يتمكن من التواصل مع فكرة: "أن ثمة قلباً ينبض بعيداً عن أنظار الجميع".. وكأنه لا يستحق الإهتمام. فأودعنا أصولنا أبراجاً منيعة كما "الجميلة النائمة" وتركنا محبتنا تتحجر! أنها الكارثة المشتركة التي تجمعنا جميعاً وعلينا تداركها، بإصرار داخلي على الاحتفاء بالعطية الإلهية التي هي العائلة، بأن نشعر بجدران بيتنا المشترك وأن يشكل كل واحد منا "رأس جسر" في عائلته، وأن يصبح مركزاً للإتصالات والترابط والتواثق بين أفراده! فالمنزل ليس مجرد مكان بل أشخاص محبين، ومستقبل تعاون البشر يمرّ بالأسرة!