في إحـدى المستشـفيات. كـان لقـاء. وكانت صداقة! وكم من صداقات، هي وليدة الألم. آلامنا، أو آلام غيرنا. وتبقي حميمة. وعظيمة بمقدارالألم العظيم! تعرفت إليها. أرملة وثكلى، في مقتبل العمر! فقدت وليدها، وزوجها - معاً - في حادث ماساوي، ترك آثاراً واضحة المعالم على جسدها، الذي كاد أن تلتهمه النار التي نشبت فيهم، إلا نفسها: فقد حمل روحها، بإقتدار جسدها الذي يئن! ناولتني صورتها، التي سبقت الحادث وقال لي: هذه آخر صورة التقطت لى: فقد منعت نفسي عن الظهور في أي صورة من الصور، فردية أو جماعية! كانت الصورة جيدة زاخرة بالحيــاة أو: کالحياة ذاتها! تأملت تلك الملامح التي كشفتها العدسة في لقطة. ففي كل صورة من صور الإنسان غني لا ينضب انها جزء منه، ومن شخصيته مع أننا أمام العدسة لا نرى سوى أنفسنا، ولا نحس إلا باللحظة الزائلة التي ينفتح فيها مصراع آلة التصوير وينغلق في اقتناص! وتساءلت: ترى ماذا كنا نستبدو في تصاويرنا لو كنا نعلم بما سيحدث لنا من أحداث عميقة ومؤثرة؟ فلو كانت هذه السيدة التي ترقد على السرير الأبيض، تعلم ما سيلم بها في المستقبل، لما ظهرت على بساطتها وهدوئها، المرتسمين على وجهها في هذه الصورة، ولفقدت إلى الأبد واحدة من الذكريات التاريخية في حياتها! لا بد وأن نقر بأن الجمال الحق لا يكمن في الملامح المتناسقة، بل في الروح الثاوية خلف حجاب، يقينا مصاعب الحياة. وكمهمة المصور علينا أن ننفذ إلى ما وراء المظهر الخارجي؛ لنكتشف الجمال المستتر! فلوحة "الجيوكندا" أو "الموناليزا" الشهيرة والثمينة. لا يرجع تقديرنا لها إلى جمال مثير في سيدة اللوحة وإنما لما وراء هذه اللوحة من مشاعر وومضات، وعبقرية الفنان الذي وجه أنظارنا، بلمساته السحرية إلى ذواتنا بما فيها من خلق، وابتكار، وابداع. وإلى غيرنا؛ فنشاركهم مشاعرهم. وإلى ذاته، إلى: ليونارد دافنشي، الإنساني العميق، الذي تأثر كثيراً بأحزان سید اللوحة: ليزا، الشمعة المحترقة! أعدت الصورة إلى سيدة الصداقة، وقد تعلمت أن الإنسان أعظم من الصورة.. ومهما شوهته الأحداث جسدياً، ستبقي فيه تلك الروح الخلاقة المتصلة بالله؛ فهي التي تعكس مدى أهميته في الكون!...