"أينما ضربت في الأرض يميناً أو: شمالاً، فإنك حتماً ستواجه الرب، وستقف بين يديه".. هذه هي الفكرة، التي تقف وراء قرع جرس الكنيسة! هنا من يلبي صوته، معتبراً أن الجرس نداء من الرب! وهناك من يسعى جاهداً إلى اسكاته، واخراسه.. .. لأنه نداء إلى الصلاة والتسبيح؛ بينما هم مشغولون عنه في تلبية نداء الأشياء الباطلة! .. ولأنه يردد نشيد السماء، التي نادت: بمجد في العلاء، وسلام على الأرض، ومسرة بالناس؛ بينما هم منصرفون إلى ترنحهم بنشوة نخب "باخوس"، نحو الحرب، والفتك، والدمار، وسفك الدم! .. ولأنه ينطلق من داخل قباب الكنائس، والكنائس في نظرهم، بيوت هي أسوأ من بيوت المجون، والشر! .. ولأنه يملك القدرة على تجميع الناس، بينما التعصب، ألقى بهم من علياء الإنسانية؛ فقسموا العالم إلى قسمين: دين الله المختار، ودين الكفر، ويحاولون ضرب الراعي؛ لتتبدد خراف الرعيّة! ،...،...،... في كتب التاريخ، كَمّ من الاعتداءات على حرية الأجراس! ففي ماضي أوروبا المظلم، حكم صُنّاع الحروب، بوقف دقاتها، بصورة أو بأخرى: .. فألمانيا، مهد الأجراس، انتزعت أجراس كنائس كثيرة من أبراجها وتحطّمت، وأُذيبت، وصيغ من معدنها غلافات للقنابل. وبدلاً من أن تكون داعية إلى الصلاة والأذكار أمست داهية الفناء والدمار! .. وإيطاليا، موطن الأجراس، قضت بألا تدق الأجراس إلا إنذاراً بأغارة جوية فانقلب صوت البشير إلى نعي النذير! .. وإنجلترا، التي لقبت منذ القدم بالجزيرة الصائحة ـ لكثرة ما فيها من أجراس ـ، أمرت ألا تدق الأجراس إلا إيذاناً بغزو عدو مغير، فأبت أسماعهم ألا تصغي إلا لضجيج: الحرب، والنزاع والصدام، بعد أن كانت آذانهم تطرب وقلوبهم تخفق عند سماع رنّات الفرح! ،...،...،... وما يزال في مناطق كثيرة من العالم، من يمنع وجودها، ومن ينزعها من قبابها، ومن يريد لها أن يصبح رنينها أنيناً، وأن يضحى شدوها شجواً، وأن يصير غناؤها بكاء، وأن تمسى روعتها لوعة! ولكن الأجراس، ودقاتها ستظل باقية، داوية، مرتفعة.. تتحدى الشيطان، وأنصابه: باخت، وآريس، ومارس، وكل آلهة الموت، القديمة، والحديثة مرسلة نغماتها على أجنحة الأثير جاذبة للفرح، والفرج، والسلام!