مقالات رأى مختلفة

تجديد الخطاب المسيحي.. «أكرم حبيب» نموذجًا

بقلم/ روبير الفارس

هل‭ ‬يحتاج‭ ‬الخطاب‭ ‬المسيحى‭ ‬إلى‭ ‬تجديد؟‭.. ‬سؤال‭ ‬لا‭ ‬يرحب‭ ‬الأقباط‭ ‬كثيرًا‭ ‬بطرحه،‭ ‬رغم‭ ‬حالة‭ ‬التدهور‭ ‬الواضحة‭ ‬فى‭ ‬عدة‭ ‬مجالات‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالخطاب‭ ‬والفكر‭ ‬المسيحى،‭ ‬لعل‭ ‬أشهرها‭ ‬انتشار‭ ‬ظاهرة‭ ‬الوعظ‭ ‬الشعبى،‭ ‬التى‭ ‬ينتمى‭ ‬لها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الكهنة‭.‬

يخلط‭ ‬هؤلاء‭ ‬الكهنة‭ ‬القصص‭ ‬بالكلام‭ ‬المسجوع‭ ‬لتكوين‭ ‬حِكَمٍ‭ ‬يعتبرها‭ ‬البعض‭ ‬صالحة‭ ‬كمبادئ‭ ‬للحياة،‭ ‬وكأقوالٍ‭ ‬مأثورة‭ ‬تُلقى‭ ‬للنصح‭ ‬والإرشاد،‭ ‬وهى‭ ‬تظهر‭ ‬بطريقة‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الإيفيهات‮»‬‭ ‬تأخذ‭ ‬وقتها‭ ‬وتمضى،‭ ‬ليبحث‭ ‬المستمع‭ ‬أو‭ ‬الموعوظ‭ ‬عن‭ ‬حكم‭ ‬مسجوعة‭ ‬جديدة‭.‬

هذا‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬هناك‭ ‬عملية‭ ‬تضليل‭ ‬منتشرة‭ ‬تدمج‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬وآيات‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس،‭ ‬فى‭ ‬خلط‭ ‬يؤدى‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬هجين‮»‬‭ ‬يشوش‭ ‬الدماغ‭ ‬ولا‭ ‬يفيد‭ ‬أحدًا،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬يحقق‭ ‬الربح‭ ‬والرواج‭.‬

وفى‭ ‬وسط‭ ‬حالة‭ ‬التردى‭ ‬هذه،‭ ‬جاء‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬أقوال‭ ‬النبوة‮»‬‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬‮«‬الحرية‮»‬،‭ ‬للباحث‭ ‬المتعمق‭ ‬والمتميز‭ ‬فى‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬الدكتور‭ ‬أكرم‭ ‬حبيب،‭ ‬ليقدم‭ ‬مدرسة‭ ‬مفقودة‭ ‬تمامًا،‭ ‬ويعطى‭ ‬نموذجًا‭ ‬عمليًا‭ ‬فى‭ ‬فهم‭ ‬ودراسة‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس،‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬العمل‭ ‬الأساسى‭ ‬لكل‭ ‬واعظ‭ ‬داخل‭ ‬الكنيسة،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬كسب‭ ‬المستمعين‭ ‬بالقصص‭ ‬السطحية‭ ‬والكلمات‭ ‬الرنانة‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬عفا‭ ‬عليه‭ ‬الزمان‭.‬

جاء‭ ‬أكرم‭ ‬ليقدم‭ ‬درسًا‭ ‬عمليًا‭ ‬للكهنة‭ ‬والرهبان‭ ‬فى‭ ‬ألف‭ ‬باء‭ ‬تفسير‭ ‬الكتاب،‭ ‬بمهارة‭ ‬وحذق‭ ‬وقدرة‭ ‬وجهد‭ ‬حقيقى‭ ‬فى‭ ‬الإعداد‭ ‬والطرح،‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬تفسير‭ ‬الماء‭ ‬بالماء،‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬بعض‭ ‬الكهنة‭ ‬عندما‭ ‬يقدمون‭ ‬العظة‭ ‬التى‭ ‬تتضمن‭ ‬قراءة‭ ‬الإنجيل‭ ‬وتكرار‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬فى‭ ‬الآيات‭ ‬بلغة‭ ‬بسيطة‭ ‬فقط،‭ ‬دون‭ ‬أبعاد‭ ‬أو‭ ‬مقارنة‭ ‬ترجمات‭ ‬أو‭ ‬بحث‭ ‬فى‭ ‬معانى‭ ‬الكلمات‭ ‬باللغات‭ ‬الأصلية‭.‬

فى‭ ‬البرنامج‭ ‬يفسر‭ ‬‮«‬أكرم‮»‬‭ ‬بطريقة‭ ‬جديدة‭ ‬شيقة‭ ‬يُظهر‭ ‬فيها‭ ‬محبته‭ ‬للبحث‭ ‬والعلم،‭ ‬وستجد‭ ‬هذا‭ ‬ظاهرًا‭ ‬فى‭ ‬غزارة‭ ‬المعلومات‭ ‬والربط‭ ‬التاريخى‭ ‬واستخدامه‭ ‬اللغتين‭ ‬العبرية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬لأصل‭ ‬الآيات‭ ‬التى‭ ‬يتحدث‭ ‬عنها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مراجع‭ ‬نفيسة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬‮«‬شخصية‭ ‬مصر‮»‬‭ ‬للدكتور‭ ‬جمال‭ ‬حمدان،‭ ‬وعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المراجع‭ ‬الغربية‭ ‬المتخصصة‭ ‬فى‭ ‬علم‭ ‬المصريات‭.‬

وبذلك‭ ‬ينقل‭ ‬أكرم‭ ‬مفهوم‭ ‬التفسير‭ ‬أو‭ ‬الوعظ‭ ‬من‭ ‬مجال‭ ‬التكرار‭ ‬والتبسيط‭ ‬المخل‭ ‬إلى‭ ‬مجالات‭ ‬أكثر‭ ‬رحابة،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬الكلمات‭ ‬والمعانى،‭ ‬مسلحًا‭ ‬بثقافة‭ ‬رفيعة‭ ‬وبعلم‭ ‬الآباء‭ ‬المهتم‭ ‬بسير‭ ‬حياة‭ ‬وتراث‭ ‬وأقوال‭ ‬آباء‭ ‬الكنيسة‭ ‬الكبار‭.‬

وحتى‭ ‬لا‭ ‬يظن‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬فى‭ ‬الشرح‭ ‬مختصة‭ ‬بشكل‭ ‬البرنامج،‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭- ‬المفقود‭ ‬فى‭ ‬كنائسنا‭ ‬فى‭ ‬مصر‭- ‬اتبعه‭ ‬قبلها‭ ‬فى‭ ‬سلسلة‭ ‬حلقات‭ ‬عديدة‭ ‬قدمت‭ ‬فى‭ ‬اجتماعات‭ ‬الكنيسة‭ ‬القبطية‭ ‬الأرثوذكسية‭ ‬بمدينة‭ ‬برايتون‭ ‬‮«‬جنوب‭ ‬لندن‮»‬‭.‬

وكان‭ ‬أكرم‭ ‬بالذكاء‭ ‬الذى‭ ‬جعله‭ ‬يبدأ‭ ‬حلقات‭ ‬برنامجه‭ ‬عن‭ ‬‮«‬مصر‭ ‬فى‭ ‬نبوة‭ ‬سفر‭ ‬إشعياء‮»‬،‭ ‬وتتضمن‭ ‬‮١١‬‭ ‬حلقة‭ ‬مخصصة‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬فقط،‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬الذى‭ ‬يتم‭ ‬فيه‭ ‬اختصار‭ ‬ذلك‭ ‬السفر‭ ‬بالكامل‭ ‬داخل‭ ‬مصر،‭ ‬فى‭ ‬ربع‭ ‬آية‭ ‬تقول‭: ‬‮«‬مبارك‭ ‬شعبى‭ ‬مصر‮»‬‭.‬

ذلك‭ ‬نوعٌ‭ ‬من‭ ‬الوعظ‭ ‬الغريب‭ ‬الذى‭ ‬يقدم‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬ويتجاهل‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬دعائى‭ ‬غريب‭ ‬بقية‭ ‬الحقائق‭ ‬وسياق‭ ‬الآيات‭ ‬والكلمات،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬مؤسف‭ ‬بالفعل،‭ ‬لأنه‭ ‬يقدم‭ ‬للمستمع‭ ‬أو‭ ‬الموعوظ‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يسمعه‭ ‬فقط‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يبهجه،‭ ‬وليس‭ ‬الحقائق‭ ‬المكتوبة،‭ ‬كما‭ ‬جاءت‭ ‬فى‭ ‬السفر‭.‬

ومن‭ ‬المنتظر‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬الحلقات‭ ‬القادمة‭ ‬لـ«أكرم‮»‬‭ ‬تفسيرات‭ ‬للآيات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمملكة‭ ‬العربية‭ ‬والعراق‭ ‬وبابل‭ ‬وآشور‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬وغيرها،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يُعد‭ ‬كتابًا‭ ‬عن‭ ‬‮«‬نبوات‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬سفر‭ ‬إشعياء‮»‬‭.‬

وختامًا،‭ ‬فإن‭ ‬المطلوب‭ ‬فى‭ ‬حقل‭ ‬تجديد‭ ‬الخطاب‭ ‬المسيحى،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يتخذ‭ ‬الأساقفة‭ ‬والكهنة‭ ‬والرهبان‭ ‬والوعاظ‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬نموذجًا‭ ‬يعمم‭ ‬لنخرج‭ ‬من‭ ‬نفق‭ ‬الوعظ‭ ‬الشعبى‭ ‬المظلم‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى