لينا خورى

على جنـاح أمنيـة

بقلم/ لينا خورى

يوم‭ ‬يولد‭ ‬من‭ ‬يوم،‭ ‬وعام‭ ‬يولد‭ ‬من‭ ‬عــام،‭ ‬والزمــــن‭ ‬يولــــد‭ ‬من‭ ‬ذاتــــه

وينتهي‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬ليولد‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬

والأمنيات‭ ‬حقيبة‭ ‬سفر‭ ‬للمنتظرين‭ ‬في‭ ‬مرافئه،‭ ‬كالسفن‭ ‬الراســــيـــة‭ ‬لتفرغ‭ ‬حمولتها‭ ‬ثم‭ ‬ترحل‭ ‬في‭ ‬اليم‭ ‬البعيد‭.‬

الأماني‭ ‬عناوين‭ ‬لحوار‭ ‬الإنسان‭ ‬مع‭ ‬الواقع،‭ ‬مع‭ ‬الكون،‭ ‬مع‭ ‬الآخـــر‭… ‬فالأمنية‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬حدث‭ ‬يحمل‭ ‬صفة‭ ‬الخصوصية،‭ ‬ثم‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬العمومية‭. ‬لأن‭ ‬بذور‭ ‬العطاء‭ ‬مخبأة‭ ‬في‭ ‬تربة‭ ‬الذات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ولكنهـا‭ ‬لا‭ ‬تنبت‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬المحبة‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭.‬

فتمنيّ‭ ‬الحب‭ ‬والسلام‭ ‬والخير،‭ ‬هي‭ ‬الكلمات‭ ‬الأكثر‭ ‬تردداً‭ ‬على‭ ‬لسـان‭ ‬البشر،‭ ‬وأغلب‭ ‬تكراراً‭ ‬في‭ ‬تذيل‭ ‬بطاقات‭ ‬العيد‭.‬

بين‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات،‭ ‬تلاحم‭ ‬معنوي‭ ‬وفاعل،‭ ‬فإذا‭ ‬انفصلــــت‭ ‬إحــــدى‭ ‬الكلمات‭ ‬ضاع‭ ‬المعنى‭ ‬وأصبحت‭ ‬الصورة‭ ‬الذهنية‭ ‬ناقصـة،‭ ‬فالحــــب‭ ‬يولّد‭ ‬السلام‭ ‬النفسي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬السـلام‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬وعنــــدما‭ ‬يعمّــــا‭ ‬يفيض‭ ‬الخير‭ ‬على‭ ‬البشر‭.‬

ولكن‭ ‬هل‭ ‬هم‭ ‬مفقودين‭ ‬أم‭ ‬نادري‭ ‬الوجود‭ ‬حتى‭ ‬نرددهــــم‭ ‬في‭ ‬كــــل‭ ‬مناسبة؟

هم‭ ‬موجودون‭ ‬في‭ ‬نبض‭ ‬الحياة،‭ ‬هم‭ ‬الكلمات‭ ‬الأولى‭ ‬للأخلاق،‭ ‬ولكنهم‭ ‬الكلمات‭ ‬الخالدة‭ ‬المحنطة‭ ‬للبشر‭.‬

ففي‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬تحكمه‭ ‬نعمة‭ ‬النسيان‭ ‬ونقمة‭ ‬التنــاسي،‭ ‬كــــم‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تنشيط‭ ‬ذاكرتنا،‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬جواهرنـــا‭ ‬الروحية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬فقدناها‭ ‬في‭ ‬نفق‭ ‬العماه‭ ‬المادي‭.‬

نتمنى‭ ‬أن‭ ‬‭”‬نحب‭ ‬قريبنا‭ ‬كنفسنا‭”‬‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬نحب‭ ‬مصلحتنا‭ ‬في‭ ‬قريبنــــا‭.‬

نتمنى‭ ‬أن‭ ‬‭”‬يتواضع‭ ‬العالم‭ ‬ليرتفع‭”‬‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يتنازل‭ ‬قليلاً‭ ‬ليمتلك‭ ‬كثيــــراً‭.‬

نتمنى‭ ‬للعالم‭ ‬الاقتناع‭ ‬بأن‭ ‬‭”‬يَصير‭ ‬الآخرونَ‭ ‬أَوَّلين‭ ‬والأَوَّلونَ‭ ‬آخِريـــن‭” ‬لا‭ ‬الأولين‭ ‬باقونَ‭ ‬إلى‭ ‬أبد‭ ‬الدهور‭.‬

نتمنى‭ ‬أن‭ ‬تكسب‭ ‬الإنسانية‭ ‬نفسها‭ ‬بانقشاع‭ ‬ضباب‭ ‬الرؤية،‭ ‬فتبصــر‭ ‬أن‭ ‬الغرور‭ ‬والقوة‭ ‬لا‭ ‬يولدا‭ ‬إلا‭ ‬الفناء‭. ‬

فلنُلبس‭ ‬الأمنية‭ ‬ثياب‭ ‬العيد‭ ‬الجديدة،‭ ‬ولنعلق‭ ‬على‭ ‬كتفيها‭ ‬جنـــاحــــي‭ ‬الحرية،‭ ‬محلقة‭ ‬فوق‭ ‬قصور‭ ‬الأثرياء‭ ‬وأكواخ‭ ‬الفقراء‭.‬

لتتجول‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬السعادة‭ ‬وخرائب‭ ‬الكره‭ ‬المجنون‭.‬

لتتماوج‭ ‬مع‭ ‬ترددات‭ ‬غناء‭ ‬الفرح‭ ‬وأنين‭ ‬الألم،‭ ‬ذائبة‭ ‬في‭ ‬ألوانٍ‭ ‬زرقــــاء

خضراء،‭ ‬حمراء،‭ ‬متراقصة‭ ‬بمرح‭ ‬مع‭ ‬ضربات‭ ‬فرشاة،‭ ‬ترسم‭ ‬قرية‭ ‬منسية‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬زمنٍ‭ ‬مفقود‭ ‬الذاكرة‭.‬

تصبح‭ ‬نجمة‭ ‬وحيدة‭ ‬سعيدة‭ ‬تشع‭ ‬في‭ ‬ليلٍ‭ ‬رتيب‭ ‬مظلم‭. ‬

وترنيمة‭ ‬ملائكية،‭ ‬توقظ‭ ‬مشاعر‭ ‬الطبيعة‭ ‬لتبكي‭ ‬ياســــميناً‭ ‬أبيــــض‭ ‬نقي‭ ‬كقلب‭ ‬الوليد‭.‬

تسافر‭ ‬في‭ ‬فكر‭ ‬متأملٍ،‭ ‬فتصير‭ ‬أحرفٍ‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬خريفية‭ ‬الكلمات

صيفية‭ ‬الحلم‭.‬

تصبح‭ ‬لسان‭ ‬نار‭ ‬تذيب‭ ‬بدفئها‭ ‬ثلج‭ ‬القلوب‭ ‬المتجمدة‭.‬

نتمنى‭ ‬أن‭ ‬تشع‭ ‬نجمة‭ ‬الميلاد،‭ ‬فتنير‭ ‬طريق‭ ‬الإنســـانية‭ ‬نحــــو‭ ‬الحب‭ ‬والسلام،‭ ‬وتكشف‭ ‬الطريق‭ ‬المظلم‭ ‬للجبروت‭ ‬الإنســــانــــي‭ ‬والقــــوة‭ ‬الحمقاء،‭ ‬طريق‭ ‬الموت‭ ‬والفناء‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى