لينا خورى

السـعادة الجـذعـيـة

بقلم/ لينا خورى

هي‭ ‬سؤال‭ ‬المحطات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬سفر‭ ‬العمر،‭ ‬هي‭ ‬الموانئ‭ ‬المتوارية‭ ‬في‭ ‬ضباب‭ ‬الزمن،‭ ‬تحوم‭ ‬حولها‭ ‬مراكب‭ ‬الأحلام،‭ ‬تأتي‭ ‬بخفة‭ ‬ريشة‭ ‬طائر‭ ‬حومٍ‭ ‬يودع‭ ‬أيلول،‭ ‬كمفتاح‭ ‬الصول‭ ‬تضبط‭ ‬نغمات‭ ‬القلب‭ ‬على‭ ‬سلّمها،‭ ‬هي‭ ‬السعادة‭… ‬نقطة‭ ‬البداية‭ ‬والنهاية‭ ‬وما‭ ‬بينهما‭ ‬تدور‭ ‬حكاية‭ ‬الحياة‭ … ‬

صعوبة‭ ‬تحقيقها‭ ‬في‭ ‬بساطتها،‭ ‬مثل‭ ‬العطر‭ ‬الأنيق‭ ‬في‭ ‬نسمة‭ ‬يبوح‭ ‬بالحياة‭ ‬السرية‭ ‬للزهور،‭ ‬كالموشور‭ ‬المتعدد‭ ‬الوجوه‭ ‬يراها‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬الذي‭ ‬يحبذه‭ ‬ويحقق‭ ‬مبتغاه‭… ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬تزداد‭ ‬رغبات‭ ‬الإنسان‭ ‬تتناقص‭ ‬فرص‭ ‬امتلاك‭ ‬السعادة،‭ ‬ليس‭ ‬لأنها‭ ‬تتناسب‭ ‬عكسا‭ ‬مع‭ ‬طموحه‭ ‬وأحلامه،‭ ‬بل‭ ‬لأنه‭ ‬يفقد‭ ‬أثرها‭ ‬بفوضى‭ ‬اتجاهات‭ ‬سعاداته،‭ ‬فيغفل‭ ‬عن‭ ‬برهات‭ ‬زمنية‭ ‬قصيرة،‭ ‬تختبئ‭ ‬فيها‭ ‬سعادته‭ ‬وميناء‭ ‬سلامه‭ ‬من‭ ‬اليأس‭. ‬مثل‭ ‬رياضي‭ ‬يمارس‭ ‬رياضة‭ ‬الجري‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬خلابة،‭ ‬فلا‭ ‬يلحظ‭ ‬جمالها‭ ‬العفوي‭ ‬ولا‭ ‬يستلب‭ ‬فكره‭ ‬معنى‭ ‬هذا‭ ‬الإبداع‭ ‬العظيم،‭ ‬لأنه‭ ‬يجري‭ ‬إلى‭ ‬الهدف،‭ ‬إلى‭ ‬القمة‭ ‬التي‭ ‬ستمنحه‭ ‬النشوة‭ ‬والسعادة‭ ‬المتلاشية‭ ‬أمام‭ ‬وجع‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬التالي‭…‬

السعادة‭ ‬مظهر‭ ‬إيجابي‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬الإنسان،‭ ‬هي‭ ‬السهل‭ ‬الممتنع،‭ ‬تتشكل‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬سعادات‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬فهي‭ ‬جذعية‭ ‬بتكوينه،‭ ‬لها‭ ‬خصوصيتها‭ ‬المتأثرة‭ ‬ببصمة‭ ‬مشاعره‭ ‬وجينات‭ ‬فكره‭ ‬وألوان‭ ‬بيئته‭… ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬مقارنتها‭ ‬أو‭ ‬تحقيق‭ ‬تمني‭ ‬مبادلتها‭ ‬مع‭ ‬سعادة‭ ‬انسان‭ ‬آخر،‭ ‬ولا‭ ‬عكسها‭ ‬في‭ ‬مرآة‭ ‬حياته،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬فهذا‭ ‬يضعفها،‭ ‬ويرهق‭ ‬الساعي‭ ‬إليها‭ ‬فيذوي‭ ‬سلامه‭ ‬الداخلي‭ ‬وتفقد‭ ‬سعادته‭ ‬وهجها‭.‬

‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬وضعية،‭ ‬تُحَفَز‭ ‬بمثيرات‭ ‬مؤقتة‭ ‬كأنواع‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬أو‭ ‬النشاطات،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬روحية‭ ‬فقط،‭ ‬أو‭ ‬محض‭ ‬فكرية‭… ‬بل‭ ‬كلها‭ ‬تتآلف‭ ‬لتكون‭ ‬السعادة‭ ‬بمعناها‭ ‬وفعلها‭.‬

تشرق‭ ‬علينا‭ ‬في‭ ‬الصباحات‭ ‬الملونة‭ ‬بوجوه‭ ‬من‭ ‬نحب،‭ ‬ونسمعها‭ ‬بدعاء‭ ‬الأمهات‭ ‬فتستحي‭ ‬منه‭ ‬الأقدار،‭ ‬نبصرها‭ ‬بلقاء‭ ‬غائب‭ ‬كان‭ ‬الابن‭ ‬الضال‭ ‬للاشتياق‭ .. ‬نتلمسها‭ ‬في‭ ‬امتلاك‭ ‬حكمة‭ ‬الزمن‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬دفئ‭ ‬الجلسات‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬الوالدين‭ ‬أو‭ ‬كليهما،‭ ‬هي‭ ‬بمشاركة‭ ‬سر‭ ‬صديق

وبسلام‭ ‬يحل‭ ‬بين‭ ‬المتخاصمين،‭ ‬وبتجاوز‭ ‬جسور‭ ‬الألم‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬امتحانات‭ ‬الحياة‭. ‬هي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬قفزة‭ ‬نجاح‭ ‬بتحقيق‭ ‬حلم‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬بسيط‭… ‬وبكل‭ ‬ضحكة‭ ‬أو‭ ‬ذكرى‭ ‬معطرة‭ ‬بالحنين‭ ‬بمن‭ ‬التقيناهم‭ ‬في‭ ‬مفكرة‭ ‬أيامنا‭ ‬العابرة‭… ‬هي‭ ‬تبرق‭ ‬وترعد‭ ‬حروف‭ ‬في‭ ‬قصائد‭ ‬العشاق،‭ ‬وتزهر‭ ‬مواعيد‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأمنيات‭. ‬هذا‭ ‬الرصيد‭ ‬يختزنه‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬ذاكرته،‭ ‬فيكون‭ ‬المحفز‭ ‬للسعادة‭ ‬الجذعية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬تكوينه،‭ ‬التي‭ ‬تتوالد‭ ‬في‭ ‬مكانها‭ ‬وزمنها‭ ‬المناسب‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬صورة‭ ‬وحدث‭ ‬مخبئ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الرصيد‭.‬

السعادة‭ ‬هي‭ ‬ابنة‭ ‬الحب‭ ‬وشقيقة‭ ‬الحرية،‭ ‬نتغنى‭ ‬بها‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬امتلاكها،‭ ‬كقول‭ ‬القديس‭ ‬أغسطينوس‭: ‬‭”‬أحبب‭ ‬وافعل‭ ‬ما‭ ‬تشاء‭”‬‭. ‬فكم‭ ‬في‭ ‬رصيد‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬من‭ ‬محفزات‭ ‬لتتولد‭ ‬بأجسادنا‭ ‬وأروحنا‭ ‬وأفكارنا‭ ‬الأندروفينات؟؟؟‭ ‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى