لينا خورى

الـبـيـضــة

بقلم/ لينا خورى

الدجاجة‭ ‬أم‭ ‬البيضة؟‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬سبباً‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬الآخر؟‭ ‬هي‭ ‬المعضلة‭ ‬السببية‭ ‬لنتيجة‭ ‬أي‭ ‬حدث‭ ‬بناء‭ ‬أو‭ ‬هدم‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬الحياة‭… ‬تُقارب‭ ‬معضلة‭ ‬نشوء‭ ‬الكون‭ ‬ورفرفة‭ ‬النسائم‭ ‬الأولى‭ ‬للخليقة‭.‬

وبما‭ ‬أن‭ ‬الخيال‭ ‬والتأمل‭ ‬جناحا‭ ‬حرية‭ ‬الفكر،‭ ‬والرموز‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬الأم‭ ‬للإنسان،‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬أفردنا‭ ‬أشرعة‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬البيضة‭ ‬كمجسم‭ ‬صغير‭ ‬عن‭ ‬الكون‭ ‬والإنسان‭ ‬ومسار‭ ‬حياته؟

البيضة‭ ‬تمثل‭ ‬صندوق‭ ‬الدنيا،‭ ‬نرى‭ ‬فيها‭ ‬مراحل‭ ‬تكون‭ ‬الحياة،‭ ‬ففيها‭ ‬الهواء‭ ‬والماء‭ ‬والمادة‭ ‬الصلبة‭ ‬ونواة‭ ‬حية،‭ ‬فيها‭ ‬ظلام‭ ‬الليل،‭ ‬وبياض‭ ‬الضياء‭ ‬المتسربل‭ ‬إلى‭ ‬أجفان‭ ‬الكون‭ ‬ايقاظا‭ ‬لاستقبال‭ ‬ملكة‭ ‬الأنوار‭ ‬الشمس،‭ ‬فانبلاج‭ ‬الفجر‭ ‬لتنكشف‭ ‬كل‭ ‬الأماكن‭ ‬كأول‭ ‬ابصار‭ ‬للوليد،‭ ‬وتحت‭ ‬الشمس‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬مستور‭… ‬تشبه‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬تكوينه‭ ‬المزدوج،‭ ‬فصورته‭ ‬الخارجية‭ ‬لا‭ ‬تنقل‭ ‬عالمه‭ ‬الداخلي‭ ‬المخفي‭ ‬تحت‭ ‬تطبقات‭ ‬بيئته‭ ‬وتجاربه‭ ‬واختباراته،‭ ‬وربما‭ ‬أبلغ‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التشابه‭ ‬المثل‭ ‬الشعبي‭ ‬‭”‬يلعب‭ ‬بالبيضة‭ ‬والحجر‭” ‬هو‭ ‬اتقان‭ ‬التخفي،‭ ‬والمراوغة‭ ‬الخطرة‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يعلنه‭ ‬وما‭ ‬يخفيه‭ ‬لتحقيق‭ ‬مآربه‭ ‬الذاتي‭.‬

‭ ‬هي‭ ‬صغيرة‭ ‬الحجم،‭ ‬ولكنها‭ ‬كالحكمة‭ ‬ببضعة‭ ‬حروف‭ ‬متعاشقة‭ ‬تختزل‭ ‬حكايات‭ ‬كتبت‭ ‬على‭ ‬رزنامة‭ ‬الزمن‭… ‬تفتح‭ ‬أبواب‭ ‬الوجدان‭ ‬لفخامة‭ ‬التواضع،‭ ‬فكل‭ ‬عظيم‭ ‬وكبير‭ ‬الشأن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬يبدأ‭ ‬صغير‭… ‬فالأعمال‭ ‬العظيمة‭ ‬والابداعات‭ ‬القيّمة‭ ‬تبدأ‭ ‬بنواة‭ ‬صغيرة‭ ‬تحمل‭ ‬فيها‭ ‬مكتنفات‭ ‬غنية‭ ‬بالحب،‭ ‬وشغف‭ ‬للعطاء‭ ‬لخلق‭ ‬عالم‭ ‬يقارب‭ ‬إلى‭ ‬حدٍ‭ ‬ما‭ ‬خيال‭ ‬الإنسان‭ ‬وطموحه‭.‬

كل‭ ‬عمل‭ ‬يُخرج‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬قوقعة‭ ‬الأنا‭ ‬ليجد‭ ‬ذاته‭ ‬في‭ ‬المنفعة‭ ‬المتبادلة‭ ‬مع‭ ‬الأخر،‭ ‬وكل‭ ‬فكر‭ ‬يكسر‭ ‬تكلسات‭ ‬الجهل‭ ‬وظلامية‭ ‬العدم،‭ ‬لينثر‭ ‬كلمته‭ ‬شرانق‭ ‬فرح،‭ ‬كرات‭ ‬ضياء،‭ ‬براعم‭ ‬سلام،‭ ‬فيكتب‭ ‬فصول‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬لهذا‭ ‬الكون‭ ‬الجميل‭ ‬بكل‭ ‬كائناته‭ ‬وتفاصيله‭ ‬المحيّرة،‭ ‬يكون‭ ‬مثل‭ ‬نداء‭ ‬الحياة‭ ‬عند‭ ‬انهيار‭ ‬قشرة‭ ‬البيضة‭ ‬تحت‭ ‬أول‭ ‬نقرة‭ ‬حب‭ ‬للنور‭ ‬وحريته‭.‬

بشكلها‭ ‬البيضاوي‭ ‬الخالي‭ ‬من‭ ‬تقاطعات‭ ‬بداية‭ ‬ونهاية‭ ‬لحدودها،‭ ‬يرمز‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬اللانهاية،‭ ‬قشرتها‭ ‬تمثل‭ ‬الموت،‭ ‬الفالق‭ ‬بين‭ ‬حياة‭ ‬مقيدة‭ ‬إلى‭ ‬بندول‭ ‬الزمن‭ ‬وحياة‭ ‬اللا‭ ‬زمن،‭ ‬لذلك‭ ‬أصبحت‭ ‬رمزا‭ ‬للقيامة‭ ‬وبداية‭ ‬حياة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الديانة‭ ‬المسيحية،‭ ‬وأيضا‭ ‬في‭ ‬الديانات‭ ‬والعقائد‭ ‬القديمة،‭ ‬فقدماء‭ ‬المصريون‭ ‬اعتقدوا‭ ‬أن‭ ‬إله‭ ‬الشمس‭ ‬انبعث‭ ‬من‭ ‬بيضة،‭ ‬وفي‭ ‬الزرداشتية‭ ‬البيضة‭ ‬تمثل‭ ‬الكون،‭ ‬والإله‭ ‬براهما‭ ‬ولد‭ ‬من‭ ‬بيضة‭ ‬في‭ ‬الكتب‭ ‬الفيدية‭ ‬المقدسة‭ ‬للديانة‭ ‬الهندوسية‭… ‬

فليس‭ ‬المهم‭ ‬من‭ ‬وُجد‭ ‬قبلا‭ ‬الدجاجة‭ ‬أم‭ ‬البيضة،‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬وجدت‭ ‬ليعيشها‭ ‬الإنسان‭ ‬بشغف‭ ‬الباحث‭ ‬وبإثارة‭ ‬المغامر،‭ ‬بشفافية‭ ‬الفنان‭ ‬وبصيرة‭ ‬المؤلف،‭ ‬بتأمل‭ ‬المتصوف‭ ‬وحكمة‭ ‬الفيلسوف،‭ ‬أن‭ ‬يعيشها‭ ‬بإصرار‭ ‬خيوط‭ ‬الشمس‭ ‬لقهر‭ ‬برودة‭ ‬البيوت‭ ‬المنسية،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬ثقب‭ ‬حفرته‭ ‬قطرات‭ ‬المطر‭ ‬على‭ ‬جدرانها‭… ‬فلتتقارب‭ ‬الصورة‭ ‬ولتتشابه‭ ‬بين‭ ‬انسان‭ ‬خصب‭ ‬العطاء‭ ‬الإنساني‭ ‬والحضاري،‭ ‬دافعه‭ ‬الحب‭ ‬لذاته‭ ‬المخبئ‭ ‬من‭ ‬ميراث‭ ‬العصور،‭ ‬ولكون‭ ‬يستوعب‭ ‬هذا‭ ‬الحب‭ ‬بكرم،‭ ‬وبين‭ ‬البيضة‭ ‬الخصبة‭ ‬تُخلق‭ ‬حياة‭ ‬من‭ ‬حياة،‭ ‬لا‭ ‬كبيضة‭ ‬عقيمة‭ ‬تمنح‭ ‬الحياة‭ ‬لمرة‭ ‬واحدة‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى