(قصة قصيرة( - وقف.نظر.رأى أمامه سلما يمتد متلويا الى حيث لم تستطع عيناه أن تريا له نهاية. تلمـــس الجـــدران المحيطـــة به؛ ثم راح يصعد درجـــات الســـــلــم...درجـــة ..اثنتـــان...ثلاث..عشــر درجــات...عشــــرون...مـــــائـــة..عندما نسى الرقم الذى وصل اليه، راح يصعد دون أن يهتــم بعدها. أراد أن يسلى نفسه. فكر أن يغنى. لم يجد صوته. تحسس درجات السلم الخشبية المتآكلــة؛ والتــى كانت تئـــن وتئـز تحت قـــدميـــه، وواصـــل الصعود بحرص وحذر. تشبـــث بالحاجز الحديـــدى للسلم بكل قوته.حدّق فى الظلام الـــذى أحاط به فجأة؛ ليرى ما حوله؛ وليعــــرف أيـــن هـــو؟!. عجـــز عـــن رؤيـــة أى شىء. فى الظلام تصبح كل الأشياء كتلة ســـوداء لا معـــالـــم ولا حـــدود لهـــا أيضا ... عاود صعود السلم الحلزونى الممتـــد الى ما لا نهايـــة.أخذ السلم يضيق عليه شيئا فشيئا. لم يستطع معرفة فى أى طابق هو. مــلأ المكان فجـــأة بصيــص خافت ومرتعــش من ضــــوء أحمر. ســاعده الضــــوء على رؤية باب مغلق.ضرب الباب بيديه؛ ثم بقدميه؛ ثم برأسه وكل جسمه بعد ذلك. لم ينفتح الباب، ولم يستجب أحد لخبطاته القوية والمتوالية على البــــــاب. أحـس بالتعب والرغبة فى الوقوع على الأرض.فى نفــــس اللحظــــة ســـمع صوتــــــا واهنا من وراء الباب المغلق: من يطرق الباب؟! أنـــــــــــــــا... من أنـــت؟! لن تعرفنى...افتح..أرجوك.. افتح... لا يمكننى فتح الباب.... لمــــــــــاذا؟! لأنه مغلق كما ترى... والمفتـاح؟! كل المفاتيح التى كان يمكن أن تفتح هذا الباب ضاعـــت...كلهـــا..ضـــاعـــت... هل تخبرنى فى أى طابق نحن؟! انتظركثيرا ولم يســـمع ردا. ســـاد المكـــان صمت مطبق. خيـــّل اليـــه أن مخلـــوقـــات متـــوحشـــة وغيرمرئية تحيط به.أحس بالرهبة تكاد أن توقف قلبه. أراد أن يبكى. اكتشف أن دموع عينيه قد جفت فى مآقيه تماما. حاول أن يصرخ.فوجىء بصراخه وقد تحول الى نباح لا يقوى على مغـــادرة حنجرته. سعل. فكر فى اشعال عود ثقاب يحرق به هذه الكتلة من الظلام الدامس الذى يكاد يبتلعه. مد يده الى جيب سرواله بحثا عن علبة الثقاب، فلم يجد لنفسه سروالا ولا جيبا. لمس فخذه بأصابعه.شعر بفخذه باردا كــالـثــلــج. تســلل الخــوف اليه مـــن تحــت ملابســــه ووصل الى قلبه. أحس بتعب شديد، فتمنى أن يستريح ولو بالموت ... قــــاوم تعبـــــه وخــوفـــــه ومشاعره الممزقة كلها، وتخلص من احباطه ويأسه وراح يواصل الصعود. زاد ثقل الحقيبة التى كان يحملها على ظهره.خيّل اليه أن العالم كله بداخلها. تنبه للساعة التى بيده اليسرى. حدّق فيها، فرأى بهـــا عقـــربـــا واحـــدا يـــدور بسرعة كبيرة. حملق فى الســاعة فلم يربها أية أرقام. فك سوارها المعدنى البـــــارد عن معصمه، ورمى بهـــا الى أسفل السلم. وقف ســـاكنـــا، وبعد وقت طويل سمع صوت ارتطامها المكتوم بالأرض. عندمـــا حســـب الوقـــت بيـــــن رمى الساعة وسماع صوت ارتطامها، عرف أنه قد صعـــد جـــزءا كـــبـــيـــرا مـــن الســــــلم ... أحكـــم ربط الحقيبة الثقيلة على ظهره. أمسـك بالحاجز الحديدى للسلم بكلتا يـــديــه وبكل مـــا بقى فيه من قوة. راح يصعد السلم الحلزونى الضيق والمظلم، والذى لا يـــرى نهايتـــه، بكل عزم واصرار. قال لنفســـه: لابـد أن أصـــل الى نهـــايـــة هذا السلم الغامـــض والعجيب لكـــى يخـــفـــف عـــن نفســــــه،ويضـــاعـــف مــــــن عزيمته، راح يـــدنـــدن مـــرددا بنغمـــة متكررة: حتما ولا بـــد ... حتما ولا بد...حتما...ولا...بد...