فادى يوسف

رسالة إلى عـزيـزى بابا نويل

بقلم/ فادى يوسف

السيد‭ ‬بابا‭ ‬نويل‭ ‬المحترم‭ ‬

تحية‭ ‬طيبة‭ ‬وبعد،،‭ ‬

كنت‭ ‬صغيراً‭ ‬عندما‭ ‬سمعت‭ ‬بك‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬أخبروني‭ ‬أنك‭ ‬تدخل‭ ‬البيوت‭ ‬من‭ ‬مداخنها‭ ‬حاملاً‭ ‬كيس‭ ‬ألعاب‭ ‬فتمنيت‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬قلبي‭ ‬أن‭ ‬ألتقيك‭ ‬وبالفعل‭ ‬انتظرتك‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬أن‭ ‬تهبط‭ ‬علي‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬بيتنا‭ ‬ليس‭ ‬فيه‭ ‬مدخنة‭! ‬حتى‭ ‬أني‭ ‬لم‭ ‬أنتبه‭ ‬أن‭ ‬سطح‭ ‬البيت‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬لتركن‭ ‬عليه‭ ‬عربتك‭ ‬وغزلانك‭ ‬ولكنك‭ ‬لم‭ ‬تاتى‭ ‬فاعتقدت‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬منعك‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬اللوجستية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتوفر‭ ‬لدينا فقررت‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬إليك‭ ‬رسالتي‭ ‬هذه‭ ‬عشية‭ ‬احتفال‭ ‬العالم‭ ‬بأعياد‭ ‬الكريسماس‭ ‬ورأس‭ ‬السنة‭ ‬وأستحلفك‭ ‬بالله‭ ‬وبلحيتك‭ ‬البيضاء‭ ‬الناصعة‭ ‬أن‭ ‬تقرأ‭ ‬رسالتي‭ ‬إلى‭ ‬الآخر‭ ‬وأنا‭ ‬مدرك‭ ‬تماما‭ ‬إنك‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬مشغول‭ ‬جدا‭ ‬بتجهيز‭ ‬عربتك‭ ‬وتنزين‭ ‬الهدايا‭ ‬وتسمين‭ ‬الغزلان.‭ ‬

ولكن‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬لأن‭ ‬بها‭ ‬كلاما‭ ‬هاما‭ ‬جدا‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬سواك‭ ‬ويحقق‭ ‬أمنياتنا‭ ‬لذلك‭ ‬سأحاول‭ ‬أن‭ ‬أختصر‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يضيع‭ ‬وقتك‭ ‬سدى‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬وقتا‭ ‬فأرجو‭ ‬تأجيل‭ ‬قراءتها‭ ‬إلى‭ ‬العام‭ ‬المقبل‭ ‬–‭ ‬كالعادة‭ – ‬لأننا‭ ‬أعتدنا‭ ‬أن‭ ‬نؤجل‭ ‬أحلامنا‭ ‬وأفراحنا‭ ‬عاما‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ !!‬

عزيزى‭ ‬بابا‭ ‬نويل‭ ‬نحن‭ ‬هنا‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬نعيش‭ ‬ولكننا‭ ‬لسنا‭ ‬فى‭ ‬مكان‭ ‬واحد‭ ‬فبعضنا‭ ‬هناك‭ ‬فى‭ ‬أقصى‭ ‬الشمال‭ ‬يعيش‭ ‬فى‭ ‬برد‭ ‬وتجمد‭ ‬شديد‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬بأن‭ ‬البرد‭ ‬والجوع‭ ‬موجعان‭ ‬يا‭ ‬بابا‭ ‬نويل‭ ‬لقد‭ ‬شاهدنا‭ ‬في‭ ‬نشرات‭ ‬الأخبار‭ ‬أطفالاً‭ ‬يموتون‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خبز‭ ‬وينهش‭ ‬جلدهم‭ ‬البرد‭ ‬هل‭ ‬بإمكاننا‭ ‬أن‭ ‬نطلب‭ ‬منك‭ ‬الأغطية‭ ‬وعلب‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والمدافئ‭ ‬والحليب‭ ‬الساخن‭ ‬لهم؟‭ ‬هل‭ ‬بإمكانك‭ ‬أن‭ ‬تحضر‭ ‬لهم‭ ‬مدفأة‭ ‬صغيرة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬النار‭ ‬التي‭ ‬تحرقهم‭ ‬كلما‭ ‬أشعلوا‭ ‬خشباً‭ ‬داخل‭ ‬خيمة؟‭ ‬الناس‭ ‬تطفئ‭ ‬المداخن‭ ‬كي‭ ‬تتسلّل‭ ‬أنت‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬الميلاد‭ ‬لذلك‭ ‬اعمل‭ ‬على‭ ‬تأمين‭ ‬مدافئ‭ ‬آمنة‭ ‬لهم‭ ‬الأطفال‭ ‬يعيشون‭ ‬بلا‭ ‬ألعاب‭ ‬لكنهم‭ ‬لا‭ ‬يعيشون‭ ‬بلا‭ ‬دفء‭ ‬وبلا‭ ‬حليب‭. ‬وأنت‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬تعلم‭ ‬ذلك.

وهناك‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬فى‭ ‬أقصى‭ ‬الشرق‭ ‬حيث‭ ‬الحروب‭ ‬والإرهاب‭ ‬يسودان‭ ‬المنطقة‭ ‬وهناك‭ ‬أطفال‭ ‬تموت‭ ‬من‭ ‬قذيفة‭ ‬عشوائية‭ ‬وأخرون‭ ‬يختنقون‭ ‬من‭ ‬غازات‭ ‬سامة‭ ‬وأضاعفهم‭ ‬تتحلل‭ ‬أجسامهم‭ ‬الضئيلة‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أخر‭ ‬عام‭ ‬أستطعت‭ ‬أن‭ ‬تزورهم‭ ‬فى‭ ‬أمان‭ ‬وهل‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تكرر‭ ‬زيارتهم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أم‭ ‬سينتظرونك‭ ‬دون‭ ‬أمل‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تجلب‭ ‬لهم‭ ‬السلام‭ ‬معك‭ ‬وتزيح‭ ‬الإرهاب‭ ‬من‭ ‬بلدانهم‭ ‬بمركبتك‭ ‬المزينة‭ ‬بالاضواء‭ ‬والغزلان‭ ‬أم‭ ‬ممنوع‭ ‬عنك‭ ‬دخول‭ ‬الشرق‭ !! ‬أعمل‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬السلاح‭ ‬وأهدم‭ ‬كل‭ ‬القنابل‭ ‬وأوقف‭ ‬تلك‭ ‬التخطيطات‭ ‬لهدم‭ ‬منازلنا‭ ‬فالوضع‭ ‬كارثى‭ ‬وأنت‭ ‬تعلم‭ ‬ذلك.‭ ‬

أما‭ ‬عن‭ ‬الجنوب‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يحلم‭ ‬بمجيئك‭ ‬محمل‭ ‬بهدايا‭ ‬عديدة‭ ‬لم‭ ‬يراها‭ ‬أحد‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬فهناك‭ ‬يا‭ ‬سانتا‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬صحراء‭ ‬وجفاف‭ ‬وأصبح‭ ‬الأطفال‭ ‬يتمنون‭ ‬منك‭ ‬أن‭ ‬تاتى‭ ‬لكى‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬حقيبتك‭ ‬الحمراء‭ ‬قطرة‭ ‬ماء‭ ‬تروى‭ ‬عطشهم‭ ‬وتبلل‭ ‬شفاههم‭ ‬التى‭ ‬تشققت‭ ‬من‭ ‬الجفاف‭ ‬هل‭ ‬تعلم‭ ‬سوف‭ ‬يبتهجون‭ ‬لمجرد‭ ‬النظر‭ ‬إليك‭ ‬فمن‭ ‬النادر‭ ‬أن‭ ‬يشاهدوا‭ ‬شخص‭ ‬بملابس‭ ‬وهم‭ ‬قد‭ ‬اعتادوا‭ ‬على‭ ‬العراء‭ ‬وقله‭ ‬الكساء‭ ‬وسيفرحون‭ ‬أشد‭ ‬الفرح‭ ‬عندما‭ ‬تبتسم‭ ‬لهم‭ ‬فهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬شكل‭ ‬الابتسامة‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬بعيد‭ ‬فاعمل‭ ‬على‭ ‬سعادتهم‭ ‬وأسعى‭ ‬أن‭ ‬تهتم‭ ‬باجسامهم‭ ‬التى‭ ‬نحلت‭ ‬ووزع‭ ‬عليهم‭ ‬ماء‭ ‬نظيف‭ ‬بلا‭ ‬طعم‭ ‬أو‭ ‬راحة‭ ‬أو‭ ‬لون‭ ‬وحاول‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬معهم‭ ‬فترة‭ ‬فهم‭ ‬بلا‭ ‬صديق‭ ‬وانت‭ ‬تعلم‭ ‬ذلك.‭ ‬

وأختتم‭ ‬رحلتك‭ ‬بالغرب‭ ‬فهناك‭ ‬ستستريح‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬ما‭ ‬شاهدته‭ ‬وستهدأ‭ ‬روحك‭ ‬قليلا‭ ‬فى‭ ‬مكان‭ ‬بلا‭ ‬حروب‭ ‬أو‭ ‬نزاعات‭ ‬بلا‭ ‬فقر‭ ‬أو‭ ‬جوع‭ ‬بلا‭ ‬برد‭ ‬قارص‭ ‬وعدم‭ ‬تدفئه‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬هولاء‭ ‬الاطفال‭ ‬الذين‭ ‬بلا‭ ‬منازل‭ ‬المشتتين‭ ‬بين‭ ‬الطرقات‭ ‬وتذكر‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬الأيتام‭ ‬والذين‭ ‬بلا‭ ‬أهل‭ ‬أو‭ ‬عائل‭ ‬فهم‭ ‬فى‭ ‬أشد‭ ‬الاحتياج‭ ‬إلى‭ ‬حضنك‭ ‬وأهتمامك‭ ‬ولو‭ ‬مرة‭ ‬بالعام‭ ‬وأطرق‭ ‬أبواب‭ ‬منازل‭ ‬أنشق‭ ‬سكانها‭ ‬على‭ ‬بعضهم‭ ‬وأجمعهم‭ ‬فى‭ ‬حضورك‭ ‬بمحبة‭ ‬وود‭ ‬وأعد‭ ‬إلى‭ ‬مسامع‭ ‬الجدران‭ ‬ضحكات‭ ‬قد‭ ‬رحلت‭ ‬هزاتها‭ ‬من‭ ‬قديم‭ ‬الزمان‭ ‬وأما‭ ‬عن‭ ‬المدمنون‭ ‬والسكارى‭ ‬فلا‭ ‬تتجاهلهم‭ ‬فربما‭ ‬لم‭ ‬يفتقدهم‭ ‬أحد‭ ‬منذ‭ ‬زمان‭ ‬بعيد‭ ‬وأصبحوا‭ ‬منبوذين‭ ‬عن‭ ‬الجميع‭ ‬فأرسل‭ ‬لهم‭ ‬هداياك‭ ‬المبهرة‭ ‬لكى‭ ‬يقتنوها‭ ‬ويتركوا‭ ‬ما‭ ‬أدمنوا‭ ‬لسنوات‭ ‬فكل‭ ‬شخص‭ ‬منهم‭ ‬يحتاج‭ ‬إليك‭ ‬وانت‭ ‬تعلم‭ ‬ذلك.‭ ‬

سامحنى‭ ‬يا‭ ‬عزيزى‭ ‬بابا‭ ‬نويل‭ ‬أنى‭ ‬أتفهم‭ ‬كم‭ ‬الغضب‭ ‬الذي‭ ‬أنت‭ ‬فيه‭ ‬الآن‭ ‬وأنت‭ ‬تقرأ‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬وأعلم‭ ‬جيداً‭ ‬أنك‭ ‬لا‭ ‬ترضى‭ ‬بهذا‭ ‬الأمر‭ ‬لكني‭ ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬الأخبار‭ ‬لا‭ ‬تصلك‭ ‬كاملةً‭ ‬حيث‭ ‬تعيش‮ ‬‭ ‬حياة‭ ‬هادئة‭ ‬بسيطة‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬صخب‭ ‬الدنيا‭ ‬وصراعها‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬لياقتك‭ ‬فوزنك‭ ‬قد‭ ‬زاد‭ ‬مؤخرا‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬وأصبحت‭ ‬ثقيل‭ ‬الحركة‭ ‬عن‭ ‬قبل‭ ‬فحاول‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬الحلوى‭ ‬قليلا‭ ‬وأن‭ ‬تمارس‭ ‬الرياضة‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تجلس‭ ‬فترة‭ ‬فى‭ ‬أفريقيا‭ !!‬

عزيزي‭ ‬بابا‭ ‬نويل‭..‬

أعلم‭ ‬أنني‭ ‬أطلت‭ ‬عليك‭ ‬ولا‭ ‬وقت‭ ‬كثيراً‭ ‬لديك‭ ‬لقراءة‭ ‬رسائل‭ ‬أخرى‭ ‬منى‭ ‬فهذه‭ ‬الساعات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تحتاجها‭ ‬لتحضيراتك‭ ‬وهداياك‭ ‬وملابسك.

ورغم‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬فإنى‭ ‬لم‭ ‬أترد‭ ‬لحظة‭ ‬واحدة‭ ‬فى‭ ‬كتابة‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬إليك‭ ‬لعلمى‭ ‬أنك‭ ‬ستقدر‭ ‬مدى‭ ‬حاجتنا‭ ‬إلى‭ ‬المساعدة‭ ‬فى‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬فسامحنى‭ ‬أن‭ ‬أرسلت‭ ‬لك‭ ‬تلك‭ ‬الرسالة‭ ‬ولكن‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إليك‭ ‬وأن‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬فربما‭ ‬بسبب‭ ‬حرب‭ ‬جديدة‭ ‬أندلعت‭ ‬أو‭ ‬عاصفة‭ ‬قوية‭ ‬هبت‭ ‬أو‭ ‬جوع‭ ‬شديد‭ ‬جعل‭ ‬ساعى‭ ‬البريد‭ ‬ياكل‭ ‬أوراقها‭ ‬أو‭ ‬ريما‭ ‬أنى‭ ‬لم‭ ‬أكتبها‭ ‬ولكنها‭ ‬ستصلك‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬أخر‭ ‬غيرى‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬وكل‭ ‬عام.‭ ‬

فى‭ ‬الختام‭ ‬لك‭ ‬منى‭ ‬التحية‭ ‬والاحترام‭ ‬يا‭ ‬عزيزى‭ ‬بابا‭ ‬نويل‭ ‬وأتمنى‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬أن‭ ‬تأتى‭ ‬لي‭ ‬وفى‭ ‬جعبتك‭ ‬وطن‮. ‬

أمضاء‭ ‬أنسان‭ …‬‮ ‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى