أزمة البشرية التعصب الاعمى والتطرف المفرط ومن أهم مشاكل كثير من الناس أنهم يسجنون عقولهم في دوائر ضيقة من المعرفة والاهتمامات والمعلومات لا يرون ما وراءها من حقائق ومعارف ربما لو عرفوها لتغيرت مسارات حياتهم وعقلياتهم. إن التطرف والتعصب ظاهرة اجتماعية ونتيجة طبيعية وتكون في الغالب رد فعل لأسباب عرقية ودينية ومذهبية وجنسية ولون البشرة واقتصادية وثقافية أخرى تدعو لها وتبشر بها فلسفات ونظريات فكرية وايديولوجيات متطرفة وتأتي أحياناً هذه الظاهرة نتيجة لقصر النظر وللفهم الساذج والسطحي للمعتقدات التي يدعو إليها من يمارسون التطرف والتعصب بكل أشكاله . ظاهرة التطرف والتعصب تولدها الظروف المحيطة وتنميها الظروف الاجتماعية للأفراد الذين يروجون لظاهرة التطرف والتعصب ويمارسونها على أرض الواقع والذين هم أيضاً من نتاج التحولات والتغيرات التي تحصل في المجتمع التي تؤدي الى رفض وعدم قبول الآخر والتعايش معه بسلام متساوين في الحقوق والواجبات على أساس الأنتماء الإنساني. إن ظاهرة التطرف كظاهرة التعصب وليدة أسباب داخلية وعوامل ترجع إلى تربية خاطئة وتعليم آحادي منغلق لا ينمي العقلية النقدية ولا ينفتح على الثقافات الإنسانية وخطاب ديني لا هم له إلا تصوير العالم متأمرا علينا وإعلام محرض على الآخر يزرع الكراهية في نفوس وعقول الناشئة وسياسات غير رشيدة تفرق بين المواطنين ولا تعمل على ترسيخ سياسة المواطنة لجميع مكونات المجتمع على قدم المساواة. ومن أنواع سجون العقل التطرف والتعصب، لأي فكر أو دين أو عقيدة سياسية لأن التعصب يجعل الإنسان أعمى يبحث عن تبريرات لأي حقيقة مهما كانت مخالفة للمصالح الإنسانية والعقل والعدل والتقليد والاتباع للاخرين في تصرفاتهم التدخين- شرب الخمر- الإسراف- الديون- التفاخر والعنصرية لجماعة أو طائفة أو عرق وهي تلبس ثوب الوطنية أحياناً وتلبس ثوب الدين أحياناً حتى تعطي لنفسها شرعية وتبريراً لممارسة العنصرية والتسلط والعنف والإقصاء والاضطهاد ويتفرع من التعصب الديني نوع من سجون العقل هو احتقار العقل والتفكير والمنطق والبحث عن الحقيقة واحتقار حضارات وأديان وثقافات وانجازات الشعوب الأخرى والتقليل من شأنها وقوتها وأثرها وفضلها على العالم. وعلى المتعصب نفسه الذي يعيش عالة على منتجات الحضارات الأخرى من أدوية وسيارات وأجهزة ونظم ووسائل اتصال وعلوم وبعض الناس يسجنون أنفسهم في شعارات لا يحاولون مناقشتها علمياً مثل أن أهل الغرب يملكون وحدهم حل مشاكل العالم وان الحضارة المصرية القديمة وحدها في العالم صاحبة الفضل على سكان الأرض وان العرب وحدهم في الكون أهل العدل والأخلاق وانكار واخفاء دور الحضارات الأخرى وإيجابياتها وتضخيم سلبياتها . هذه الشعارات مع المبالغة فيها خلقت أجيالاً من الشباب المتطرف الذي لا يعرف الحقائق ولم يسمح له بمعرفتها لأنه عاش في سجن فكري صنعه المنتفعون والمتاجرون بالدين ومن صور سجن العقل الغرق في التفاصيل ونسيان الحقائق الكبرى الكلية مثلا أن الأديان هدفها إقامة العدل ونشر مكارم الأخلاق وتفسير النصوص وانتقائها حسب ما يتوافق مع رغبات العنف والعنصرية والرغبة في الإرهاب والتسلط والإقصاء. فالتعصب والتطرف ممارسة أو خطاباً قائماً على الوهم أو الكذب بالشر فليس الإيمان بالفكرة هو الشر فلكل إنسان الحق بأن يعتقد بما يشاء ويؤمن بما يشاء ولكن تحويل الفكرة والاعتقاد إلى تعصب يحمل الفرد والجماعة على فرضها بالقوة هو الشر بحد ذاته أو أن تتحول الفكرة أو الاعتقاد أو الإيمان إلى معايير أقيس عليها حق الإنسان الآخر المختلف في الحياة فذلك هو ما يحول هذا المعيار إلى أداة سلب الحياة من الآخر المختلف. وعقلية النقل وتقديس النصوص دون تفكير حر ومناقشة لأقوال أصحاب الآراء ومحاولة البحث عن الحقائق والآراء الأخرى تقود الانسان إلى زنزانة فكرية وخلق الأساطير حول الماضي وتضخيم أدوار الأموات واختلاق القصص عن معجزات وكرامات لا يؤيدها العقل والعلم تبهر الشباب وتجعل فكرهم وعقولهم منقادة أوتوماتيكيا لتقديس القبور والأموات والماضي لأن نصف الحقيقة محجوب عنهم فهم لا يعرفون اخطاء هؤلاء الأبطال الأسطوريين حتى وصلنا إلى عبادة وتأليه بعض منهم وتحولت المذاهب إلى أديان وهناك تجهيل متعمد للناس بحيث لا يعرفون الحقائق والآراء الأخرى حتى تبقى فئات من الناس تحت سيطرة الإرهابيين والمتطرفين وأصحاب المصالح في الزعامة والمال والوجاهة والسياسة فالتعصب دين المجرمين عبدة القوة الهمجية وطقوسهم فنون قتل وأيديولوجيتهم الجهل المقدس والظلام التعصب القاتل دين مستقل بذاته. إذا سلبت إنساناً إمكانية الوصول إلى المعلومات ونعمة العقل يصبح آلة تقودها وتستغلها وتدمر صاحبها وهو مسرور ومتحمس لتدمير نفسه في سبيل هدف يرى جزءاً صغيراً من الحقائق عنه وربما تكون معلومات مزيفة. بعض الناس يسجن عقله في أهداف صغيرة في الحياة مثل تشجيع الكرة أو جمع المال أو الصراع مع الآخرين وفي الحياة أهداف أجمل وأعظم هي المعرفة وعمل الخير ومحبة المساكين والتعلم والهوايات والمهارات والحرف ورؤية الطبيعة الجبال الأشجار الطيور الفراشات النجوم والبحار ومن المسالك التي تقود الإنسان إلى سجن العقل التربية الخاطئة من أسرة جاهلة منغلقة أو معلم من ضحايا التعصب الديني أو العنصري وسرعة التصديق والانقياد والتقليد دون محاولة البحث عن الحقائق وسذاجة بعض الناس ومستوى الذكاء الذي لا يجعله يحاول البحث عن المعرفة ويتقبل ما يقال له فوراً. والمفاتيح للخروج من سجون العقل هي القراءة في مختلف العلوم وعن مختلف الحضارات والأديان والعقائد والثقافات والبلدان والشعوب وقراءة الموسوعات العالمية ومعرفة اللغات والسفر بقصد المعرفة والبحث عن الحقيقة في كل أمر والتفكير بأسلوب علمي منطقي وربط الأسباب بالمسببات والنظرة الشاملة للكون والحضارات والإنسانية واحترام الشعوب وحضاراتها ودورها وأثرها في حياة الإنسان الحالية والموازنة بين إيجابياتها وسلبياتها وزرع الرغبة في البحث عن الحقائق والرغبة في التعلم من الآخرين والتخلص من الغرور والاستعلاء وأوهام التفوق لأن ذلك سجن عقلي لا فكاك منه ولا إفراج فالغرور يفصل الإنسان عن الحقيقة والواقع والحياة. وختاماً التطرف عرض لمرض وإذا كنا جادين في معالجة التطرف والتعصب علينا تجفيف منابعه الأولى وقطع جذوره الغائرة في التربة المجتمعية فالتطرف والتعصب أساسهم عقيدة تدفع صاحبها إلى اعتقاد تملك الحقيقة المطلقة وبأن الآخرين على باطل وهذا أساس المرض.