فادى يوسف

بالسـلام نحـيـا

بقلم/ فادى يوسف

منذ‭ ‬بدء‭ ‬الخليقة‭ ‬وقد‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬الكون‭ ‬وخلق‭ ‬الانسان‭ ‬ليعمر‭ ‬ويبني‭ ‬فيه‭ ‬فمنذ‭ ‬بداية‭ ‬الحياة‭ ‬كان‭ ‬السلام‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يعم‭ ‬العالم‭ ‬باكمله‭ ‬وينتشر‭ ‬فيه‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬مكان‭ ‬للحروب‭ ‬والدمار‭ ‬والتخريب‭ ‬فالسلام‭ ‬هو‭ ‬فطرة‭ ‬الله‭ ‬التي‭ ‬خلق‭ ‬عليها‭ ‬الانسان‭ ‬والتي‭ ‬تساعد‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬برخاء‭ ‬وراحة‭ ‬وسكينة‭ ‬ويعطي‭ ‬الفرصة‭ ‬الكاملة‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬البناء‭ ‬والاصلاح‭ ‬والتعمير‭.‬

الحب‭ ‬والسلام‭ ‬والتسامح‭ ‬هي‭ ‬ألفاظ‭ ‬جميلة‭ ‬وسهلة‭ ‬في‭ ‬النطق‭ ‬نستعملها‭ ‬يومياً‭ ‬تقريباً‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬وننصح‭ ‬غيرنا‭ ‬بالالتزام‭ ‬بها‭ ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬يخفي‭ ‬شيئا‭ ‬آخر‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬أشياء‭ ‬أخرى‭ ‬فالواقع‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬حاليا‭ ‬لا‭ ‬يمت‭ ‬باي‭ ‬صلة‭ ‬لهذه‭ ‬المبادئ‭ ‬والقيم‭ ‬السامية‭ ‬الا‭ ‬ما‭ ‬رحمهم‭ ‬ربي‭ ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬اليوم‭ ‬فقدوا‭ ‬انسانيتهم‭ ‬و‭ ‬قيمهم‭ ‬العليا‭ ‬واتبعوا‭ ‬رغباتهم‭ ‬المادية‭ ‬والمعنوية‭ ‬وركزوا‭ ‬أهدافهم‭ ‬على‭ ‬مصالحهم‭ ‬الشخصية‭ ‬وأصبحت‭ ‬الأنانية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تسيرهم‭ ‬وتطبع‭ ‬تصرفاتهم.

ومع‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الديانات‭ ‬تنادي‭ ‬بالحب‭ ‬و‭ ‬السلام‭ ‬والتسامح‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬فقدوا‭ ‬طريقهم‭ ‬الصحيح‭ ‬للحياة‭ ‬و‭ ‬بذلك‭ ‬فقدوا‭ ‬مفاهيمها‭ ‬واختاروا‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬يحكمه‭ ‬المال‭ ‬والجاه‭ ‬والسلطة‭ ‬وأشياء‭ ‬أخرى‭ ‬فالطبيعة‭ ‬البشرية‭ ‬تبدلت‭ ‬واعتراها‭ ‬الغرور‭ ‬والنفاق‭ ‬فكل‭ ‬شخص‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يحكم‭ ‬الآخر‭ ‬ويفرض‭ ‬عليه‭ ‬أفكاره‭ ‬وقناعاته‭ ‬مما‭ ‬ولد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكراهية‭ ‬والحقد‭ ‬والتمييز‭ ‬العنصري‭ ‬وكنتيجة‭ ‬لكل‭ ‬ذلك‭ ‬أصبح‭ ‬الإرهاب‭ ‬واقع‭ ‬نعيشه‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬ونشهد‭ ‬على‭ ‬ضحاياه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بقاع‭ ‬العالم‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الابادات‭ ‬الجماعية‭ ‬للأقليات‭ ‬والحروب‭ ‬الأهلية‭ ‬والخلايا‭ ‬الإرهابية‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬والتي‭ ‬تزداد‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم.

لقد‭ ‬فقد‭ ‬البشر‭ ‬احساسهم‭ ‬ببعض‭ ‬كما‭ ‬فقدوا‭ ‬ادميتهم‭ ‬وأصبحوا‭ ‬مثل‭ ‬الوحوش‭ ‬وقد‭ ‬سقط‭ ‬الإنسان‭ ‬بعيدا‭ ‬جدا‭ ‬تحت‭ ‬طائلة‭ ‬الاستعباد‭ ‬للقوة‭ ‬والسلطة‭ ‬والمال‭ ‬ونسي‭ ‬سبب‭ ‬وجوده‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬فالعالم‭ ‬حاليا‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬المحبة‭ ‬والأخوة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬جعلت‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬إنسانيته‭ ‬فهو‭ ‬يعيش‭ ‬لنفسه‭ ‬أو‭ ‬يعيش‭ ‬الناس‭ ‬له‭ ‬وكلما‭ ‬ابتعد‭ ‬البشر‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الله‭ ‬والإيمان‭ ‬تنامت‭ ‬الكراهية‭ ‬والعداوة‭ ‬بينهم‭ ‬لأن‭ ‬مصالحهم‭ ‬تتضارب‭ ‬إن‭ ‬للبشر‭ ‬عقل‭ ‬يدرك‭ ‬و‭ ‬قلب‭ ‬يحب‭ ‬ومالم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬الاثنين‭ ‬فإن‭ ‬شخصياتهم‭ ‬تعاني‭ ‬خطرا‭ ‬وينبغي‭ ‬معالجتها‭ ‬وإعادتها‭ ‬إلى‭ ‬مكانها‭ ‬الصحيح.

ان‭ ‬كل‭ ‬الأديان‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬التعايش‭ ‬فهو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬الذي‭ ‬يبنى‭ ‬بالثقة‭ ‬والاحترام‭ ‬ويهدف‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬أرضية‭ ‬تتفق‭ ‬عليها‭ ‬الأطراف‭ ‬المختلفة‭ ‬والتفاهم‭ ‬حول‭ ‬الأهداف‭ ‬والغايات‭ ‬وكذلك‭ ‬العمل‭ ‬المشترك‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬المساس‭ ‬بالمقدسات‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬الأماكن‭ ‬المقدسة‭ ‬حيث‭ ‬يعتبر‭ ‬السلام‭ ‬هو‭ ‬الأصل‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬لذا‭ ‬يبحث‭ ‬الجميع‭ ‬عن‭ ‬الشعور‭ ‬بالسلام‭ ‬والأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬الداخلي‭ ‬والخارجي‭ ‬فتلك‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬وفي‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الدمار‭ ‬الكامل‭ ‬للشعوب.

والسلام‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬الضعف‭ ‬ولا‭ ‬التراجع‭ ‬وانما‭ ‬هو‭ ‬قوة‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬فالحاكم‭ ‬الذي‭ ‬يختار‭ ‬لوطنه‭ ‬الامن‭ ‬والامان‭ ‬والسلام‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الحروب‭ ‬وويلاتها‭ ‬انما‭ ‬هو‭ ‬الحاكم‭ ‬الصحيح‭ ‬الذي‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬استقرار‭ ‬بلاده‭ ‬وحرية‭ ‬شعبه‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬الارواح‭ ‬والممتلكات‭ ‬فهو‭ ‬بذلك‭ ‬يحفظ‭ ‬وطنه‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬الحروب‭ ‬وما‭ ‬يصاحبها‭ ‬من‭ ‬خراب‭ ‬وتدمير‭ ‬فقد‭ ‬اختار‭ ‬لشعبه‭ ‬الحياة‭ ‬والرخاء.‭ ‬

وعلى‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فان‭ ‬الحروب‭ ‬هي‭ ‬الشبح‭ ‬المظلم‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬والشعوب‭ ‬فما‭ ‬قامت‭ ‬حرب‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬الا‭ ‬ولحق‭ ‬به‭ ‬الهلاك‭ ‬والخراب‭ ‬والتدمير‭ ‬وكيف‭ ‬لا‭ ‬والحروب‭ ‬تسفك‭ ‬الدماء‭ ‬وتخرب‭ ‬وتدمر‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬بل‭ ‬تاتي‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬البلد‭ ‬فتقضي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬سبيل‭ ‬للرخاء‭ ‬والاستقرار‭ ‬ويصاحب‭ ‬الحروب‭ ‬تدمير‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والثقافة‭ ‬والفن‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬فهي‭ ‬تاتي‭ ‬بالدمار‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬اخضر‭ ‬ويابس‭ ‬ولعل‭ ‬الاثر‭ ‬الاكبر‭ ‬للحروب‭ ‬هو‭ ‬سفك‭ ‬دماء‭ ‬الابرياء‭ ‬من‭ ‬ابناء‭ ‬الشعوب‭ ‬فتزهق‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الارواح‭ ‬اثناء‭ ‬الحرب‭ ‬وما‭ ‬يبقى‭ ‬حي‭ ‬فانه‭ ‬يكون‭ ‬بين‭ ‬جريح‭ ‬ومشرد‭ ‬ومفقود‭ ‬ومهاجر‭ ‬ولاجئ‭.‬

اي‭ ‬خير‭ ‬يصاحب‭ ‬الحروب‭ ‬وتاتي‭ ‬به‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تاتي‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬التخريب‭ ‬والتدمير‭ ‬والفتن‭ ‬والتشريد‭ ‬ولذلك‭ ‬فان‭ ‬السلام‭ ‬هو‭ ‬حلم‭ ‬لكل‭ ‬الافراد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬فبه‭ ‬تحقن‭ ‬الدماء‭ ‬وتخمد‭ ‬الفتن‭ ‬وبه‭ ‬تكون‭ ‬التنمية‭ ‬ويتحقق‭ ‬الرخاء‭ ‬والاستقرار‭ ‬وبالسلام‭ ‬ينتشر‭ ‬الامن‭ ‬والامان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬فياخذ‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الكريمة‭ ‬وعند‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام‭ ‬واعطاء‭ ‬الافراد‭ ‬حقوقهم‭ ‬يتحقق‭ ‬الرخاء‭ ‬والتنمية‭ ‬وتعطى‭ ‬الفرصة‭ ‬الكاملة‭ ‬للافراد‭ ‬من‭ ‬ابناء‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬الابداع‭ ‬والابتكار‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬وطن‭ ‬قوي‭ ‬وتحقيق‭ ‬الرخاء‭ ‬والتنمية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة.

إنني‭ ‬هنا‭ ‬أوجهها‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يبارك‭ ‬جهود‭ ‬دعاة‭ ‬السلام‮ ‬‭ ‬وهي‭ ‬دعوة‭ ‬لكل‭ ‬الإنسان‭ ‬ولاسيما‭ ‬الروساء‭ ‬والعقلاء‭ ‬والحكماء‭ ‬لدعوة‭ ‬السلام‭ ‬وتجاوز‭ ‬حواجز‭ ‬العقول‭ ‬التي‭ ‬حجبت‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬رؤية‭ ‬النور‭ ‬الإلهي‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬في‭ ‬مقامات‭ ‬الرحمة‭ ‬والتسامح‭ ‬والعطاء‭ ‬وهي‭ ‬دعوة‭ ‬للمتشددين‭ ‬والتجار‭ ‬باسم‭ ‬الدين‭ ‬أن‭ ‬يخرجوا‭ ‬من‭ ‬سيطرة‭ ‬الشيطان‭ ‬إلى‭ ‬المحبة‮ ‬‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬هم‭ ‬يعيشون‭ ‬فيه‭ ‬فالخير‭ ‬للجميع‭ ‬حين‭ ‬يعي‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬خلق‭ ‬لنا‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬جميعاً‭،‬ فالسلامهو‭ ‬أصل‭ ‬الحياة‭ ‬وبالسلام‭ ‬حقا‭ ‬نحيا‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى