يوسف متى

أنا والضمير والأنا

بقلم/ يوسف متى

الكــل‭ ‬يتــرك‭ ‬بصمــه‭ .. ‬

قد‭ ‬تكون‭ ‬بلون‭ ‬النور،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬بطعم‭ ‬النار‭ ‬لكنــهــا بصمــــه‭‬

مــاذا‭ ‬يحدث‭ ‬لــو‭ ..‬؟‭.   ‬هــذا‭ ‬هو‭ ‬الســؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬الرساله‭ ‬او‭ ‬المضمون‭ ‬لأي‭ ‬عمل‭ ‬درامي‭  ‬،‭ ‬هكذا‭ ‬عندما‭ ‬تصديت‭ ‬لفكرة‭ ‬عمل‭ ‬مسرحي‭  ‬شعري‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬الصراع‭ ‬الداخلي‭ ‬للإنسان‭ ‬عنونتها‭ ‬بهذا‭ ‬الاســم‭ ‬أنا‭ ‬والضمير‭ ‬والأنا‭.‬

كانت‭ ‬إجابة‭ ‬السؤال‭ ‬ماذا‭ ‬يحدث‭ ‬لو‭ ‬تصارع‭ ‬الضمير‭ ‬مع‭ ‬إلانا‭ ‬داخل‭ ‬الانسان‭ ‬،‭ ‬ان‭ ‬الانسان‭ ‬لابد‭ ‬ان‭ ‬يتمزق‭ ‬بينهما‭ ‬فكلاهما‭ ‬نفس‭ ‬الانسان‭ ‬وكلاهما‭ ‬له‭ ‬مبرراته‭ ‬في‭ ‬السيطره‭ ‬علي‭ ‬الانسان‭ ‬الــذي‭ ‬هو‭ ‬جوهــر‭ ‬هــذا‭ ‬الكــون‭ ‬وايقــونتــه‭.‬

منــذ‭ ‬بــدأت‭ ‬الســطور‭ ‬الاولــي‭ ‬في‭ ‬التعــريف‭ ‬بشخصيات‭ ‬العمل‭ ‬أكدت‭ ‬اننا‭ ‬بصدد‭ ‬تجربه‭ ‬انسانيه‭ ‬خالصه،‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬المطلق‭ ‬أياً‭ ‬كان‭ ‬موقعه‭ ‬او‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬الحيــاة‭ .‬

لــذلــك‭ ‬عزيزي‭ ‬القــارئ‭ .. ‬عزيزي‭ ‬الانسان‭ ‬دعني‭ ‬اخاطبك‭ ‬كإنسان‭ ‬في‭ ‬المطلق‭ ‬،‭ ‬لا‭ ‬يعنيني‭ ‬لونك‭ ‬او‭ ‬جنسك‭ ‬او‭ ‬عقيدتك‭ ‬،‭ ‬ما‭ ‬يعنيني‭ ‬انك‭ ‬انسان‭ ‬،‭ ‬روح‭ ‬ونفس‭ ‬وجسد‭ ‬،‭ ‬وعندما‭ ‬يتصارع‭ ‬الروح‭ ‬والجسد‭ ‬داخل‭ ‬الانسان‭ ‬فيشتهي‭ ‬كلا‭ ‬ً‭ ‬منهما‭ ‬ضد‭ ‬الآخر‭ ‬يسقط‭ ‬في‭ ‬يده‭ .‬

هنا‭ ‬تكون‭ ‬الذروه‭ ‬،‭ ‬هنا‭ ‬قمة‭ ‬الصراع‭ ..‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬يبحث‭ ‬عنه‭ ‬صانع‭ ‬الدراما‭ ‬ليضمن‭ ‬نجاح‭ ‬عمله‭ ‬،‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬خارجياً‭ ‬قوة‭ ‬ما‭ ‬تقاوم‭ ‬الانسان يمكن‭ ‬حله‭ ‬او‭ ‬يصعب‭ ‬حله،‭ ‬لكن‭  ‬المأساة‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬القوي‭ ‬داخليه،‭ ‬عندما‭ ‬يتصارع‭ ‬الأنا‭ ‬داخلك‭ ‬مع‭ ‬ضميرك‭ ‬،‭ ‬هنا‭ ‬الألم‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الجحيم‭ ‬عينه‭ .‬

المســألــــه‭ ‬عنــــدما‭ ‬تــكــــون‭ ‬واحـد‭ ‬زائد‭ ‬واحــد‭ ‬زائــد‭ ‬واحــد‭ ‬يكــون‭ ‬الحــل‭ ‬بسيطاً ومحسوماً‭ ‬،‭ ‬انهم‭ ‬ثلاثه‭ ..‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬مسألتك‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬واحد‭ ‬،‭ ‬هنا‭ ‬يختلف‭ ‬الامر‭ ‬وتتغير‭ ‬النتيجه‭ ‬رغم‭ ‬اننا‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬نفس‭ ‬الواحد‭ . ‬علم‭ ‬الحساب‭ ‬والمــنــطــق‭ ‬يــؤكــدان‭ ‬ان‭ ‬النــاتــج‭ ‬واحد‭.‬

عزيزي‭ ‬الانسان‭ .. ‬انت‭ ‬والانا‭ ‬والضمير‭ .. ‬واحــد،‭ ‬الصــراع‭ ‬بيــن‭ ‬الضميــر‭ ‬والانـا‭ ‬يعني‭ ‬انك‭ ‬انسان‭ ‬ممزق،‭ ‬تحتاج‭ ‬لقرار‭ ‬لتنتصر‭ ‬لأي‭ ‬منهما‭. ‬الانسان‭ ‬الذي‭ ‬يتمتع‭ ‬بسلام‭ ‬داخلي‭ ‬ويملك‭ ‬ان‭ ‬يجول‭ ‬يصنع‭ ‬خيراً‭ ‬هو‭ ‬انسان‭ ‬متصالح‭ ‬مع‭ ‬ذاته‭ ‬بصمتــه‭ ‬بلــون‭ ‬النــور‭ ‬وليسـت‭ ‬بطعم‭ ‬النار‭.‬

لو‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬حاول‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬إنساناً‭ ‬لصارت‭ ‬الحياة‭ ‬اكثر‭ ‬رقياً،‭ ‬وعشنا‭ ‬المدينة‭ ‬الفاضله‭ ‬التي‭ ‬حلم‭ ‬بها‭ ‬أفلاطون،‭ ‬بل‭ ‬لعلنا‭ ‬نعيش‭ ‬افراح‭ ‬السماء‭ ‬علي‭ ‬الارض‭ .. ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتمناه‭ ‬المرء‭ ‬يدركه‭ ‬فهناك‭ ‬الغول‭ ‬المتربص‭ ‬بنا‭ ‬وبإنسانيتنا.

الرغبه‭ .. ‬الرغبه‭ ‬هي‭ ‬الطعم‭ ‬الذي‭ ‬يصطادنا‭ ‬به‭ ‬عدو‭ ‬الخير‭ ‬ثم‭ ‬يفترسنا‭ ‬،‭ ‬لولا‭ ‬رغبتي‭ ‬في‭ ‬امتلاك‭ ‬ما‭ ‬لدي‭ ‬الآخر‭ .. ‬طمعاً،‭ ‬لولا‭ ‬رغبتي‭ ‬في‭ ‬افســاد‭ ‬فــرحة‭ ‬الآخــر‭..‬حســداً،‭ ‬لــولا‭ ‬رغبتي‭ ‬في‭ ‬الاستحواذ‭ ‬علي‭ ‬البريق‭ ‬وحدي‭ ‬كبريائاً‭.. ‬لولا‭ ‬رغباتي‭ ‬لكانت‭ ‬الدنيا‭ ‬غير‭ ‬الدنيا‭.‬

إذن‭ ‬الــرغبــه‭ ‬هــي‭ ‬مــن‭ ‬تخــلــق‭ ‬الصــراع‭ ‬والصــراع‭ ‬هــو‭ ‬مــن‭ ‬يؤجج‭ ‬الجحيــم‭ ‬داخــل‭ ‬ذواتــــــنــــــــا‭..‬مــــن‭ ‬يــمــلــــك‭ ‬جهــــــــــــــاز ‭ .(‬Remote Control‭)‬

‭ ‬الذي‭ ‬يتحكم‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬رغباته‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬تتكاثر‭ ‬كالخلايا‭ ‬المريضه‭ ‬لتصبح‭ ‬اكثر‭ ‬نهماً‭ ‬لصراع‭ ‬اكثر‭ ‬حده‭ ‬من‭ ‬يحكم‭ ‬نفسه،‭ ‬هو‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬حاكم‭ ‬مدينه‭ .‬

لكي‭ ‬نكون‭ ‬منصفين‭ ‬ولا‭ ‬نجلد‭ ‬ذواتنا،‭ ‬هناك‭ ‬عوامل‭ ‬خارجنا‭ ‬تجبرنا‭ ‬علي‭ ‬اتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬دفاعيه‭ ‬عن‭ ‬سلامنا‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬هجوميه‭ ‬أحياناً‭ ‬كمبادرة‭ ‬منا‭ ‬لدرء‭ ‬الخطر‭ ‬قبل‭ ‬وقوعه‭  ‬هنا‭ ‬يجد‭ ‬إلانا‭ ‬فرصته‭ ‬ليبرر‭ ‬لنا‭ ‬عدوانيتنا‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬المسرحيه‭ ‬مخاطباً‭ ‬الإنسان‭:‬

ســيــبــك‭ ‬مــن‭ ‬اخــوك‭ ‬الانســان‭ – ‬الانسان‭ ‬مابقــاش‭ ‬انســان‭ – ‬ده‭ ‬بيسرق‭ ‬حقي‭ ‬في‭ ‬اني‭ ‬أعيــش‭ – ‬ده‭ ‬بيخطــف‭ ‬منــي‭ ‬رغيــف‭ ‬العيــش‭ – ‬وانــا‭ ‬عــاوز‭ ‬أعيــش‭ – ‬انا‭ ‬لازم‭ ‬أعيش‭.‬

بهــذا‭ ‬المنطــق‭ ‬العبقــري‭ ‬يتــأجــج‭ ‬الصــراع‭ ‬الــداخــلــي‭..‬اخــي‭ ‬الانســان‭ ‬الــذي‭ ‬يحثني‭ ‬الضمير‭ ‬علي‭ ‬مآخاته،‭ ‬اصبح‭ ‬لزاماً‭ ‬ان‭ ‬ادخل‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬دفاعاً‭ ‬عن‭ ‬حقي‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬حسبما‭ ‬أوجد‭ ‬لي‭ ‬الأنا‭ ‬المبرر‭ ‬لذلك،‭ ‬وهكذا‭ ‬يضيع‭ ‬السلام‭ ‬ويذبح‭ ‬الحمام‭.‬

عــزيــزي‭ ‬القــــارئ‭..‬قد‭ ‬يدفعك‭ ‬ضميرك‭ ‬علــي‭ ‬الجــانب‭ ‬الآخر‭ ‬ان‭ ‬تتفائل‭ ‬وتحسن‭ ‬الظــن‭ ‬بأخيــك‭ ‬الانسان‭ ‬وانه‭ ‬مازال‭ ‬إنساناً‭ ‬لكــن‭ ‬الأنــا‭ ‬داخلك‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬ينثر‭ ‬بذار‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬خلايا‭ ‬عقلك‭ ‬ونبضات‭ ‬قلبك‭ ‬ليسرق‭ ‬كنوز‭ ‬الخير‭ ‬من‭ ‬ضميرك‭ ‬قائلاً‭ :‬

يا‭ ‬سعادة‭ ‬الانسان‭ ‬الغلبان‭..‬في‭ ‬عباية‭ ‬الليــــل‭ ‬الســــمــــره‭..‬النــــــاس‭ ‬سرقوا‭ ‬النــــور‭ ‬مــــ‭ ‬القــمــره‭ .. ‬وصحينــــا‭ ‬لقـينــــــا

قمر‭ ‬مخنوق‭ .. ‬والحمام‭ .. ‬كل‭ ‬الحمام‭ ‬مشنوق‭ ‬

‭ ‬فاكر‭ ‬قوس‭ ‬قزح‭ ‬الغلبان‭ ‬؟‭ .. ‬شالوا‭ ‬منــه‭ ‬كـــــل‭ ‬الالــــوان‭ .. ‬بقــــي‭ ‬ساده‭  ‬بقــــي‭ ‬بهتــــان‭ .. ‬المشــكلــه‭ ‬مـش‭ ‬أوزون.‭ ‬

ولا‭ ‬بيئه‭ ‬ولا‭ ‬احزانون‭ .. ‬الدنيا‭ ‬يابو‭ ‬الاحزان‭   ‬الناس‭ ‬بيلوثوها‭ ‬حتي‭ ‬السما‭ ‬خرموها‭.‬

عزيزي‭ ‬القارئ‭ .. ‬عزيزي‭ ‬الانسان،‭ ‬كل‭ ‬صراعاتنا‭ ‬علي‭ ‬هذا‭ ‬الكوكب‭ ‬ناتجه‭ ‬من‭  ‬فقر‭ ‬الدم‭ ‬في‭ ‬إنسانيتنا،‭ ‬صراعنا‭ ‬الداخلي‭ ‬بين‭ ‬الضمير‭ ‬والانا‭ ‬هو‭ ‬صراع‭ ‬داخلي‭ ‬ملتصق‭ ‬بنا‭ ‬كجلودنا‭ ‬لابد‭ ‬ان‭ ‬ننتصر‭ ‬للخير‭ ‬ونعظم‭ ‬دور‭ ‬الضمير‭ ‬الراقي‭ ‬المتحضر،‭ ‬الضمير‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نرثه‭ ‬كصبغة‭ ‬حدقة‭ ‬العين‭ ‬او‭ ‬لون‭ ‬البشره،‭ ‬الضمير‭ ‬نحن‭ ‬نشكله‭ ‬بم‭ ‬نغذيه‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬ايجابيه‭ ‬وتجارب‭ ‬انسانيه،‭ ‬بم‭ ‬نزرعه‭ ‬داخله‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬الخير‭ ‬والرحمه‭ ‬والعدل‭،‬ ماعت‭ ‬التي‭ ‬خبرها‭ ‬المصريون‭ ‬القدامى‭ ‬منذ‭ ‬فجر‭ ‬التاريخ‭ .. ‬دعونا‭ ‬نملك‭ ‬شجاعة‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬الضمير‭ ‬والانا‭ ‬لنجعل‭ ‬من‭ ‬الضمير‭ ‬قبساً‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬نطارد‭ ‬به‭ ‬ظلمة‭ ‬الآنا‭ ‬داخلنا‭.. ‬نحتاج‭ ‬ان‭ ‬نكون‭ ‬اكثر‭ ‬انسانيه‭.. ‬ارحب‭ ‬صدراً‭ .. ‬أعمق‭ ‬حباً‭..‬

عزيزي‭ ‬القارئ‭ .. ‬عزيزي‭ ‬الانسان‭. ‬

دعنا‭ ‬نترك‭ ‬بصمه‭ ‬بلون‭ ‬النور‭ ‬،‭ ‬وليست‭ ‬بطعم‭ ‬النار‭.‬

إلى‭ ‬لقاء‭ ‬متجدد‭ .. ‬

يترك‭ ‬بصمه‭ ‬للعقل‭ ‬وبسمه‭ ‬للشفاه‭. ‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى