لينا خورى

شمعة لك أيها الحب

بقلم/ لينا خورى

وردة‭ ‬بين‭ ‬صفحات‭ ‬كتاب‭ ‬سرق‭ ‬لونها‭ ‬الزمن،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬تآلفت‭ ‬مع‭ ‬أوراق‭ ‬الكتاب‭ ‬وكلماته‭ ‬المرسومة‭ ‬فتمازجا‭ ‬معاً‭ ‬وتبادلا‭ ‬الألوان،‭ ‬وفجأة‭ ‬ترتوي‭ ‬أوراقها‭ ‬وتعود‭ ‬نضرة‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬النائمة‭. ‬

نظرة‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬رسائل‭ ‬مربوطة‭ ‬بشريط‭ ‬أزرق‭ ‬كلون‭ ‬السماء‭ ‬السعيدة،‭ ‬فتجمد‭ ‬العيون‭ ‬ويسافر‭ ‬الفكر‭ ‬الواعي‭ ‬إلى‭ ‬عالمٍ‭ ‬حنون‭ ‬يعذبه‭ ‬الشوق‭ ‬إلى‭ ‬لقاءٍ‭ ‬مجهول‭ ‬الموعد‭ ‬كزيارة‭ ‬القدر‭… ‬

موسيقى‭ ‬تصدح‭ ‬ناعمةً‭ ‬رقيقة،‭ ‬فترتوي‭ ‬الروح‭ ‬كأوراق‭ ‬الشجر‭ ‬عندما‭ ‬يقبلها‭ ‬الفجر‭ ‬بقطرات‭ ‬الندى‭ ‬الكريستالية‭.‬

لمسة‭ ‬من‭ ‬السحر،‭ ‬تثير‭ ‬المشاعر‭ ‬الغافية‭ ‬في‭ ‬خدر‭ ‬الذاكرة‭ ‬المحمومة‭ ‬بصخب‭ ‬الحياة‭ … ‬فكم‭ ‬يستمر‭ ‬هذا‭ ‬الإحساس؟‭! ‬ثوانٍ،‭ ‬دقائق،‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬الساعة،‭ ‬ولمرهفي‭ ‬الحس‭ ‬يوم‭ ‬كامل‭… ‬ثم‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬مكانه‭ ‬المنسي‭ ‬ينتظر‭ ‬بشغفٍ‭ ‬محرضٍ‭ ‬ما‭ ‬لإيقاظه،‭ ‬وهذا‭ ‬المحرض‭ ‬متوقف‭ ‬على‭ ‬الصدفة‭ ‬لدى‭ ‬كثيرٍ‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬بسبب‭ ‬الانشغال‭ ‬الدائم‭ ‬بمتطلبات‭ ‬الحياة‭. ‬لذلك‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬خصص‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬ليكون‭ ‬جرس‭ ‬إيقاظ‭ ‬للذاكرة‭ ‬والمشاعر‭ ‬المنسيّة،‭ ‬دعي‭ ‬يوم‭ ‬الحب‭ ‬أو‭ ‬عيد‭ ‬الحب‭.‬

في‭ ‬الماضي‭ ‬السحيق‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬آلهة‭ ‬للحب‭ ‬يتضرع‭ ‬إليها‭ ‬الإنسان‭ ‬ليخصّب‭ ‬حياته‭ ‬وأرضه‭ ‬مثل‭ ‬أفروديت،‭ ‬عشتار،‭ ‬كيوبيد‭.

 ومع‭ ‬النضوج‭ ‬الثقافي‭ ‬والفلسفي‭ ‬للإنسان‭ ‬اتخذ‭ ‬الحب‭ ‬الشامل‭ ‬اسم‭ ‬الله‭. ‬والآن‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الحاضر‭ ‬نحتفل‭ ‬بعيد‭ ‬الحب‭ ‬بتقزيمه‭ ‬كثيراً‭ ‬ليتسع‭ ‬معنا‭ ‬في‭ ‬وردة‭ ‬التوليب‭ ‬الحمراء‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬المحب‭ ‬لمحبوبه،‭ ‬رمزاً‭ ‬لمشاعره‭ ‬الرقيقة‭ ‬الأنيقة‭ ‬تجاه‭ ‬بعضهما‭. ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬يذبل‭ ‬هذا‭ ‬التأجج‭ ‬العاطفي‭ ‬بذبول‭ ‬الوردة‭ ‬الحمراء؟‭ ‬وهل‭ ‬يخمد‭ ‬وهج‭ ‬الشوق‭ ‬بذوبان‭ ‬الشمعة‭ ‬التي‭ ‬رافقتهما‭ ‬في‭ ‬لقائهما‭ ‬الموعود؟

بالتأكيد‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬سيكون‭ ‬واقعاً،‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬النظرة‭ ‬إلى‭ ‬الحب‭ ‬كحدث‭ ‬زمني‭ ‬يتأرجح‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬أو‭ ‬كخطوة‭ ‬رومانسية‭ ‬متجردة‭ ‬عن‭ ‬الواقع،‭ ‬للولوج‭ ‬إلى‭ ‬عالمٍ‭ ‬بعيد‭ ‬ترسم‭ ‬المشاعر‭ ‬أبعاده‭. ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬نضوج‭ ‬في‭ ‬الرؤية،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الحب‭ ‬عنوان‭ ‬الوجود‭ ‬والحياة،‭ ‬وبأنه‭ ‬معجزة‭ ‬متوائمة‭ ‬مع‭ ‬معجزة‭ ‬الخلق،‭ ‬عندها‭ ‬يتحرر‭ ‬الحب‭ ‬من‭ ‬قوالبه‭ ‬الضيقة‭ ‬التي‭ ‬وضعناه‭ ‬فيها،‭ ‬فينطلق‭ ‬حراً‭ ‬كالضوء‭ ‬يلامس‭ ‬وجه‭ ‬الخليقة‭ ‬جمعاء‭. ‬فالحب‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬ذاته‭ ‬إلا‭ ‬بالآخر،‭ ‬ولا‭ ‬ينمو‭ ‬ويزدهر‭ ‬إلا‭ ‬بالتروية‭ ‬المتبادلة،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬مقياس‭ ‬زماني‭ ‬أو‭ ‬مكاني‭ ‬يحدد‭ ‬حجمه،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬المستطاع‭ ‬عدّ‭ ‬المرات‭ ‬التي‭ ‬تردد‭ ‬فيها‭ ‬كلمة‭ ‬أحب‭ ‬بتلقائية‭ ‬وعفوية‭ ‬بدون‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬معناها‭ ‬العميق،‭ ‬ولو‭ ‬فكرنا‭ ‬لبرهة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬لأيقنّا‭ ‬أن‭ ‬الحب‭ ‬هو‭ ‬الهواء‭ ‬الذي‭ ‬نتنفسه والروح‭ ‬التي‭ ‬تزكي‭ ‬النفس‭ ‬البشرية،‭ ‬هو‭ ‬وجود‭ ‬حي‭ ‬يكتشف‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬أنه‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬ويتفاعل‭ ‬معه‭ ‬ويتغنى‭ ‬بأفراحه،‭ ‬ويحلق‭ ‬على‭ ‬أجنحة‭ ‬أحلامه‭. ‬ففيه‭ ‬تنتفي‭ ‬الحواجز‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬وبه‭ ‬يسعى‭ ‬الإنسان‭ ‬لبناء‭ ‬وطنٍ‭ ‬جميل‭ ‬لأبنائه‭ ‬وللأجيال‭ ‬التي‭ ‬تليه،‭ ‬أما‭ ‬الموت‭ ‬فليس‭ ‬هو‭ ‬الرقاد‭ ‬المتخشب؛‭ ‬وإنما‭ ‬أن‭ ‬يحيا‭ ‬الإنسان‭ ‬بلا‭ ‬حب‭ ‬يرفض‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬ويرى‭ ‬الحياة‭ ‬دورة‭ ‬نمطية‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لها‭ ‬وأنه‭ ‬يمارس‭ ‬حياته‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬الانتحار‭ ‬البطيء‭.‬

لنضيء‭ ‬شمعة‭ ‬بطول‭ ‬الأيام‭ ‬للحب‭ ‬الذي‭ ‬يجعلنا‭ ‬نتصالح‭ ‬مع‭ ‬ذاتنا،‭ ‬فبه‭ ‬نصبح‭ ‬غيوم‭ ‬تشرين‭ ‬الحبلى‭ ‬بالغيث،‭ ‬عبق‭ ‬الياسمين‭ ‬في‭ ‬أمسيات‭ ‬الغسق‭ ‬الخرافية،‭ ‬دموع‭ ‬الثلوج‭ ‬الذائبة‭ ‬من‭ ‬قبلات‭ ‬الشمس‭ ‬الحارة،‭ ‬رغيف‭ ‬خبزٍ‭ ‬بيد‭ ‬جائع،‭ ‬عكاز‭ ‬ضرير،‭ ‬أنامل‭ ‬مثّالٍ‭ ‬تفجر‭ ‬نهراً‭ ‬من‭ ‬حجر‭ ‬الصوان،‭ ‬قلم‭ ‬رصاص‭ ‬بين‭ ‬أصابع‭ ‬طفلٍ‭ ‬يكتب‭: ‬أحب‭ ‬أبي،‭ ‬أحب‭ ‬أمي،‭ ‬أحب‭ ‬وطني،‭ ‬فأنا‭ ‬إنسان‭.‬

• الإهداء‭ ‬لكل‭ ‬إنسان‭ ‬مازال‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬القلب‭ ‬منبع‭ ‬الحب‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يشيخ،‭ ‬وإن‭ ‬عاكس‭ ‬المنطق‭ ‬العلمي‭ ‬بأن‭ ‬القلوب‭ ‬مضخات‭ ‬ويوماً‭ ‬ما‭ ‬ينال‭ ‬منها‭ ‬الصدأ‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى