لينا خورى

فـي مـرآة صديـق

بقلم/ لينا خورى

من‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬مرآة‭ !!! .‬

ينقل‭ ‬لها‭ ‬أفكاره،‭ ‬يناقشها‭ ‬في‭ ‬معتقداته،‭ ‬يجادلها‭ ‬في‭ ‬مبادئه،‭ ‬يبثها‭ ‬شجونه‭ ‬يغني‭ ‬لها‭ ‬سعادته‭ ‬يلملم‭ ‬أمامها‭ ‬أشلاء‭ ‬أحلامه‭ ‬ويشيد‭ ‬صروح‭ ‬طموحاته‭.‬

من‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬لمن‭ ‬هجر‭ ‬الواقع‭ ‬واعتزل‭ ‬في‭ ‬ذاته‭. ‬ولكنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المرآة‭ ‬صفة‭ ‬لإنسان‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬ردائه‭ ‬الجسدي‭ ‬ليتمازج‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬بشفافية‭ ‬الروح،‭ ‬بحرية‭ ‬ضربات‭ ‬القلب،‭ ‬بشوق‭ ‬الذكريات‭ ‬وراء‭ ‬الأبواب،‭ ‬بصدق‭ ‬ضحكات‭ ‬الطفولة،‭ ‬بعودة‭ ‬الوجوه‭ ‬المنسية،‭ ‬بروعة‭ ‬النسيان‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬الألم‭.‬

إنه‭ ‬الصديق‭ ‬º‭ ‬الوجه‭ ‬الخفي‭ ‬لكل‭ ‬إنسان‭ ‬يحترم‭ ‬وجوده‭ ‬ويسعى‭ ‬لبلورة‭ ‬معناه،‭ ‬كم‭ ‬نحن‭ ‬بأمس‭ ‬الحاجة‭ ‬لتلك‭ ‬العاطفة‭ ‬الشفافة‭ ‬والوعي‭ ‬الناضج‭ ‬بمعنى‭ ‬الإنسانية‭ .

كم‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الصديق‭ ‬الذي‭ ‬يجسد‭ ‬تلك‭ ‬المعاني‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬المبادئ‭ ‬الفردية‭ ‬وبرودة‭ ‬الوحدة،كم‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الصداقة‭ ‬التي‭ ‬لُفظت‭ ‬كما‭ ‬تلفظ‭ ‬العين‭ ‬الجسم‭ ‬الغريب،‭ ‬الصداقة‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬كالصور‭ ‬الفوتوغرافية‭ ‬القديمة،‭ ‬كالمحنطات‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬المومياء‭. ‬

ـ‭ ‬كيف‭ ‬لردائها‭ ‬أن‭ ‬يدفئ‭ ‬برودة‭ ‬القلب‭ ‬وقد‭ ‬انتشرت‭ ‬فيه‭ ‬رقع‭ ‬الحسد‭ ‬والغيرة‭ ‬؟

ـ‭ ‬ كيف‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تحلق‭ ‬عالياً‭ ‬وبحرية‭ ‬كسرب‭ ‬الطيور‭ ‬السعيدة‭ ‬وقد‭ ‬سدّ‭ ‬طريقها‭ ‬شوك‭ ‬المنفعة‭ ‬وزؤان‭ ‬الانتهازية؟

فالصداقة‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬اجتماعية‭ ‬راقية‭. ‬هي‭ ‬وجه‭ ‬من‭ ‬وجوه‭ ‬الحرية‭ ‬لأنها‭ ‬تحرر‭ ‬الفرد‭ ‬من‭ ‬أسر‭ ‬ذاته‭ ‬ورواسبه‭ ‬الموروثة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تكامله‭ ‬مع‭ ‬ذات‭ ‬أخرى‭.‬‭ ‬هي‭ ‬محاورة‭ ‬بين‭ ‬الروحانية‭ ‬والمادية،‭ ‬بين‭ ‬الظاهر‭ ‬والباطن‭. ‬فلو‭ ‬سئل‭ ‬إنسان‭ ‬ما،‭ ‬كمّ‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬المخلصين‭ ‬لديه‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬توحيه‭ ‬كلمة‭ ‬الإخلاص‭ ‬من‭ ‬معنى؟‭ ‬لأجاب‭ ‬بابتسامة‭ ‬هادئة‭ ‬خجولة‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬اثنين‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬أجاب‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬…‭!!! .‬

استند‭ ‬في‭ ‬إجابته‭ ‬تلك‭ ‬على‭ ‬تعريف‭ ‬ضمني‭ ‬للإخلاص‭ ‬ويندرج‭ ‬تحته‭ ‬تعريف‭ ‬الصداقة‭ ‬º‭ ‬أما‭ ‬إجابته‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬اثنين‭ ‬هي‭ ‬رد‭ ‬طبيعي‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬لإنسان‭ ‬تتصارع‭ ‬في‭ ‬داخله‭ ‬أهواء‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية‭ ‬أن‭ ‬يحسم‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬بعطاء‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬للآخر‭ ‬وبتكامل‭ ‬مبدع‭ ‬بينهما‭ ‬إلا‭ ‬لعدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭. ‬ولكن‭ ‬إجابة‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬فتلك‭ ‬هي‭ ‬الحالة‭ ‬الشاذة،‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تتسلل‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬كثعبانٍ‭ ‬تغير‭ ‬زيها،‭ ‬حيناً‭ ‬بانعدام‭ ‬الصدق،‭ ‬وآخر‭ ‬بصعوبة‭ ‬الحياة،‭ ‬وغالباً‭ ‬بادعاء‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬بدأت‭ ‬تأخذ‭ ‬النمط‭ ‬العملي‭ ‬فلا‭ ‬وقت‭ ‬لاكتشاف‭ ‬الآخرين‭ ‬والتعامل‭ ‬معهم‭ ‬كما‭ ‬نحب‭ ‬أن‭ ‬نُعامل،‭ ‬وانطلقت‭ ‬الشعارات‭ ‬المعقلنة‭ ‬”لا‭ ‬صديق‭ ‬لك‭ ‬إلا‭ ‬نفسك‭(‬لمصلحة‭ ‬أولا‭) ‬الخ،‭ ‬ورويداً‭ ‬رويداً‭ ‬تصبح‭ ‬الصداقة‭ ‬شعار‭ ‬لقيمة‭ ‬مجهولة‭ ‬التعريف‭ ‬كلوحة‭ ‬فسيفسائية‭ ‬مفقودة‭ ‬الأجزاء،فالصداقة‭ ‬هي‭ ‬جسر‭ ‬منسوج‭ ‬من‭ ‬وشائج‭ ‬الروح‭ ‬ورهافة‭ ‬المشاعر‭ ‬يصل‭ ‬الإنسان‭ ‬مع‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬تربطهما‭ ‬إلا‭ ‬روح‭ ‬واحدة‭ ‬لوجوه‭ ‬متعددة‭.‬

هي‭ ‬اللحن‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تطاله‭ ‬الرتابة‭ ‬بأصابعها‭ ‬اللزجة،‭ ‬هي‭ ‬الطبيعة‭ ‬الدائمة‭ ‬الربيع‭ ‬المتفنن‭ ‬الألوان‭ ‬ونادر‭ ‬الأزهار‭.‬هي‭ ‬عطر‭ ‬وردة‭ ‬سرية‭ ‬لم‭ ‬تكتشف‭ ‬بعد،هي‭ ‬مسئولية‭ ‬ذاتية‭ ‬لم‭ ‬تقرّها‭ ‬قوانين،الصداقة‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬بالحدود‭ ‬ولا‭ ‬بالمسافات‭ ‬ولا‭ ‬يقيدها‭ ‬زمان‭ ‬ولا‭ ‬مكان،‭ ‬فمن‭ ‬يزرع‭ ‬بذور‭ ‬حب‭ ‬الصداقة‭ ‬يزرع‭ ‬حب‭ ‬الله‭. ‬لأنها‭ ‬ستبقى‭ ‬الحمامة‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬على‭ ‬أجنحتها‭ ‬أريج‭ ‬الحياة‭ ‬المخبأ‭ ‬في‭ ‬كرات‭ ‬الضياء‭ ‬فتنشره‭ ‬نوراً‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬فتح‭ ‬لها‭ ‬نوافذ‭ ‬قلبه‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى