فادى يوسف

أفهموا حقوق الإنسان صح

بقلم/ فادى يوسف

فى‭ ‬البداية‭ ‬أهدف‭ ‬إلى‭ ‬توضيح‭ ‬معنى‭ ‬جملة‭ (‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ) ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬المفاهيم‭ ‬الخاطئة‭ ‬والتى‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الجملة‭ ‬تشوهات‭ ‬كثيرة‭ ‬أفقدتها‭ ‬قيمتها‭ ‬ورسالتها‭ ‬فاسمحوا‭ ‬لى‭ ‬أن‭ ‬أطرح‭ ‬عليكم‭ ‬المفاهيم‭ ‬الصحيحة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وأهمية‭ ‬العمل‭ ‬بها‭ ‬لمحاربة‭ ‬الجهل‭ ‬والفساد‭ ‬والاضطهاد‭ ‬والقمع‮ ‬

معنى‭ ‬كلمة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬هى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬يعتقد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬بمجرد‭ ‬الميلاد‭ ‬وهو‭ ‬مفهوم‭ ‬قديم،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المصطلح‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬ظهر‭ ‬للوجود‭ ‬في‭ ‬أربعينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬ولأن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬اكثرهم‭ ‬في‭ ‬الغرب‮ ‬يؤمنون‭ ‬بقوة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬اتخاذ‭ ‬بعض‭ ‬الإجراءات‭ ‬لحمايتها‭.‬

إن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬حجر‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬استقرار‭ ‬أي‭ ‬مجتمع،‭ ‬فأينما‭ ‬وجدت‭ ‬مجتمعًا‭ ‬مستقرًا‭ ‬وجدت‭ ‬إنسانًا‭ ‬مطمئنًا‭ ‬على‭ ‬حقوقه وما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬لتعليم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬وإدخالها‭ ‬في‭ ‬ثقافته‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬مردودًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬فهم‭ ‬حقوقه‭ ‬أولاً‭ ‬واحترامها‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬والشعور‭ ‬بالكرامة‭ ‬والحرية‭ ‬ثانيًا‭ ‬مما‭ ‬يدفعه‭ ‬إلى‭ ‬المشاركة‭ ‬بفعالية‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬وطنه‭ ‬ورفاهية‭ ‬مجتمعه‭ ‬وحفظ‭ ‬السلام‭.‬

فكرة‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬الناس‭ ‬بعض‭ ‬الحقوق‭ ‬الأساسية‭ ‬لمجرد‭ ‬كونهم‭ ‬ينتمون‭ ‬للنوع‭ ‬الإنساني‭ ‬هي‭ ‬فكرة‭ ‬قديمة‭. ‬فيوجد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الوثائق‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬قننت‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬الأساسية‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬يوجد‭ ‬أيضا‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬تجاهل‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬لبعض‭ ‬المجموعات‭ ‬مثل‭ ‬العبيد‭ ‬والنساء،‭ ‬باعتبارهم‭ ‬كائنات‭ ‬اقل‭ ‬قيمة‭ ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬ينتمون‭ ‬للإنسانية‭.‬

ويؤمن‭ ‬المؤيدين‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬له‭ ‬حق‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬والحرية‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يفكر‭ ‬ويتواصل‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يشاء‭ ‬بما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬تتصل‭ ‬بشكل‭ ‬وثيق‭ ‬بحريته‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ينتمون‭ ‬للإنسانية‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬متساويين‭ ‬أمام‭ ‬القانون‭ ‬ويؤمن‭ ‬الكثير‭ ‬بالحماية‭ ‬القانونية‭ ‬للإنسان‭ ‬مثل‭ ‬منع‭ ‬التعذيب‭ ‬والرق‭.‬

كذلك‭ ‬يرى‭ ‬آخرون‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬والإنسانية‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬كل‭ ‬البشر‭ ‬أينما‭ ‬كانوا‭ ‬وهو‭ ‬المفهوم‭ ‬الذي‭ ‬ينازع‭ ‬مفهوم‭ ‬السيادة‭ ‬ويثير‭ ‬السؤال‭ ‬حول‭ ‬حق‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬انتهاك‭ ‬حقوق‭ ‬مواطنيها‭ ‬دون‭ ‬تدخل‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الخارجية‭ ‬باسم‭ ‬سيادة‭ ‬الدولة‭.‬

إن‭ ‬تعليم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الجوهر‭ ‬مشروع‭ ‬لتمكين‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬الإلمام‭ ‬بالمعارف‭ ‬الأساسية‭ ‬اللازمة‭ ‬لتحررهم‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬صور‭ ‬القمع‭ ‬والاضطهاد‭ ‬وغرس‭ ‬الشعور‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬تجاه‭ ‬حقوق‭ ‬الأفراد‭ ‬والمصالح‭ ‬العامة‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ثقافة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬تشمل‭ ‬مجموعة‭ ‬القيم‭ ‬الذهنية‭ ‬والسلوكية‭ ‬والتراث‭ ‬الثقافي‭ ‬والتقاليد‭ ‬والأعراف‭ ‬التي‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬مبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان ووسائل‭ ‬التنشئة‭ ‬التي‭ ‬تنقل‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬والمدرسة‭ ‬والهيئات‭ ‬الوسيطة‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭.‬

إن‭ ‬تعليم‭ ‬ثقافة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ونشرها‭ ‬هو‭ ‬عملية‭ ‬متواصلة‭ ‬وشاملة‭ ‬تعم‭ ‬جميع‭ ‬صور‭ ‬الحياة‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تنفذ‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬أوجه‭ ‬الممارسات‭ ‬الشخصية‭ ‬والمهنية‭ ‬والثقافية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬والمدنية‭ ‬ومن‭ ‬الضروري‭ ‬لجميع‭ ‬المهن‭ ‬أن‭ ‬ترتبط‭ ‬بمقاييس‭ ‬أداء‭ ‬تلتزم‭ ‬بقيم‭ ‬تستلهم‭ ‬الحقوق‭ ‬الأساسية‭ ‬للإنسان‭.‬

ومن‭ ‬ثم‭ ‬فان‭ ‬تضافر‭ ‬المعرفة‭ ‬والممارسة‭ ‬يمثل‭ ‬الهدف‭ ‬الجوهري‭ ‬لتعليم‭ ‬ثقافة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ونشرها‭ ‬إن‭ ‬تعليم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬إذ‭ ‬يغرس‭ ‬حس‭ ‬الكرامة‭ ‬والمسؤولية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المسؤولية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬و‭ ‬يقود‭ ‬الناس‭ ‬بالضرورة‭ ‬إلى‭ ‬الاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬والمساعدة‭ ‬الجماعية‭ ‬والتأقلم‭ ‬مع‭ ‬حاجات‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬وحقوقهم‭ ‬كما‭ ‬يقودهم‭ ‬إلى‭ ‬القبول‭ ‬بالعمل‭ ‬معًا‭ ‬للتوصل‭ ‬بصورة‭ ‬حرة‭ ‬إلى‭ ‬صياغات‭ ‬مناسبة‭ ‬ومتجددة‭ ‬تضمن‭ ‬توازن‭ ‬المصالح‭ ‬والعمل‭ ‬المشترك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الخير‭ ‬العام‭ ‬دون‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬سلطان‭ ‬العنف‭ ‬المنظم‭ ‬أو‭ ‬العشوائي‭ ‬الذي‭ ‬يصادر‭ ‬حريات‭ ‬الناس‭ ‬جميعًا‭.‬

‮ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تعليم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬مصمما‭ ‬ضمن‭ ‬استراتيجية‭ ‬واضحة‭ ‬المقاصد‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬يتعدى‭ ‬مجرد‭ ‬التعرف‭ ‬عن‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والمواثيق‭ ‬والعهود‭ ‬المرتبطة‭ ‬بتلك‭ ‬الحقوق‭ ‬إلى‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬آليات‭ ‬تفعيل‭ ‬الحقوق‭ ‬وآليات‭ ‬الحماية‭ ‬المتصلة‭ ‬بها‭ ‬وكيفية‭ ‬استخدامها كما‭ ‬أن‭ ‬تعليم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬اليومية‭ ‬وعلى‭ ‬استخدام‭ ‬أساليب‭ ‬تضمن‭ ‬اكتساب‭ ‬مهارات‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬المواقف‭ ‬ومهارات‭ ‬تطوير‭ ‬المعارف‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تلك‭ ‬الحقوق‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬بمجرد‭ ‬إلقاء‭ ‬محاضرات‭ ‬وتنظيم‭ ‬مناظرات‭ ‬أو‭ ‬ندوات‭ ‬ويمكن‭ ‬إجمال‭ ‬أهداف‭ ‬التربية‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬الشخصية‭ ‬تجدير‭ ‬الإحساس‭ ‬بالكرامة‭ ‬والحرية‭ ‬والمساواة‭ ‬والعدل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والممارسة‭ ‬الديموقراطية‭. ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬تعزيز‭ ‬وعي‭ ‬المواطنين‭ ‬بحقوقهم‭ ‬قصد‭ ‬تمكينهم‭ ‬من‭ ‬تحويل‭ ‬مبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وثقافية‭ ‬وسياسية‭ ‬ورفع‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها‭ ‬وصيانتها‭.‬

‮ ‬ويجب‭ ‬بلورة‭ ‬استراتيجية‭ ‬خاصة‭ ‬بتعليم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والتربية‭ ‬عليها،‭ ‬وعلى‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬تبيان‭ ‬كيفية‭ ‬تجدير‭ ‬مبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وسط‭ ‬المجتمع‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القصير‭ ‬والوسائل‭ ‬المعتمدة‭ ‬الموصلة‭ ‬لذلك‭ ‬ولعل‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬الإقرار‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬اعتماد‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬كمادة‭ ‬مصممة‭ ‬لتتداخل‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬المناهج‭ ‬الدراسية‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬تبقى‭ ‬كمادة‭ ‬ثانوية‭ ‬للديكور‭ ‬فحسب وهذا‭ ‬هو‭ ‬الإطار‭ ‬العام‭ ‬والحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬الشروط‭ ‬الكفيلة‭ ‬بتحويل‭ ‬مادة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬مادة‭ ‬لها‭ ‬خصوصيتها‭ ‬وقيمتها‭ ‬شأنها‭ ‬شأن‭ ‬المواد‭ ‬الدراسية‭ ‬الأخرى‭.‬

‮ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬لوسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬دورا‭ ‬حيويا‭ ‬وجوهريا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬إذ‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تساهم‭ ‬فعلا‭ ‬وفعليا‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬التربية‭ ‬والتثقيف‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التربية‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والديموقراطية‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬منهجية‭ ‬شاملة‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬المعرفة‭ ‬والوجدان‭ ‬والأداء‭.‬

‮ ‬وبهذا‭ ‬المنظور‭ ‬يمكن‭ ‬لتعليم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والتربية‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬يتطور‭ ‬ليصبح‭ ‬حقلا‭ ‬تربويا‭ ‬كاملا‭ ‬ونهجا‭ ‬لدراسة‭ ‬أوضاع‭ ‬المجتمع‭ ‬وبنائه‭ ‬لاسيما‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬وثيقة‭ ‬بين‭ ‬عدم‭ ‬احترام‭ ‬حقــــوق‭ ‬الإنســان‭ ‬وتفشـــــي‭ ‬الفقــــر‭ ‬والفســــاد‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى