ملاك ميخائيل

حـتــمـــا ً… ولا بـــــد…

بقلم/ ملاك ميخائيل

(قصة‭ ‬قصيرة‭(

– ‬وقف‭.‬نظر‭.‬رأى‭ ‬أمامه‭ ‬سلما‭ ‬يمتد‭ ‬متلويا‭ ‬الى‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬عيناه‭ ‬أن‭ ‬تريا‭ ‬له‭ ‬نهاية‭.‬

تلمـــس‭ ‬الجـــدران‭ ‬المحيطـــة‭ ‬به؛‭ ‬ثم‭ ‬راح‭ ‬يصعد‭ ‬درجـــات‭ ‬الســـــلــم‭…‬درجـــة‭ ..‬اثنتـــان‭…‬ثلاث‭..‬عشــر‭ ‬درجــات‭…‬عشــــرون‭…‬مـــــائـــة‭..‬عندما‭ ‬نسى‭ ‬الرقم‭ ‬الذى‭ ‬وصل‭ ‬اليه،‭ ‬راح‭ ‬يصعد‭ ‬دون أن‭ ‬يهتــم‭ ‬بعدها‭. ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يسلى‭ ‬نفسه‭. ‬فكر‭ ‬أن‭ ‬يغنى‭. ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬صوته‭. ‬تحسس‭ ‬درجات‭ ‬السلم الخشبية‭ ‬المتآكلــة؛‭ ‬والتــى‭ ‬كانت‭ ‬تئـــن‭ ‬وتئـز‭ ‬تحت‭ ‬قـــدميـــه،‭ ‬وواصـــل‭ ‬الصعود‭ ‬بحرص‭ ‬وحذر‭.‬

تشبـــث‭ ‬بالحاجز‭ ‬الحديـــدى‭ ‬للسلم‭ ‬بكل‭ ‬قوته‭.‬حدّق‭ ‬فى‭ ‬الظلام‭ ‬الـــذى‭ ‬أحاط‭ ‬به‭ ‬فجأة؛‭ ‬ليرى‭ ‬ما حوله؛‭ ‬وليعــــرف‭ ‬أيـــن‭ ‬هـــو؟‭!. ‬عجـــز‭ ‬عـــن‭ ‬رؤيـــة‭ ‬أى‭ ‬شىء‭. ‬فى‭ ‬الظلام‭ ‬تصبح‭ ‬كل‭ ‬الأشياء‭ ‬كتلة ســـوداء‭ ‬لا‭ ‬معـــالـــم‭ ‬ولا‭ ‬حـــدود‭ ‬لهـــا‭ ‬أيضا‭ …‬

عاود‭ ‬صعود‭ ‬السلم‭ ‬الحلزونى‭ ‬الممتـــد‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهايـــة‭.‬أخذ‭ ‬السلم‭ ‬يضيق‭ ‬عليه‭ ‬شيئا‭ ‬فشيئا‭.‬

لم‭ ‬يستطع‭ ‬معرفة‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬طابق‭ ‬هو‭. ‬مــلأ‭ ‬المكان‭ ‬فجـــأة‭ ‬بصيــص‭ ‬خافت‭ ‬ومرتعــش‭ ‬من‭ ‬ضــــوء أحمر‭. ‬ســاعده‭ ‬الضــــوء‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬باب‭ ‬مغلق‭.‬ضرب‭ ‬الباب‭ ‬بيديه؛‭ ‬ثم‭ ‬بقدميه؛‭ ‬ثم‭ ‬برأسه‭ ‬وكل جسمه‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭. ‬لم‭ ‬ينفتح‭ ‬الباب،‭ ‬ولم‭ ‬يستجب‭ ‬أحد‭ ‬لخبطاته‭ ‬القوية‭ ‬والمتوالية‭ ‬على‭ ‬البــــــاب‭.‬

أحـس‭ ‬بالتعب‭ ‬والرغبة‭ ‬فى‭ ‬الوقوع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.‬فى‭ ‬نفــــس‭ ‬اللحظــــة‭ ‬ســـمع‭ ‬صوتــــــا‭ ‬واهنا‭ ‬من وراء‭ ‬الباب‭ ‬المغلق‭: ‬من‭ ‬يطرق‭ ‬الباب؟‭!‬

أنـــــــــــــــا‭…‬

من‭ ‬أنـــت؟‭!‬

لن‭ ‬تعرفنى‭…‬افتح‭..‬أرجوك‭.. ‬افتح‭…‬

‭ ‬لا‭ ‬يمكننى‭ ‬فتح‭ ‬الباب‭….‬

لمــــــــــاذا؟‭!‬

لأنه‭ ‬مغلق‭ ‬كما‭ ‬ترى‭…‬

والمفتـاح؟‭!‬

كل‭ ‬المفاتيح‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفتح‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬ضاعـــت‭…‬كلهـــا‭..‬ضـــاعـــت‭…‬

هل‭ ‬تخبرنى‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬طابق‭ ‬نحن؟‭!‬

انتظركثيرا‭ ‬ولم‭ ‬يســـمع‭ ‬ردا‭. ‬ســـاد‭ ‬المكـــان‭ ‬صمت‭ ‬مطبق‭. ‬خيـــّل‭ ‬اليـــه‭ ‬أن‭ ‬مخلـــوقـــات‭ ‬متـــوحشـــة وغيرمرئية‭ ‬تحيط‭ ‬به‭.‬أحس‭ ‬بالرهبة‭ ‬تكاد‭ ‬أن‭ ‬توقف‭ ‬قلبه‭. ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يبكى‭. ‬اكتشف‭ ‬أن‭ ‬دموع عينيه‭ ‬قد‭ ‬جفت‭ ‬فى‭ ‬مآقيه‭ ‬تماما‭. ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يصرخ‭.‬فوجىء‭ ‬بصراخه‭ ‬وقد‭ ‬تحول‭ ‬الى‭ ‬نباح لا‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬مغـــادرة‭ ‬حنجرته‭. ‬سعل‭. ‬فكر‭ ‬فى‭ ‬اشعال‭ ‬عود‭ ‬ثقاب‭ ‬يحرق‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الكتلة‭ ‬من الظلام‭ ‬الدامس‭ ‬الذى‭ ‬يكاد‭ ‬يبتلعه‭. ‬مد‭ ‬يده‭ ‬الى‭ ‬جيب‭ ‬سرواله‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬علبة‭ ‬الثقاب،‭ ‬فلم‭ ‬يجد لنفسه‭ ‬سروالا‭ ‬ولا‭ ‬جيبا‭. ‬لمس‭ ‬فخذه‭ ‬بأصابعه‭.‬شعر‭ ‬بفخذه‭ ‬باردا‭ ‬كــالـثــلــج‭. ‬تســلل‭ ‬الخــوف‭ ‬اليه مـــن‭ ‬تحــت‭ ‬ملابســــه‭ ‬ووصل‭ ‬الى‭ ‬قلبه‭. ‬أحس‭ ‬بتعب‭ ‬شديد،‭ ‬فتمنى‭ ‬أن‭ ‬يستريح‭ ‬ولو‭ ‬بالموت‭ …‬

قــــاوم‭ ‬تعبـــــه‭ ‬وخــوفـــــه‭ ‬ومشاعره‭ ‬الممزقة‭ ‬كلها،‭ ‬وتخلص‭ ‬من‭ ‬احباطه‭ ‬ويأسه‭ ‬وراح‭ ‬يواصل الصعود‭. ‬زاد‭ ‬ثقل‭ ‬الحقيبة‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يحملها‭ ‬على‭ ‬ظهره‭.‬خيّل‭ ‬اليه‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬بداخلها‭.‬

تنبه‭ ‬للساعة‭ ‬التى‭ ‬بيده‭ ‬اليسرى‭. ‬حدّق‭ ‬فيها،‭ ‬فرأى‭ ‬بهـــا‭ ‬عقـــربـــا‭ ‬واحـــدا‭ ‬يـــدور‭ ‬بسرعة‭ ‬كبيرة‭.‬

حملق‭ ‬فى‭ ‬الســاعة‭ ‬فلم‭ ‬يربها‭ ‬أية‭ ‬أرقام‭. ‬فك‭ ‬سوارها‭ ‬المعدنى‭ ‬البـــــارد‭ ‬عن‭ ‬معصمه،‭ ‬ورمى‭ ‬بهـــا‭ ‬الى‭ ‬أسفل‭ ‬السلم‭. ‬وقف‭ ‬ســـاكنـــا،‭ ‬وبعد‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬سمع‭ ‬صوت‭ ‬ارتطامها‭ ‬المكتوم‭ ‬بالأرض‭. ‬عندمـــا‭ ‬حســـب‭ ‬الوقـــت‭ ‬بيـــــن‭ ‬رمى‭ ‬الساعة‭ ‬وسماع‭ ‬صوت‭ ‬ارتطامها،‭ ‬عرف‭ ‬أنه‭ ‬قد صعـــد‭ ‬جـــزءا‭ ‬كـــبـــيـــرا‭ ‬مـــن‭ ‬الســــــلم‭ …‬

أحكـــم‭ ‬ربط‭ ‬الحقيبة‭ ‬الثقيلة‭ ‬على‭ ‬ظهره‭. ‬أمسـك‭ ‬بالحاجز‭ ‬الحديدى‭ ‬للسلم‭ ‬بكلتا‭ ‬يـــديــه‭ ‬وبكل‭ ‬مـــا‭     ‬بقى‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬قوة‭. ‬راح‭ ‬يصعد‭ ‬السلم‭ ‬الحلزونى‭ ‬الضيق‭ ‬والمظلم،‭ ‬والذى‭ ‬لا‭ ‬يـــرى‭ ‬نهايتـــه،‭ ‬بكل

عزم‭ ‬واصرار‭. ‬قال‭ ‬لنفســـه‭:‬ لابـد‭ ‬أن‭ ‬أصـــل‭ ‬الى‭ ‬نهـــايـــة‭ ‬هذا‭ ‬السلم‭ ‬الغامـــض‭ ‬والعجيب‭ ‬لكـــى يخـــفـــف‭ ‬عـــن‭ ‬نفســــــه،ويضـــاعـــف‭ ‬مــــــن‭ ‬عزيمته،‭ ‬راح‭ ‬يـــدنـــدن‭ ‬مـــرددا‭ ‬بنغمـــة‭ ‬متكررة‭:‬

حتما‭ ‬ولا‭ ‬بـــد‭ … ‬حتما‭ ‬ولا‭ ‬بد‭…‬حتما‭…‬ولا‭…‬بد‭…‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى