كانت درجة الحرارة قد تخطت الثلاثين في تلك البقعة من المنطقة الحدودية حينما قال ياسين وهو يبتلع ريقه بصعوبة : " كم أشتاق إلى كوب من مشروب التمر الهندي المثلج الذي تعده أمك خصيصاً لنا يا روماني! ذكِّرني أن أطلب منها تعليم خطيبتي خديجة كيفية عمله". رد عليه روماني: " هذا ما تفعله أمي كل رمضان أما نحن فلا نرى منكم شيئاً !". قالها مازحاً وهو يتحسس سلسلته الذهبية المختبئة خلف زيه العسكري، فأجابه ياسين بغضب مصطنع: " وهل نسيت صواني الكنافة التي تعدها أمي، لقد اعتدت أن تلتهم معظم هذه الصواني بمفردك أيها الشَرِه! ". هذا الشَرِه يصوم معك كل عام! انظر إليَّ إنني لم أضع شيئاً في فمي منذ وجبة السحور الهزيلة التي تناولتها. أليس هذا غريباَ! مسيحي يصوم رمضان! والأغرب أنني سوف أفطر بأكل نباتي .هل نسيت أننا في صيام الرسل هذا يعني أنني لن أتمكن من أكـ .........!". قاطعهما فجأة صوت إنفجار في أول الكمين. كان إنفجاراً مدوياً لم يشاهدا مثله من قبل، ومع ذلك ،في سرعة، راحا ينفذان الخطة التي تدربا عليها وانتشرا مع باقي الجنود في نصف دائرة حول الكمين. استمرت المعركة قرابة الساعة والربع أطلق خلالها روماني عشرات الطلقات الصائبة بينما اخترقت ساقه اليمنى خمس رصاصات فوقع على الأرض حاضناً سلاحه. اتجه نحوه اثنان من الإرهاببين محاوليين أسره حياً لكن ياسين ظهر فجأه و أمطرهما برصاص سلاحه الآلي وأوقعهما قتيلين وحمل روماني على كتفيه محاولاً الإحتماء بالسور الشرقي للكمين. وهنا وقع الإنفجار الثاني! كانت جنازة عسكرية مهيبة تقدمها المحافظ والقيادات الشعبية والتنفيذية ومندوب عن السيد الرئيس. بذل شيخ الأوقاف و أسقف الإيبارشية الشاب جهداً كبيراً في تعزية أهل القرية وألقى مبعوث قداسة البابا عظة رائعة في صوان العزاء المشترك عن سيدتنا "مريم العذراء" التى اصطفاها الله واحتملت المصاعب في صمت ضاربة لنا مثالاً نحتزي به جميعاً في الصبر على الشدائد. روى قائد المنطقة العسكرية كيف هرب الإرهابيون دون أن يتمكنوا من القبض على أسير واحد.. روى كيف قال ياسين قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة : " لا يمكن أن أتركك يا روماني لهؤلاء الجبناء!...إنها عشرة عمر! "... روى كيف وجدوا جثة روماني وعلى وجهه ابتسامة ممسكاً يد ياسين بيمناه ويده اليسرى قابضة على سلسلة ذهبية. الآن إذا ذهبت إلى قرية الشهداء القابعة فوق الجبل و مررت من الأزقة الضيقة ستشتم رائحة تاريخ مصر العتيق. ستكون محظوظاً إن تمكنت من زيارة منزل ياسين. إذا حدث ذلك إحرص أن تطلب من أم ياسين أن تريك سلسلة روماني التي تحتفظ بها! أتحداك أن تميز بين بقع الدماء على السلسلة، هل هي لياسين أم لروماني؟! مهلاً، قد تكون محظوظاً أكثر إن وجدت أم روماني هناك! أؤكد لك أنك ستستمتع بكوب من التمر الهندي الذي لن تنسى مذاقه أبداً ..فهو ممزوج بماء المحبة المحبة الحقيقية التي لن تسقط أبداً... أبداً!.