فادى يوسف

وضوح البيان فى ازدراء الأديان

بقلم/ فادى يوسف

جريمة‭ ‬ازدراء‭ ‬الأديان‭ ‬أو‭ ‬استغلال‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬الترويج‭ ‬لأفكار‭ ‬متطرفة‭ ‬المقصود‭ ‬بها‭ ‬القيام‭ ‬باستخدام‭ ‬الدين‭ ‬بأي‭ ‬وسيلة‭ ‬كانت‭ ‬مثل‭ ‬الكتابة‭ ‬،‭ ‬التصوير‭ ‬،‭ ‬النشر‭ ‬،‭ ‬القول‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬العلانية‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬أفكار‭ ‬متطرفة‭ ‬بهدف‭ ‬إثارة‭ ‬الفتنة‭ ‬أو‭ ‬الإساءة‭ ‬لأحد‭ ‬الأديان‭ ‬السماوية‭ ‬أو‭ ‬لمعتنقيه‭ ‬بهدف‭ ‬الإضرار‭ ‬بسلام‭ ‬المجتمع‭ ‬ووحدته‭ ‬الوطنية.

فـــــــى‭ ‬مصـــــــــر‭ ‬

حينما‭ ‬وضع‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬محمد‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬المادة‭ (‬98‭/ ‬و‭) ‬من‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬وهى‭ ‬تعد‭ ‬مادة‭ ‬سلطوية‭ ‬مطاطة‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬يفكر‭ ‬أنها‭ ‬الوسيلة‭ ‬القانوينة‭ ‬الوحيدة‭ ‬للقبض‭ ‬على‭ ‬الإسلاميين‭ ‬والسيطرة‭ ‬عليهم‭ ‬باليد‭ ‬العليا‭ ‬للقانون‭ ‬خاصة‭ ‬أنها‭ ‬وضعت‭ ‬عقب‭ ‬أحداث‭ ‬الزاوية‭ ‬الحمراء‭ ‬يونيو‭ ‬1981‭ ‬التى‭ ‬راح‭ ‬ضحيتها‭ ‬حوالى‭ ‬81‭ ‬قبطياً‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬مسلمين،‭ ‬وتم‭ ‬إحراق‭ ‬منازلهم‭ ‬وبعض‭ ‬المحال،‭ ‬بتعمد‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬المصرى‭ ‬لتضخيم‭ ‬الحدث‭ ‬ليستغل‭ ‬لفرض‭ ‬قوانين‭ ‬استثنائية‭ ‬ما‭ ‬فسر‭ ‬وقتها‭ ‬بالحل‭ ‬السياسى‭ ‬للأزمة‭ ‬وبالفعل‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬مادة‭ ‬سلطوية‭ ‬عرفت‭ ‬بقانون‭ ‬إزدراء‭ ‬الأديان‭ ‬والتى‭ ‬تنص‭ ‬بالحبس‭ ‬أو‭ ‬الغرامة‭ ‬لمن‭ ‬يرتكب‭ ‬فعلاً‭ ‬يسبب‭ ‬إزدراء‭ ‬وتحقيرا‭ ‬للأديان‭ ‬كما‭ ‬تحاكم‭ ‬من‭ ‬يروج‭ ‬لأفكار‭ ‬متطرفة‭ ‬وكذلك‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يقدم‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬فيه‭ ‬تدنيس‭ ‬لدور‭ ‬العبادة‭! ‬وأصبحت‭ ‬تلك‭ ‬المادة‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬هى‭ ‬الأشهر‭ ‬فى‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬وبسبب‭ ‬مادة‭ ‬انتقامية‭ ‬غشومة‭ ‬تم‭ ‬جرجرة‭ ‬عشرات‭ ‬الباحثين‭ ‬و‭ ‬الأدباء‭ ‬و‭ ‬المفكرين‭ ‬والايرياء‭ ‬من‭ ‬البسطاء‭ ‬الى‭ ‬ساحات‭ ‬المحاكم‭ ‬و‭ ‬صدرت‭ ‬ضد‭ ‬بعضهم‭ ‬احكاما‭ ‬نهائية‭ ‬بالسجن‭ ‬بالفعل‭ !‬

وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬قائمة‭ ‬الضحايا‭ ‬وحقيقة‭ ‬قيمتهم‭ ‬المعرفية‭ ‬و‭ ‬الأدبية‭ ‬،‭ ‬فمن‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬التى‭ ‬تتخذها‭ ‬السلطة‭ ‬وسيلة‭ ‬للتنكيل‭ ‬بخصومها‭ ‬جاءت‭ ‬صياغتها‭ ‬شديدة‭ ‬العمومية‭ ‬و‭ ‬تتسم‭ ‬بالطابع‭ ‬الواسع‭ ‬الفضفاض‭ ‬فإذا‭ ‬انتقدت‭ ‬الخطاب‭ ‬الدينى‭ ‬لمشايخ‭ ‬السلفية‭ ‬فأنت‭ ‬تزدري‭ ‬الأديان‭ ‬و‭ ‬إذا‭ ‬اعترضت‭ ‬على‭ ‬فتوى‭ ‬عنصرية‭ ‬لابن‭ ‬تيمية‭ ‬فأنت‭ ‬تزدرى‭ ‬الأديان‭ ‬و‭ ‬إذا‭ ‬قلت‭ ‬أن‭ ‬التراث‭ ‬الفقهى‭ ‬الاسلامى‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬ثورة‭ ‬تصحيح‭ ‬و‭ ‬مراجعة‭ ‬لأن‭ ‬داعش‭ ‬و‭ ‬أخواتها‭ ‬يتخذون‭ ‬منه‭ ‬مبررا‭ ‬للذبح‭ ‬فأنت‭ ‬تزدري‭ ‬الأديان‭ !‬

إذن‭ ‬الموضوع‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بالاساءة‭ ‬للأديان‭ ‬فعلا‭ ‬و‭ ‬لكنه‭ ‬سيف‭ ‬يشهره‭ ‬بعض‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬منتقديهم‭ ‬باعتبار‭ ‬أنهم‭ ‬يمثلون‭ ‬الإسلام‭ ‬وظل‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬أرضه‭ ‬و‭ ‬انتقادهم‭ ‬يعد‭ ‬عدوانا‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬يتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬سوى‭ ‬محام‭ ‬غاوي‭ ‬شهرة‭ ‬يحرك‭ ‬دعوى‭ ‬قضائية‭ ‬بسبب‭ ‬مشهد‭ ‬عابر‭ ‬بفيلم‭ ‬أو‭ ‬جملة‭ ‬حوارية‭ ‬مقتطعة‭ ‬من‭ ‬سياقها‭ ‬برواية‭ ‬فتقوم‭ ‬الدنيا‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬تقعد‭ ‬و‭ ‬يضمن‭ ‬السيد‭ ‬المحامى‭ ‬زيادة‭ ‬اتعابه‭ ‬عند‭ ‬الزبائن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬صورته‭ ‬تنشر‭ ‬بالصحف‭ ‬و‭ ‬يظهر‭ ‬ببرامج‭ ‬التوك‭ ‬شو‭ !‬

تعمدت‭ ‬السلطة‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬تعريف‭ ‬محدد‭ ‬قاطع‭ ‬لهذا‭ ‬الاتهام‭ ‬و‭ ‬آثرت‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬مفتوحا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الاحتمالات‭ ‬تاركة‭ ‬للقاضي‭ ‬و‭ ‬حده‭ ‬تقدير‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬ازدراء‭ ‬أم‭ ‬ممارسة‭ ‬لحق‭ ‬النقد‭ ‬و‭ ‬حرية‭ ‬التعبير.‭ ‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬لهذه‭ ‬المادة‭ ‬المعيبة‭ ‬أصل‭ ‬ضعيف‭ ‬وغامض‭ ‬يطل‭ ‬على‭ ‬استحياء‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬المصري‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭ ‬سامحه‭ ‬الله‭ ‬و‭ ‬أجرى‭ ‬عليها‭ ‬تعديلات‭ ‬تؤكد‭ ‬شرعيتها‭ ‬و‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬عقوبتها‭ ‬و‭ ‬تمنحها‭ ‬الصياغة‭ ‬بشكلها‭ ‬الحالى‭ ‬فعل‭ ‬السادات‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬مغازلته‭ ‬لجماعات‭ ‬الاسلام‭ ‬السياسى‭ ‬و‭ ‬حبه‭ ‬المزعومة‭ ‬على‭ ‬الشيوعية‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬حربا‭ ‬على‭ ‬التيار‭ ‬الناصري‭ ‬و‭ ‬بضغوط‭ ‬من‭ ‬دوائر‭ ‬خليجية‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬غاضبة‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬الاقليمية‭ ‬لمصر‭ ‬الناصرية.

ازدراء‭ ‬الأديان‭ ‬هى‭ ‬تهمة‭ ‬تكشف‭ ‬في‭ ‬حقيقتها‭ ‬عن‭ ‬ازدراء‭ ‬مصر‭ ‬و‭ ‬تخرج‭ ‬لسانها‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يؤمن‭ ‬بالتنوير‭ ‬و‭ ‬التفكير‭ ‬الحر‭ ‬الخلاق‭ ‬هى‭ ‬ارهاب‭ ‬فكري‭ ‬مقنن‭ ‬و‭ ‬تهديد‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬منطق‭ ‬القطيع‭ ‬وهى‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬دستور‭ ‬ثورة‭ ‬الثلاين‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬الذي‭ ‬نباهى‭ ‬الدنيا‭ ‬برقى‭ ‬مواد‭ ‬الحريات‭ ‬العامة‭ ‬فيه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬حبرا‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬يتحول‭ ‬الى‭ ‬تشريعات‭ ‬قانونية‭ ‬بعد‭ ‬تنص‭ ‬المادة‭ ‬السبعة‭ ‬و‭ ‬الستين‭ ‬من‭ ‬دستور‭ ‬البلاد‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬“ حرية‭ ‬الابداع‭ ‬الأدبي‭ ‬و‭ ‬الفنى‭ ‬مكفولة‭ ‬و‭ ‬تلتزم‭ ‬الدولة‭ ‬بالنهوض‭ ‬بالفنون‭ ‬و‭ ‬الآداب‭ ‬و‭ ‬رعاية‭ ‬المبدعين‭ ‬و‭ ‬حماية‭ ‬ابداعاتهم‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬رفع‭ ‬أو‭ ‬تحريك‭ ‬الدعاوى‭ ‬لوقف‭ ‬أو‭ ‬مصادرة‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬و‭ ‬الأدبية‭ ‬و‭ ‬الفكرية‭ ‬أو‭ ‬ضد‭ ‬مبدعيها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬توقع‭ ‬عقوبة‭ ‬سالبة‭ ‬للحرية‭ ‬في‭ ‬الجرائم‭ ‬التى‭ ‬ترتكب‭ ‬بسبب‭ ‬علانية‭ ‬المنتج‭ ‬الفنى‭ ‬او‭ ‬الادبي‭ ‬او‭ ‬الفكري‭ ‬“

فـــى‭ ‬الــبــــلاد‭ ‬العــربــيــة‭ ‬

ويجمع‭ ‬عدة‭ ‬باحثين‭ ‬أن‭ ‬الحضور‭ ‬القوي‭ ‬لازدراء‭ ‬الأديان‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬القانونية‭ ‬للبلدان‭ ‬العربية‭ ‬راجع‭ ‬إلى‭ ‬رغبة‭ ‬بعض‭ ‬الأنظمة‭ ‬قمع‭ ‬الأصوات‭ ‬المعارضة‭ ‬لها‭ ‬خاصة‭ ‬القوى‭ ‬الحداثية‭ ‬التي‭ ‬تؤمن‭ ‬بالمرجعية‭ ‬الكونية‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ارتباط‭ ‬الحكم‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬بالدين‭ ‬باعتباره‭ ‬مرجعية‭ ‬للحكم‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬حماية‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬فيه‭ ‬حماية‭ ‬للحاكم‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬المساءلة.

ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬تطرح‭ ‬فكرة‭ ‬ازدراء‭ ‬الأديان‭ ‬إشكالا‭ ‬حقيقيا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بحرية‭ ‬الأفراد‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬معناها‭ ‬احترام‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنين‭ ‬الذين‭ ‬يعيش‭ ‬الشخص‭ ‬إلى‭ ‬جانبهم‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬معينة‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬التعريف‭ ‬لا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬باعتباره‭ ‬فكرة‭ ‬وإيديولوجيا‭ ‬وتراثا‭ ‬إنسانيا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفتح‭ ‬عليه‭ ‬أبواب‭ ‬النقد‭ ‬وحتى‭ ‬الإساءة‭ ‬لأن‭ ‬الدين‭ ‬ليست‭ ‬له‭ ‬حقوق‭ ‬وواجبات‭ ‬أو‭ ‬لديه‭ ‬مشاعر‭ ‬يخشى‭ ‬أن‭ ‬تمس‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الإساءة‭.‬

ولا‭ ‬تشجع‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تجرم‭ ‬ازدراء‭ ‬الأديان‭ ‬على‭ ‬تحرير‭ ‬العقل‭ ‬وتنمية‭ ‬قدرات‭ ‬النقد‭ ‬والابتكار‭ ‬إذ‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬الشخص‭ ‬في‭ ‬نقد‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المواضيع‭ ‬التي‭ ‬يتدخل‭ ‬فيها‭ ‬الدين‭ ‬والتي‭ ‬لها‭ ‬ارتباط‭ ‬وثيق‭ ‬بحياة‭ ‬ومصير‭ ‬الشخص‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬انتقاد‭ ‬فكرة‭ ‬الآخرة‭ ‬أو‭ ‬العذاب‭ ‬الإلهي‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬الخصوص.

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تتسابق‭ ‬فيه‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬بنود‭ ‬تجريم‭ ‬ازدراء‭ ‬الأديان‭ ‬في‭ ‬قوانينها،‭ ‬تسعى‭ ‬دول‭ ‬غربية‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬حذفها‭ ‬وأبرز‭ ‬نموذج‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬دولة‭ ‬الدنمارك‭ ‬التي‭ ‬ألغى‭ ‬برلمانها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بأغلبية‭ ‬ساحقة‭ ‬قانون‭ ‬ازدراء‭ ‬الأديان‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬لها‭ ‬ارتباط‭ ‬وثيق‭ ‬بالدين‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬شروط‭ ‬تقلد‭ ‬بعض‭ ‬المسؤوليات‭ ‬السياسية‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬إيمانها‭ ‬بحرية‭ ‬العقل‭ ‬في‭ ‬نقد‭ ‬جميع‭ ‬المواضيع‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬مقدسة.

للاسف‭ ‬تندرج‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬قوانين‭ ‬مكافحة‭ ‬ازدراء‭ ‬الأديان‭ ‬ضمن‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬وتوفر‭ ‬أداة‭ ‬مثالية‭ ‬يستخدمها‭ ‬المتطرفون‭ ‬في‭ ‬تبرير‭ ‬هجماتهم‭ ‬الإرهابية‭ ‬وعنفهم‭ ‬اللفظي‭ ‬والجسدي‭ ‬وترويع‭ ‬من‭ ‬يختلف‭ ‬معهم‭ ‬باسم‭ ‬حماية‭ ‬الدين‭ ‬وهذه‭ ‬الحالات‭ ‬أكثر‭ ‬انتشارا‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬كالسعودية‭ ‬والسودان‭ ‬ومصر‭ ‬وإيران.

قوانين‭ ‬تجريم‭ ‬ازدراء‭ ‬الأديان‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬فضفاضة‭ ‬ولا‭ ‬توفر‭ ‬تعريفا‭ ‬واضحا‭ ‬ومحددا‭ ‬لما‭ ‬قد‭ ‬يعد‭ ‬ازدراء‭ ‬للدين‭ ‬وبالتالي‭ ‬تترك‭ ‬هامشا‭ ‬كبيرا‭ ‬للتفسيرات‭ ‬والاجتهادات‭ ‬الفردية.

تتعارض‭ ‬قوانين‭ ‬تجريم‭ ‬الازدراء‭ ‬مع‭ ‬فهمنا‭ ‬المعاصر‭ ‬لمبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وحرية‭ ‬التعبير‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬بقبول‭ ‬دولي‭ ‬واسع‭ ‬تلك‭ ‬المبادئ‭ ‬التي‭ ‬يتشارك‭ ‬فيها‭ ‬البشر‭ ‬كافة‭ ‬ويقدسها‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان.

إن‭ ‬مواثيق‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬تحمي‭ ‬حق‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬التديّن‭ ‬وحرية‭ ‬الضمير‭ ‬وفي‭ ‬الحماية‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬والتشهير‭ ‬والتمييز‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تحمي‭ ‬الأديان‭ ‬أو‭ ‬المعتقدات‭ ‬والأفكار‭ ‬بكل‭ ‬أنواعها‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬أو‭ ‬السخرية‭ ‬أو‭ ‬الإساءة‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬الحرية‭ ‬سداح‭ ‬مداح‭ ‬فالقانون‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬بحرية‭ ‬الاستفزاز‭ ‬ونقد‭ ‬المقدسات‭ ‬يجرم‭ ‬ويعاقب‭ ‬على‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية‭ ‬والعنصرية‭ ‬والتمييز‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬الحالات‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تقيد‭ ‬فيها‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬بأمر‭ ‬قضائي‭ ‬محدود.

من‭ ‬المهم‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬تتم‭ ‬إزالة‭ ‬هذه‭ ‬القوانين‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬تعديلها‭ ‬بما‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تهدد‭ ‬الأمن‭ ‬العالمي‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬وحدة‭ ‬المجتمعات‭ ‬وتماسكها‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تطبقها.

يا‭ ‬سادة‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬من‭ ‬يمارس‭ ‬فكرة‭ ‬ازدراء‭ ‬الأديان‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الأديان‭ ‬ذاتها‭. ‬فكل‭ ‬دين‭ ‬يرى‭ ‬نفسه‭ ‬الدين‭ ‬الصحيح‭ ‬ويرى‭ ‬بقية‭ ‬الأديان‭ ‬محرفة‭ ‬وباطلة‭ ‬ومثيرة‭ ‬للسخرية‭ ‬ولو‭ ‬طبقنا‭ ‬قاعدة‭ ‬ازدراء‭ ‬الأديان‭ ‬فإن‭ ‬الضحية‭ ‬الأولى‭ ‬ستكون‭ ‬العقائد‭ ‬الدينية‭ ‬ذاتها‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى