أخذ حبيبات من العدس و أدخلها في كيس ورقي ثم وضعها في آلية على الميزان الصدئ و هو يقول :" أنتِ قلقة على “فوقية”. أستطيع أن أفهم ذلك. لكن، لماذا لا تجدي لها إبن الحلال ؟ " - أجابته في يأس: " و هل يوجد من يرغب بالزواج في هذه القرية. من يستطيع أن يتحمل نفقات الزواج؟ من سيدفع المهر؟ كلهم معدمون! لقد تعبت من "أم سليم" الخاطبة و لكم زرت الكثير من الشيوخ لكن دون جدوى". - لمعت عيناه و قال : شيوخ! .... و هل ذهبتي أيضاً إلى الشيخ "فتحي"؟ - الشيخ فتحي من؟ شيخ الكُتَّاب؟!. - نعم إنه رجل مبروك. لكنه يعمل في الخفاء. يخدم محبيه فقط! - الشيخ " فتحي "؟! هل أنت متأكد؟! - نعم، الشيخ فتحي". إنه رجل مبروك و له كرامات! هل تتذكري كيف ضعفت أذني و لم أعد أستطيع السمع. لقد ذهبت إلى الوحدة الصحية و لم يعرفوا سبب ذلك. لكن عندما ذهبت الشيخ إلى الشيخ "فتحي"، وضع يده المبروكة على رأسي و أنهي الموضوع في خمس دقائق و صرت أسمع أفضل مما قبل، حتى أنني أستطيع الآن سماع زوجتى الأولى و هي تدعوا على ضُرَّتها عند صلاة الفجر. و بالرغم من أنه يعمل في الخفاء لوجه الله تعالى إلا أنهم يأتونه من المشارق و من المغارب. هل تعلمي؟ بالأمس رأيت سيارة فارهة تحمل أرقام "الدقهلية" تتوقف أمام منزله. لقد رأيت بأم عيني كيف نزل منها ناس أكابر و معهم فتاة جميلة بيضاء كنساء الخواجات. لقد وصل صيته إلى البندر. و الله العظيم لقد رفع رأس بلدنا. ألا تصدقينني؟!. - ردت في خجل:" من قال أنني لا أصدقك؟ إنني فقط متعجبة، فأنا أعلم أن الشيخ "فتحي" لا يهمه سوى ملئ بطنه بالطعام و الحلوى" . - إشاعات، بلد كلها إشاعات! هذا الرجل زاهد لكنه يحب أن يخفي كراماته. - غريبة، عموماً أنا لم أتحدث إليه قبلاً قط. لكن يبدو أنه لا يوجد أمامي حل آخر. لقد ناهزت فوقية إبنتي الثلاثين و لم يطرق بابنا أي خُطَّاب. و قد تزوج كل من في عمرها حتى سناء إبنة العمدة تزوجت و أنجبت طفلين و هي أصغر من فوقية بثلاث سنوات ". - إبتسم في ثقة وقال:" أعلم ذلك جيداً فلقد كنت أنا من شجع العمدة على الذهاب إلي الشيخ "فتحي" و بعد زيارته تقدم خمسة رجال في نفس الأسبوع للزواج من إبنته. لكن، إسمعي، هذا الرجل لديه مصروفات كبيرة و يجب أن تدفعي له في الحال، إنه ليس مثلي، فهو لا يقبل تقديم خدماته بالأجل. جهزي ثلاثة آلاف جنيه و إذهبي إليه في الحال". صرخت في حدة: " ثلاثة آلاف؟! لماذا؟". قاطعها قبل أن تسترسل:" هو يأخذ عادة خمسة آلاف لكن أعتقد أنه سيخفض لكِ المبلغ عندما يعلم بحالك. وأنا أؤكد لكِ أنه لن يمر الأسبوع إلا و ابنتك في بيت زوجها، بل وسيرجع لك ما دفعتيه للشيخ "فتحي" عن طريق المهر الذي سيقدمه العريس لإبنتك". أخذت كيس العدس و خرجت مسرعة قائلة: "على الحساب". و للتو باعت أم فوقية آخر قراط ذهبي في خزانتها و إستدانت ألف جنيه من جارتها " سميحة " و استجمعت شجاعتها و ذهبت إلى منزل الشيخ "فتحي" في طرف القرية بعد المغرب. حينما دخلت و ضعت أمامه النقود و وضعت وجهها في الأرض. حك ذقنه قائلاً:" إقتربي يا "أم فوقية" أهلاً و سهلاً!". - كيف عرفت إسمي ؟! أنت لم ترني من قبل، بركاتك يا مولانا! - إقتربي يا بنيتي، لا تخافي . أم أن العدس الذي أكلتيه اليوم يكبس على أنفاسك؟ - و أيضاً عرفت ماذا أكلت؟! بركاتك يا مولانا! - مولاكي حزين و غاضب منك. كيف لكِ يا إمرأة أن تركبي القطار و تذهبي إلى الشيخ "البنداري" في القرية المجاورة. أكون أنا موجوداً في البلدة و أنت تسافرين لشيوخ خارج البلد. صحيح الشيخ البعيد سره باتع ...! و أخذ يضحك ضحكات إهتز لها كرشه الضخم. - يبدو فعلاً أنك صاحب كرامات. كيف عرفت؟! و الله يا مولانا الشيخ "البنداري" هذا نصاب. أخذ الأموال و لم يفعل شيئاً. البركة فيك يا مولانا! - طبعاً أتيتي لأجل زواج إبنتك. ألم تعرضيها أكثر من مرة على "سمير" البقال؟ حتى في آخر مرة قلتي له أنك تريدين ثلاثة آلاف جنيه فقط كمهر لها! ألا تتذكرىن؟ يوم إشتريتي منه علبتين من السلمون على الحساب. - حتى هذه عرفتها! بركاتك يا مولانا! أنا تحت أمرك، ماذا تريدني ان افعل؟ في ذات الليلة خرج من منزل الشيخ "فتحي" "حمدي أفندي" ناظر المحطة و "سمير البقال" و في يد كل منهما كيس كبير من الفول! و بعد أسبوع .... صارت "فوقية" الزوجة الثالثة لفهمي تاجر البقول، بائع الفول و العدس، بعدما دفع لأمها ثلاثة آلاف جنيه مهراً لها!