فادى يوسف

خلقتنى أنسان كمحب للبشر

بقلم/ فادى يوسف

فى‭ ‬البدء‭ ‬أحب‭ ‬الله‭ ‬العالم‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يخلق‭ ‬الإنسان‭ ‬خلق‭ ‬له‭ ‬كل‭ ‬شئ‭ ‬لانه‭ ‬أحبه‭ ‬وخلق‭ ‬داخل‭ ‬الإنسان‭ ‬مشاعر‭ ‬حب‭ ‬لكل‭ ‬البشر‭ ‬ولكنه‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تغير‭ ‬سلوكه‭ ‬وأحدث‭ ‬أول‭ ‬جريمة‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬وهى‭ ‬قتل‭ ‬الاخ‭ ‬لأخيه‭ ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬والحب‭ ‬فى‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬الكراهية‭ ‬ولمن‭ ‬الانتصار‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعلم‭.‬

يعتبر‭ ‬الحب‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬الحياة‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬العيش‭ ‬دون‭ ‬وجودها‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬حيث‭ ‬ستتحول‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬غابة‭ ‬كبيرة‭ ‬تحكمها‭ ‬السيطرة‭ ‬والظلم‭ ‬والمصالح‭ ‬الشخصية‭ ‬لذلك‭ ‬يعد‭ ‬الحب‭ ‬من‭ ‬أسمى‭ ‬المشاعر‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحلى‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬فهو‭ ‬هدية‭ ‬ربانية‭ ‬لا‭ ‬تقدر‭ ‬بثمن‭.‬

‮ ‬وأبدع‭ ‬الفلاسفة‭ ‬فى‭ ‬وصف‭ ‬الحب‭ ‬فقيل‭ ‬أنه‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬كلمة‭ ‬غير‭ ‬مرتبطة‭ ‬بشيء‭ ‬حقيقي‭ ‬أو‭ ‬محسوس‭ ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬شى‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إدراكه‭ ‬بالعقل‭ ‬أو‭ ‬شرحه‭ ‬بالمنطق‭ ‬وإن‭ ‬الحب‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬يظهر‭ ‬بشخصيته‭ ‬الحقيقية‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬فلسفة‭ ‬الحب‭ ‬عند‭ ‬الإغريق‭ ‬حيث‭ ‬كانوا‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬الحب‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬الدعامات‭ ‬الأساسية‭ ‬للفلسفة‭ ‬وشرعوا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬النظريات‭ ‬المتعددة‭ ‬التي‭ ‬طورت‭ ‬الحب‭ ‬من‭ ‬مفهومه‭ ‬المادي‭ ‬إلى‭ ‬مفهومه‭ ‬الروحي‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬سماته‭ ‬مروراً‭ ‬بكون‭ ‬الحب‭ ‬صفة‭ ‬أساسية‭ ‬وجينية‭ ‬تظهر‭ ‬آثارها‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ ‬أما‭ ‬الفيلسوف‭ ‬أفلاطون‭ ‬قال‭ ‬أن‭ ‬الحب‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬المشاعر‭ ‬والأحاسيس‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الرغبة‭ ‬الحيوانية‭ ‬وقد‭ ‬عبر‭ ‬أفلاطون‭ ‬عن‭ ‬الشخص‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬الحب‭ ‬بأنه‭ ‬نصف‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬نصفه‭ ‬الآخر‭ ‬كما‭ ‬رأى‭ ‬أن‭ ‬الحب‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬وسيلة‭ ‬للخلاص‭ ‬فهو‭ ‬الطريق‭ ‬نحو‭ ‬التحرر‭ ‬الفكري‭ ‬والعاطفي‭ ‬الذي‭ ‬يقود‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬حريته‭.‬

والحب‭ ‬أنواع‭ ‬وأشكال‭ ‬ودرجات‭ ‬تختلف‭ ‬باختلاف‭ ‬الطبيعة‭ ‬السيكولوجية‭ ‬للإنسان‭ ‬ومنها‭ ‬الحب‭ ‬العاطفى‭ ‬فأذا‭ ‬كان‭ ‬العالم‭ ‬المعاصر‭ ‬يحتفى‭ ‬بأسمى‭ ‬وأرق‭ ‬عاطفة‭ ‬إنسانية‭ ‬وجعل‭ ‬لها‭ ‬عيدا‭ ‬وهو‭ ‬عيد‭ ‬الحب‭ ‬فإن‭ ‬المصريين‭ ‬القدماء‭ ‬عرفوا‭ ‬تلك‭ ‬العاطفة‭ ‬السامية‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬موضوعا‭ ‬دارت‭ ‬حوله‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاساطير‭.‬

كانت‭ ‬ألفاظ‭ ‬الحبيب‭ ‬والمحبوبة‭ ‬تجرى‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬قدماء‭ ‬المصريين‭ ‬وتعد‭ ‬قصة‭ ‬الحب‭ ‬الاسطورية‭ ‬الخالدة‭ ‬بين‭ ‬إيزيس‭ ‬وأوزوريس‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬القصص‭ ‬حيث‭ ‬أحبت‭ ‬إيزيس‭ ‬زوجها‭ ‬حبا‭ ‬قويا‭ ‬واخلصت‭ ‬له‭ ‬وجمعت‭ ‬أشلائه‭ ‬من‭ ‬النيل‭ ‬وهناك‭ ‬أيضا‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬نفرتيتى‭ ‬لزوجها‭ ‬إخناتون‭ ‬فنحن‭ ‬من‭ ‬عرفنا‭ ‬الحب‭ ‬فى‭ ‬أول‭ ‬حضارة‭ ‬للتاريخ‭ ‬وتعلم‭ ‬منا‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ ‬معنى‭ ‬وقيم‭ ‬الحب‭ ‬بكل‭ ‬أنواعه‭.‬

وهناك‭ ‬أيضا‭ ‬نوع‭ ‬مميز‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬وهو‭ ‬حب‭ ‬الصداقة‭ ‬ويفسر‭ ‬بكونه‭ ‬علاقة‭ ‬حسن‭ ‬النية‭ ‬المشتركة‭ ‬ويعتقد‭ ‬العلامة‭ ‬أرسطو‭ ‬بأن‭ ‬الشخص‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحسن‭ ‬الظن‭ ‬لشخص‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬حالات‭: ‬شخص‭ ‬صالح‭ ‬ولطيف‭ ‬والأهم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬طيب‭ ‬والصداقات‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬على‭ ‬خير‭ ‬تدوم‭ ‬ليس‭ ‬لأجل‭ ‬المنفعة‭ ‬المتبادلة‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬لبناء‭ ‬الثقة‭ ‬وحسن‭ ‬الصحبة‭ ‬أيضاً‭ ‬يطمح‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الحقيقيون‭ ‬للعيش‭ ‬معًا‭ ‬بعلاقة‭ ‬مخلصة‭ ‬يتعرفوا‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬بعضهم‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬يتشاركون‭ ‬آمالهم‭ ‬ويصارحون‭ ‬بعضهم‭ ‬في‭ ‬عيوبهم‭ ‬فهم‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬سيكونون‭ ‬بمثابة‭ ‬العلاج‭ ‬النفسي‭ ‬لبعضهم‭ ‬البعض‭.‬

وهناك‭ ‬أيضا‭ ‬الحب‭ ‬الاسرى‭ ‬أو‭ ‬العائلى‭ ‬وهو‭ ‬نوع‭ ‬مختلف‭ ‬من‭ ‬فيليا‭ ‬متعلق‭ ‬بالحب‭ ‬بين‭ ‬الآباء‭ ‬وأبنائهم‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬الأطفال‭ ‬الأصغر‭ ‬سنًا‭ ‬فتكون‭ ‬مشاعر‭ ‬حب‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬متماثلة‭ ‬وبصورة‭ ‬عامة‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬معزز‭ ‬بالألفة‭ ‬أو‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭.‬

وأخطرهم‭ ‬حب‭ ‬الذات‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالانانية‭ ‬يتصف‭ ‬به‭ ‬أناس‭ ‬يضعون‭ ‬مصالحهم‭ ‬الشخصية‭ ‬فوق‭ ‬المصلحة‭ ‬العظمى‭ ‬وشعور‭ ‬المرء‭ ‬بمكانته‭ ‬أو‭ ‬قدراته‭ ‬أو‭ ‬إنجازاته‭ ‬فيتحول‭ ‬طاقة‭ ‬الحب‭ ‬لديه‭ ‬إلى‭ ‬نرجسيه‭ ‬مفرطة‭. ‬

وختاما‭ ‬أعظمهم‭ ‬حب‭ ‬الله‭ ‬هو‭ ‬وأرقى‭ ‬وأنقى‭ ‬أنواع‭ ‬الحب‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬يبنى‭ ‬على‭ ‬الإحساس‭ ‬بوجود‭ ‬الله‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭ ‬وهذا‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬حب‭ ‬الخير‭ ‬للآخرين‭ ‬والدعوة‭ ‬لهم‭ ‬بالطيب‭ ‬والأمن‭ ‬والسلام‭ ‬وراحة‭ ‬البال‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تربطنا‭ ‬بهم‭ ‬أي‭ ‬روابط‭ ‬شخصية‭ ‬فالله‭ ‬خلقنا‭ ‬محبين‭ ‬للبشر‭ ‬بكافة‭ ‬أجناسهم‭ ‬وأعراقهم‭ ‬والالوانهم‭ ‬وعقائدهم‭ ‬وفى‭ ‬كل‭ ‬الاديان‭ ‬تجد‭ ‬الحب‭ ‬سمه‭ ‬أساسية‭ ‬فى‭ ‬ركائز‭ ‬الدين‭ ‬ومنحه‭ ‬سماوية‭ ‬غرزها‭ ‬الله‭ ‬فى‭ ‬قلوب‭ ‬البشر‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬حافظ‭ ‬عليها‭ ‬وربح‭ ‬منها‭ ‬نفوس‭ ‬أخرى‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬لفظها‭ ‬وصارت‭ ‬لهم‭ ‬عدوات‭ ‬وقساوة‭ ‬قلب‭. ‬

أذا‭ ‬كانت‭ ‬محبة‭ ‬المال‭ ‬أصل‭ ‬كل‭ ‬الشرور‭ ‬فالمحبة‭ ‬فقط‭ ‬أصل‭ ‬كل‭ ‬الخير‭ ‬ومن‭ ‬يحب‭ ‬يشعر‭ ‬بأنه‭ ‬يسمو‭ ‬ويرتقى‭ ‬نفسيا‭ ‬وعقليا‭ ‬تتجه‭ ‬بوصلة‭ ‬ضميره‭ ‬إلى‭ ‬تمنى‭ ‬الخير‭ ‬لكل‭ ‬البشر‭ ‬ويطبع‭ ‬بصمة‭ ‬فى‭ ‬قلوب‭ ‬الجميع‭ ‬فيؤثر‭ ‬بداخلهم‭ ‬أيجابيا‭ ‬ويرد‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬أجلا‭ ‬أو‭ ‬عاجلا‭ ‬فقد‭ ‬تولد‭ ‬السعادة‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬الغير‭ ‬ويولد‭ ‬الشقاء‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬الذات‭.‬

‮ ‬حقا‭ ‬الحياة‭ ‬تعلمك‭ ‬الحب‭ ‬والتجارب‭ ‬تعلمك‭ ‬من‭ ‬تحب‭ ‬والمواقف‭ ‬تعلمك‭ ‬من‭ ‬يحبك‭ ‬فقد‭ ‬خلقنا‭ ‬الله‭ ‬بقلوب‭ ‬لحمية‭ ‬تشعر‭ ‬بكل‭ ‬من‭ ‬حولها‭ ‬وتتولد‭ ‬الرحمة‭ ‬والمودة‭ ‬فتنشئ‭ ‬سلوك‭ ‬وأسلوب‭ ‬حياة‭ ‬ومع‭ ‬تجارب‭ ‬الحياة‭ ‬تتجه‭ ‬تلك‭ ‬القلوب‭ ‬الى‭ ‬من‭ ‬تحبه‭ ‬بشكل‭ ‬عفوي‭ ‬لا‭ ‬ارداى‭ ‬ومن‭ ‬المواقف‭ ‬تتعلم‭ ‬من‭ ‬يحبك‭ ‬حقا‭ ‬ومن‭ ‬كان‭ ‬يصطنع‭ ‬هذا‭ ‬الحب‭.‬

الله‭ ‬محبة‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الله‭ ‬فكل‭ ‬شى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬الحب‭ ‬وكل‭ ‬شخص‭ ‬مسؤل‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬هذا‭ ‬الحبفى‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البقاء‭ ‬والعيش‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬والأمم‭ ‬وبرغم‭ ‬ما‭ ‬تشهده‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬صراعات‭ ‬وحروب‭ ‬فهى‭ ‬حتما‭ ‬ستنتهى‭ ‬كما‭ ‬أنتهى‭ ‬ما‭ ‬قبلها‭ ‬وسيبقى‭ ‬الحب‭ ‬حئ‭ ‬فى‭ ‬نفوس‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬فالحب‭ ‬قدر‭ ‬وليس‭ ‬أختيار‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى