فادى يوسف

سلاماً لأهل القبط .. سلاماً لأهل مصـر ..

بقلم/ فادى يوسف

تعودت‭ ‬دايما‭ ‬فى‭ ‬تقديم‭ ‬وختام‭ ‬جميع‭ ‬حلقات‭ ‬برنامج‭ ‬أقباط‭ ‬مصر‭ ‬أن‭ ‬القى‭ ‬تحية‭ ‬لأهل‭ ‬القبط‭ ‬ولجميع‭ ‬أهل‭ ‬مصر‭ ‬أهل‭ ‬الخير‭ ‬والطيبة‭ ‬والاصل‭ ‬وأقول‭ ‬لهم‭ ‬سلاما‭ ‬لأهل‭ ‬القبط‭ ‬وسلاما‭ ‬لأهل‭ ‬مصر‭ ‬فحقا‭ ‬نطلب‭ ‬السلام‭ ‬لهذا‭ ‬الشعب‭ ‬العظيم‭ ‬المتلاحم‭ ‬الذى‭ ‬وبرغم‭ ‬مرورهم‭ ‬بعقود‭ ‬وعهود‭ ‬لم‭ ‬ينقسموا‭ ‬أو‭ ‬يتناحروا‭ ‬مثل‭ ‬مصير‭ ‬شعوب‭ ‬أخرى‭ ‬منها‭ ‬المجاورة‭ ‬لمصر‭ ‬ومنها‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬فى‭ ‬أقصى‭ ‬المسكونة‭ ‬فضاعوا‭ ‬وضاعت‭ ‬أرضهم‭ ‬ووطنهم.

بدراسة‭ ‬لتاريخ‭ ‬مصر‭ ‬تندهش‭ ‬أن‭ ‬ممالك‭ ‬وسلاطين‭ ‬وحكام‭ ‬حاولوا‭ ‬أن‭ ‬يفرضوا‭ ‬واقع‭ ‬تمييز‭ ‬بين‭ ‬نسيج‭ ‬الوطن‭ ‬الواحد‭ ‬ولم‭ ‬يستطيوا‭ ‬فتارة‭ ‬يفرضون‭ ‬زى‭ ‬معين‭ ‬وتارة‭ ‬يرسمون‭ ‬وشم‭ ‬محدد‭ ‬على‭ ‬الايدى‭ ‬وتارة‭ ‬يلزمون‭ ‬البعض‭ ‬بضرائب‭ ‬مثقلة‭ ‬ولكن‭ ‬تمر‭ ‬الأزمنة‭ ‬ويرحل‭ ‬هولاء‭ ‬الحكام‭ ‬وترحل‭ ‬معهم‭ ‬طرق‭ ‬تمييزهم‭ ‬وتصنيفهم‭ ‬الطائفى‭ ‬ويبقى‭ ‬الشعب‭ ‬المصرى‭ ‬متماسك‭ ‬مترابط‮ .‬

لست‭ ‬بحاجة‭ ‬لتحليل‭ ‬وتفسير‭ ‬معنى‭ ‬كلمة‭ ‬قبطى‭ ‬وأصلها‭ ‬وأن‭ ‬قبطى‭ ‬تعنى‭ ‬مصرى‭ ‬فتلك‭ ‬المسألة‭ ‬قتلت‭ ‬بحثا‭ ‬والكل‭ ‬يعلمها‭ ‬ولكن‭ ‬أنا‭ ‬وانتم‭ ‬بحاجة‭ ‬أن‭ ‬نؤكد‭ ‬اننا‭ ‬لا‭ ‬تجمعنا‭ ‬كلمة‭ ‬أو‭ ‬لقب‭ ‬بل‭ ‬يجمعنا‭ ‬وطن‭ ‬عظيم‭ ‬وعيش‭ ‬حر‭ ‬وتحدى‭ ‬مرهب‭ ‬فى‭ ‬بقاء‭ ‬الوطن‭ ‬كما‭ ‬تسلمنا‭ ‬من‭ ‬آبائنا‭ ‬لكى‭ ‬نسلمه‭ ‬الى‭ ‬أبنائنا‭ ‬ويتوارث‭ ‬لسنوات‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬سنوات‭ ‬ماضيه‭ ‬العريقة‮. ‬

نعم‭ ‬هناك‭ ‬أختلافات‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬خلافات‭ ‬نعم‭ ‬هناك‭ ‬متشددون‭ ‬ومتعصبون‭ ‬ومتذمتون‭ ‬لكن‭ ‬أيضا‭ ‬هناك‭ ‬حكماء‭ ‬وفهماء‭ ‬وأصحاب‭ ‬مبادئ‭ ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬نراهن‭ ‬عليهم‭ ‬فى‭ ‬ثبات‭ ‬وتلاحم‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬العريق‭ ‬وذاك‭ ‬الوطن‭ ‬المجيد‭ ‬ولعلنا‭ ‬نتذكر‭ ‬أن‭ ‬الحروب‭ ‬التى‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬مصر‭ ‬كانت‭ ‬خير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬ترابط‭ ‬الشعب‭ ‬المصرى‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يسجل‭ ‬التاريخ‭ ‬اى‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬حدثت‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬والمسيحيين‭ ‬فى‭ ‬طيلة‭ ‬الستة‭ ‬عشر‭ ‬قرنا‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يدرس‭ ‬للأطفال‭ ‬والكبار‮. ‬

ربما‭ ‬البعض‭ ‬يردد‭ ‬فى‭ ‬ذهنه‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬ماضى‭ ‬وأندثر‭ ‬والان‭ ‬قد‭ ‬أخترق‭ ‬الفكر‭ ‬المتشدد‭ ‬والذى‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬أعمال‭ ‬أرهابية‮ ‬‭ ‬ليفرض‭ ‬واقع‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬المصرى‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬ينكر‭ ‬أو‭ ‬يهمش‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬نسبته‭ ‬أو‭ ‬تقديره‭ ‬أمام‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمة‭ ‬التى‭ ‬مازالت‭ ‬متوارثة‭ ‬من‭ ‬أجدادنا‭ ‬قيم‭ ‬المحبة‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمى‭ ‬والمشاركة‭ ‬العادلة‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬مصر‭ ‬الغالية‭ ‬فأنا‭ ‬شخصيا‭ ‬تعايشت‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الروح‭ ‬فى‭ ‬ثورة‭ ‬يناير‭ ‬وثورة‭ ‬يونيو‭ ‬حيث‭ ‬أزاح‭ ‬الشعب‭ ‬بجميع‭ ‬طائفة‭ ‬طغاة‭ ‬الديكتاتورية‭ ‬وولاة‭ ‬الفاشية‭ ‬الدينية.

أتذكر‭ ‬عندما‭ ‬قمنا‭ ‬بتأسيس‭ ‬منظمة‭ ‬حقوقية‭ ‬باسم‭ ‬إئتلاف‭ ‬أقباط‭ ‬مصر‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬حقه‭ ‬فهو‭ ‬يملك‭ ‬حريته‭ ‬وقتها‭ ‬شاركنا‭ ‬في‭ ‬التأسيس‮ ‬‭ ‬مسلمين‭ ‬ومسيحيين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الفئات‭ ‬على‭ ‬رأسهم‭ ‬أستاذ‭ ‬شريعة‭ ‬أسلامية‭ ‬وشيخ‭ ‬فاضل‭ ‬بوزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬درس‭ ‬الإنجيل‭ ‬بكل‭ ‬حروفه‭ ‬وآياته‭ ‬وادهش‭ ‬الجميع‭ ‬بروح‭ ‬المحبة‭ ‬والتسامح‭ ‬التى‭ ‬أرسلها‭ ‬لكل‭ ‬المصريين.‮ ‬

ولم‭ ‬أستعجب‭ ‬أن‭ ‬روح‭ ‬المحبة‭ ‬التى‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬مصر‭ ‬داخل‭ ‬الوطن‭ ‬أنتقلت‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬تجمعاتهم‭ ‬بالعالم‭ ‬وربما‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬غير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬فانها‭ ‬تجمع‭ ‬أكبر‭ ‬جالية‭ ‬مصرية‭ ‬فى‭ ‬الخارج‭ ‬وتجد‭ ‬بها‭ ‬ثوابت‭ ‬الأصول‭ ‬المصرية‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬المشتركة‭ ‬بينهم‭ ‬مثل‭ ‬سهرات‭ ‬رمضان‭ ‬وتهنئة‭ ‬الأعياد‭ ‬وزيارات‭ ‬المناسبات‭ ‬الخاصة‮. ‬

ولكن‭ ‬أذا‭ ‬تمنينا‭ ‬دوام‭ ‬تلك‭ ‬الجماليات‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭ ‬المشتركة‭ ‬فجيب‭ ‬وبكل‭ ‬حزم‭ ‬أن‭ ‬نعزل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قبيح‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬يسئ‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬وشعبها‭ ‬فلسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬دعاة‭ ‬الفتن‭ ‬ولا‭ ‬نرغب‭ ‬فى‭ ‬أحداث‭ ‬انشقاق‭ ‬أو‭ ‬تقسيم‭ ‬طائفى‭ ‬بل‭ ‬نحن‭ ‬فى‭ ‬أشد‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬والاتفاف‭ ‬نحو‭ ‬تقدم‭ ‬الوطن‭ ‬وتطويره.‮ ‬

أن‭ ‬فاتورة‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬أبنائها‭ ‬وعلى‭ ‬الدولة‭ ‬بكافة‭ ‬أجهزتها‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬ذلك‭ ‬وتفرض‭ ‬أشد‭ ‬العقوبة‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يزعزع‭ ‬هذا‭ ‬التعايش‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬يعاقب‭ ‬بمحاكمة‭ ‬عادلة‭ ‬ناجزة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يسلب‭ ‬حق‭ ‬شريكه‭ ‬فى‭ ‬الوطن‭ ‬سواء‭ ‬بالتهجير‭ ‬أو‭ ‬بالترهيب‭ ‬أو‭ ‬بالتهميش‭ ‬أو‭ ‬بأشكال‭ ‬أخرى.‮ ‬

هناك‭ ‬بالدستور‭ ‬المصرى‭ ‬ما‭ ‬يكفل‭ ‬بتحقيق‭ ‬المواطنة‭ ‬الكاملة‭ ‬والمساواة‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬الشعب‭ ‬ولم‭ ‬ينص‭ ‬الدستور‭ ‬أو‭ ‬القانون‭ ‬المصرى‭ ‬على‭ ‬اى‭ ‬تصنيف‭ ‬أو‭ ‬تمييز‭ ‬عرقى‭ ‬أو‭ ‬دينى‭ ‬أو‭ ‬لونى‭ ‬أو‭ ‬جنسى‭ ‬بل‭ ‬يجرم‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يسلك‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭ ‬ولكن‭ ‬المشكلة‭ ‬فى‭ ‬تفعيل‭ ‬المواطنةالكاملة‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬سردها‭ ‬على‭ ‬أوراق‭ ‬رسمية.‮ ‬

من‭ ‬أعماق‭ ‬قلبى‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬كل‭ ‬الأحداث‭ ‬الطائفية‭ ‬التى‭ ‬تدمى‭ ‬مصر‭ ‬دما‭ ‬ويكفى‭ ‬ما‭ ‬ضحى‭ ‬به‭ ‬الشعب‭ ‬المصرى‭ ‬فى‭ ‬معركته‭ ‬المستمرة‭ ‬مع‭ ‬الإرهاب‭ ‬الدخيل‭ ‬علينا‭ ‬أفلا‭ ‬يكفى‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬يظهر‭ ‬بيننا‭ ‬متشددون‭ ‬ومكفرون‭ ‬يظهر‭ ‬منهم‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬الفضائيات‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬فى‭ ‬القرى‭ ‬والنجوع‭ ‬ويحاولوا‭ ‬سلب‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬فى‭ ‬أمن‭ ‬المجتمع‭ ‬ويثيرون‭ ‬البسطاء‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إرضاء‭ ‬نواياهم‭ ‬الشريرة‭ ‬لإفساد‭ ‬وحدة‭ ‬الشعب‭ ‬وترابطه‭ ‬وتلك‭ ‬أمور‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تحت‭ ‬نصاب‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬وأن‭ ‬يواجهوها‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭ ‬وحزم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حفظ‭ ‬هيبة‭ ‬الدولة‭ ‬وسلامة‭ ‬الأمن‭ ‬والسلم‭ ‬العام‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬المصرى.‮ ‬

فى‭ ‬النهاية‭ ‬نسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يحفظ‭ ‬بلادنا‭ ‬الغالية‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شر‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬شبه‭ ‬شر‭ ‬وأن‭ ‬يبارك‭ ‬شعبها‭ ‬بمسيحينها‭ ‬ومسلمينها‭ ‬بكل‭ ‬سلام‭ ‬ويديم‭ ‬وحدة‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬عهده‭ ‬وحتى‭ ‬منتهى‭ ‬الأزمنة‭ ‬وفى‭ ‬الختام‭ ‬سلاما‭ ‬لأهل‭ ‬القبط‭ ‬وسلاما‭ ‬لأهل‭ ‬مصر‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى