تباً لكم! لماذا تطاردونني أيها الدواعش؟ ماذا فعلت ؟ ما هي تهمتي؟ هل لأنني أختلف معكم؟ هل لأنني أعارضكم و غير راض عن ما تفعلونه ببلدي الحبيبة؟ كيف تجرؤون أن تنهوا حياتي هكذا أيها السَّفَّاحون؟ ألا أستحق على الأقل محاكمة عادلة؟ فليشهد العالم أن هذا مخالف لكل الدساتير و الشرائع و القوانين! ثم انني لا اعلم ما هو الخطر الذي يمثله شخص ضعيف مثلي على وحوش بلا قلب مثلكم؟ من أين أتيتم بكل هذه القسوة؟ ما كل هذا السَّوَاد؟! يا إلهي! إن حياتي ستنتهي بعد قليل. أعلم ذلك يقيناً. فلقد رأيتكم تفعلون هذا مع عائلتي فرداً فرداً. زوجتي قتلتموها بنفس الطريقة الأسبوع الماضي و عَمَّتي منذ ستة أيام، حتى والدي الكهل لم ترحموه في شيخوخته، لم تستمعوا إلى توسلاته. إستكثرتم عليه أن يموت في هدوء. نعم، كان حتماً سيموت بدون أي تدخل منكم. كم كان هزيلاً بعد أن رفض أن يتناول أي شيء منذ ستة أيام بعدما قتلتم أخته الوحيدة! والآن حان دوري! ها أنا أجري بلا هدف عبر الشوارع والأزقة محاولاً الهروب. لكن، الشوارع ليست كما كانت قبلاً، فكل شيء يبدو كئيباً. هذا المبنى حزين. وذاك يبكي! يبكي على ما سيحدث لي بعد قليل! أعلم جيداً أن هذه المطاردة ستنتهي حتماً لصالحكم فأنا لم أقابل أحداً قط إستطاع أن يفلت من قبضتكم الغاشمة. حسناً، إن لدي فكرة. سأجري صوب منتصف المدينة ... إلى البحيرة. حيث الذكرايات الجميلة. إلى زمن رحل إلى الأبد. حينما كانت المدينة آمنة جداً حتي أننا نادراً ما كنا ننام قبل منتصف الليل. أتذكر كيف كنا نجتمع حول تلك البحيرة الصغيرة و سط المدينة و نتسامر. كنا عائلة واحدة كبيرة و لا نعرف للوقت قيمة. على هذه البحيرة رأيت محبوبتي لأول مرة و هناك تعاهدنا على الزواج. هناك تركنا أولادنا ليلعبوا على الشاطئ في براءة دون أدنى قلق. كانت هذه هي الحياة. كان الخير و فيراً و لم نكن نحتاج أن نرهق أنفسنا بالعمل الشاق. حتى الطقس كان رطباً جميلاً و ليس حاراً خانقاً كما هو الآن. كان كل شيء على ما يرام قبل أن تأتوا إلى هنا. عليكم اللعنة. لقد دمرتم كل شيء من ساعة ما أتيتم بملابسكم السوداء و شعوركم الطويلة. ساعة أنهيتم في دقائق معدودة على قواتنا الهزيلة التي خرجت للتصدي لكم. يومها إنقلب كل شيء رأساً على عقب. فلم نعد نسهر، و لم نعد نفرح بل إختبأنا في بيوتنا كالفئران المذعورة و لم نعد نجرؤ حتى على الخروج. أنا شخصياً لم أخرج منذ أسبوع كامل بعدما فرضتم حظر التجول. لكن، أطفالي الجوعى ماذا أفعل بهم؟ لقد نفذ كل الطعام الذي خزنته لمثل هذه الظروف و وجدت نفسي مضطراً للخروج. لكن أحد جنودكم المنتشرين في المدينة قد رآني و ها هو يطاردني. ما هذا بحق السماء، كم هو ضخم؟ لا أجرؤ أن أتخيل ماذا سيحدث حينما يمسك بي. إلى البحيرة إذن. سأنعطف يمينا ثم يساراً و سأجدها أمامي. ها هي. مهلاً أين البحيرة؟! ماذا فعلتم بها؟! هل جففتموها؟ إني لا أري لها أثراً! يا هؤلاء، كان هنا بحيرة قبل ان تأتوا بأجسامكم الضخمة و وجوهكم المتجهمة! إنني متأكد. قال لى أحد اقاربي أول أمس أنكم قد جففتم البحيرة لأنكم لا تريدون أي شخص أن يستمتع بأي شيء لكنني لم أصدقه. قلت إنها إشاعة كالإشاعات التي تُقَال عنكم. لكن يبدو أن هذا كان صحيحاً. حسنا لقد تعبت. لم يعد في قوة بعد. إنني أستسلم، إنهوا حياتي، فلم يعد هناك معنى لها. لكن، لِتَمُت نفسي موت الأبطال، سأستدير لأواجه خصمي و ليكن ما يكون. و هنا سُمِع صوت دهس ناتج عن إرتطام جسم صلب بشيء ما؟ و ..... و إنتهي كل شيء. نفضت المرأة حذاءها في إشمئزاز فوقع صرصور على الأرض. قالت لجارتها: "و الله يا أم صبري، لا أعلم من أين أتت كل هذه الصراصير، إنني أنظف كل يوم، ولكم طلبت من زوجي حلمى أفندي أن يرش المبيد لكنه دائماً مشغول" و ..... و إنتهي كل شيء.