فادى يوسف

بــــابـــــا الــعـــــرب

بقلم/ فادى يوسف

بأى‭ ‬كلمات‭ ‬أوصف‭ ‬بابا‭ ‬العرب‭ ‬وأب‭ ‬جميع‭ ‬المصريين‭ ‬مسلمين‭ ‬ومسيحيين‭ ‬وبأى‭ ‬فكر‭ ‬أقدر‭ ‬أن‭ ‬أعبر‭ ‬عن‭ ‬أبوة‭ ‬وحنية‭ ‬هذا‭ ‬الحضن‭ ‬الجامع‭ ‬لكل‭ ‬البشر‭ ‬وبأى‭ ‬رصد‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أجمع‭ ‬تاريخ‭ ‬هذا‭ ‬البرج‭ ‬العالى‭ ‬وبأى‭ ‬وفاء‭ ‬أتمكن‭ ‬أن‭ ‬أعطيه‭ ‬لمن‭ ‬قدم‭ ‬تعبه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬راحه‭ ‬الملايين.

ظل‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬الشامخ‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬حياته‭ ‬يسعى‭ ‬أن‭ ‬يوحد‭ ‬ولا‭ ‬يفرق‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬المصرى‭ ‬وبرغم‭ ‬قساوة‭ ‬الأحداث‭ ‬فى‭ ‬عهده‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬وبكل‭ ‬وطنية‭ ‬يرفض‭ ‬أى‭ ‬تدخل‭ ‬خارجى‭ ‬ويسعى‭ ‬إلى‭ ‬توحيد‭ ‬الصف‭ ‬المصرى‭ ‬ضد‭ ‬التطرف‭ ‬والتعصب‭ ‬الذى‭ ‬أنتشر‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬السادات‭ ‬بعد‭ ‬فتح‭ ‬السجون‭ ‬للاخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬والجماعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬تلك‭ ‬الخطوة‭ ‬الكارثية‭ ‬التى‭ ‬تدفع‭ ‬مصر‭ ‬ثمنها‭ ‬حتى‭ ‬الآن.‭ ‬

ومنذ‭ ‬نعومة‭ ‬اظافرى‭ ‬وأنا‭ ‬أتابع‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭ ‬وهو‭ ‬يتبادل‭ ‬الزيارات‭ ‬مع‭ ‬شيوخ‭ ‬الازهر‭ ‬ووزراء‭ ‬الأوقاف‭ ‬الإسلامية‭ ‬وعلماء‭ ‬أسلاميين‭ ‬وتعمقت‭ ‬العلاقة‭ ‬بينهم‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬دعوته‭ ‬لحضور‭ ‬مؤتمرات‭ ‬أسلامية‭ ‬أقليمية‭ ‬وعالمية‭ ‬بل‭ ‬ويلقى‭ ‬كلمة‭ ‬حكيمة‭ ‬ضمن‭ ‬فعاليات‭ ‬تلك‭ ‬المؤتمرات‭ ‬مع‭ ‬ترحيب‭ ‬شديد‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الحضور‭ ‬والمشاركين.‭ ‬

كنا‭ ‬نفتخر‭ ‬ببابا‭ ‬العرب‭ ‬عندما‭ ‬يحرص‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬وبالأخص‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والخليج‭ ‬على‭ ‬مقابلة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬أثناء‭ ‬زياراتهم‭ ‬الرسمية‭ ‬لمصر‭ ‬وتقديم‭ ‬أوسمة‭ ‬و‭ ‬هدايا‭ ‬تذكارية‭ ‬لقداستة‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬حبهم‭ ‬الجم‭ ‬لشخصه‭ ‬الفاضل‭ ‬وأستماهم‭ ‬لاشعاره‭ ‬وقصائده‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬محل‭ ‬أعجاب‭ ‬وتقدير‭ ‬منهم‭ ‬ودعواتهم‭ ‬له‭ ‬بزيارتهم‭ ‬فى‭ ‬دولهم‭ ‬لكى‭ ‬يتباركوا‭ ‬من‭ ‬وجوده‭ ‬وحضوره.‭ ‬

رحل‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬منذ‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬فى‭ ‬هدوء‭ ‬وكبرياء‭ ‬كما‭ ‬عاش‭ ‬ولكن‭ ‬كلماته‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬كالأجراس‭ ‬تدق‭ ‬فى‭ ‬آذان‭ ‬كل‭ ‬مصرى‭ ‬مخلص‭ ‬يعشق‭ ‬تراب‭ ‬الوطن‭ ‬واحده‭ ‬شعبه‭ ‬حينما‭ ‬قال‭ ‬لن‭ ‬ندخل‭ ‬القدس‭ ‬إلا‭ ‬مع‭ ‬إخوتنا‭ ‬المسلمين.

هو‭ ‬البابا‭ ‬الذى‭ ‬زار‭ ‬الجبهة‭ ‬قبيل‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973‭ ‬والتقى‭ ‬بقادة‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬والضباط‭ ‬مرتين‭ ‬وقدمت‭ ‬الكنيسة‭ ‬بقيادته‭ ‬دورا‭ ‬وطنيا‭ ‬وتاريخيا‭ ‬فى‭ ‬الدعم‭ ‬المعنوى‭ ‬والسياسى‭ ‬للوطن‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬كتوفير‭ ‬الأدوية‭ ‬والمساعدات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ودعم‭ ‬المجهود‭ ‬الحربى‭ ‬وخلال‭ ‬الدقائق‭ ‬الأولى‭ ‬للحرب‭ ‬عقد‭ ‬اجتماعات‭ ‬متتابعة‭ ‬لمساندة‭ ‬الجيش‭ ‬وتنظيم‭ ‬عدة‭ ‬زيارات‭ ‬للجنود‭ ‬الجرحى‭ ‬فى‭ ‬المستشفيات.

هو‭ ‬الذى‭ ‬سجل‭ ‬رفضه‭ ‬القاطع‭ ‬لاتفاقية‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭ ‬مؤكدا‭ ‬رفضه‭ ‬الذهاب‭ ‬مع‭ ‬السادات‭ ‬فى‭ ‬زيارته‭ ‬إلى‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬إلا‭ ‬ويده‭ ‬فى‭ ‬يد‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تتحرر‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬وأنه‭ ‬سيأمر‭ ‬الأقباط‭ ‬بعدم‭ ‬الذهاب‭ ‬للقدس‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬الاحتلال‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أغضب‭ ‬الرئيس‭ ‬وبشدة‭ ‬واعتبر‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬تدخلا‭ ‬من‭ ‬البابا‭ ‬فى‭ ‬شأن‭ ‬سياسى‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬اختصاصه‭ ‬وأصدر‭ ‬قرار‭ ‬تحديد‭ ‬إقامة‭ ‬البابا‭ ‬وسحب‭ ‬التصديق‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬تعيينه‭ ‬كبابا‭ ‬للكنيسة‭ ‬المصرية‭ ‬ولكنه‭ ‬قدم‭ ‬مصلحة‭ ‬الوطن‭ ‬على‭ ‬مصلحته‭ ‬الذاتية‭ ‬واستقبل‭ ‬الأمر‭ ‬بهدوء‭ ‬وذهب‭ ‬بنفسه‭ ‬إلى‭ ‬دير‭ ‬الأنبا‭ ‬بيشوى‭ ‬بوادى‭ ‬النطرون‭ ‬قبل‭ ‬إعلان‭ ‬القرار،‭ ‬واستمر‭ ‬حتى‭ ‬يناير‭ ‬1985‭ ‬ليعود‭ ‬بعدها‭ ‬إلى‭ ‬كرسيه‭ ‬ويمارس‭ ‬مسؤولياته‭ ‬كبابا‭ ‬للكنيسة‭ ‬دون‭ ‬أى‭ ‬تفكير‭ ‬للأزمة‭ ‬التى‭ ‬مر‭ ‬بها،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬زيارة‭ ‬القدس‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬منحه‭ ‬شعبية‭ ‬كبيرة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بين‭ ‬المسيحيين‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬داخل‭ ‬مصر‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬فى‭ ‬الوطن‭ ‬العربى‭ ‬كله‭ ‬مما‭ ‬رشحه‭ ‬لكى‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬لقب‭ ‬بابا‭ ‬العرب‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭ ‬واستحقاق.

هو‭ ‬الذى‭ ‬زار‭ ‬كنائس‭ ‬المهجر‭ ‬بصحبة‭ ‬وفد‭ ‬من‭ ‬أساقفة‭ ‬وكهنة‭ ‬الكنيسة‭ ‬القبطية‭ ‬الأرثوذكسية‭ ‬وكانت‭ ‬عظاته‭ ‬تحمل‭ ‬رسائل‭ ‬لأبنائه‭ ‬فى‭ ‬المهجر‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬ينصتوا‭ ‬إلى‭ ‬الشائعات‭ ‬التى‭ ‬تتسرب‭ ‬إليهم‭ ‬دون‭ ‬أساس‭ ‬من‭ ‬الحقيقة‭ ‬عن‭ ‬أوضاع‭ ‬الأقباط‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬تعرض‭ ‬لانتقادات‭ ‬حادة‭ ‬واتهامات‭ ‬بأنه‭ ‬مسالم‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬ينبغى.

هو‭ ‬الذى‭ ‬قال‭ ‬فى‭ ‬حديثه‭ ‬لجيمى‭ ‬كارتر‭ ‬حين‭ ‬سأله‭ ‬كارتر‭: ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬هل‭ ‬إسرائيل‭ ‬شعب‭ ‬الله‭ ‬المختار؟‭ ‬فكانت‭ ‬إجابة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭: ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬شعب‭ ‬الله‭ ‬المختار‭ ‬فأنا‭ ‬وأنت‭ ‬خارج‭ ‬شعب‭ ‬الله‭ ‬المختار.

هو‭ ‬الذى‭ ‬عقد‭ ‬مؤتمرا‭ ‬شعبيا‭ ‬كبيرا‭ ‬فى‭ ‬الكاتدرائية‭ ‬المرقسية‭ ‬بعد‭ ‬تحديد‭ ‬إقامة‭ ‬الرئيس‭ ‬الفلسطينى‭ ‬الراحل‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬دفاعا‭ ‬ودعما‭ ‬منه‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والقضايا‭ ‬العربية.

هو‭ ‬الذى‭ ‬شارك‭ ‬فى‭ ‬الاحتفال‭ ‬برفع‭ ‬علم‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬طابا‭ ‬وبدأت‭ ‬الكنيسة‭ ‬فى‭ ‬عهده‭ ‬إقامة‭ ‬موائد‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬فى‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬موائد‭ ‬العائلة‭ ‬المصرية.

هو‭ ‬الذى‭ ‬وقف‭ ‬أمام‭ ‬بعض‭ ‬الأقباط‭ ‬رافضا‭ ‬إنشاء‭ ‬حزب‭ ‬مسيحى‭ ‬سياسى‭ ‬يكون‭ ‬أعضاؤه‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬دينى.

وبعد‭ ‬هذا‭ ‬جميعه‭ ‬همست‭ ‬فى‭ ‬أذهانى‭ ‬كلمات‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭ ‬على‭ ‬والتى‭ ‬رسخت‭ ‬وطنية‭ ‬الاقباط‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬ليست‭ ‬وطن‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬بل‭ ‬وطناً‭ ‬يعيش‭ ‬فينا‭ ‬وما‭ ‬أجملها‭ ‬كلمات‭ ‬لمعنى‭ ‬حقيقى‭ ‬داخل‭ ‬كل‭ ‬قبطى‭ ‬وداخل‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬نفسه‭ ‬الذى‭ ‬رفض‭ ‬اى‭ ‬تدخل‭ ‬فى‭ ‬شئون‭ ‬مصر‭ ‬بسبب‭ ‬الاحداث‭ ‬الطائفية‭ ‬التى‭ ‬وأن‭ ‬جرحت‭ ‬كثيراً‭ ‬مشاعره‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬ينظر‭ ‬نظره‭ ‬الحكيم‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الاقباط‭ ‬فقد‭ ‬أكد‭ ‬قول‭ ‬أستاذه‭ ‬الوطنى‭ ‬مكرم‭ ‬عبيد‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬اذا‭ ‬كان‭ ‬الغرب‭ ‬سيحمى‭ ‬الاقباط‭ ‬ويضع‭ ‬حماية‭ ‬دولية‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬فليموت‭ ‬الاقباط‭ ‬وتحيا‭ ‬مصر‭.

نبضات‭ ‬قلب‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬كانت‭ ‬تضق‭ ‬تسبيحاً‭ ‬لرب‭ ‬المجد‭ ‬تارة‭ ‬وقلقاً‭ ‬على‭ ‬رعيته‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬قداسته‭ ‬يتمنى‭ ‬أن‭ ‬الوزنة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التى‭ ‬تسلمها‭ ‬من‭ ‬يد‭ ‬المسيح‭ ‬وقت‭ ‬رسامته.

‭ ‬بطريرك‭ ‬على‭ ‬الكنيسة‭ ‬الارثوذكسية‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬والمهجر‭ ‬تمنى‭ ‬أن‭ ‬يسلمها‭ ‬الى‭ ‬المسيح‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬ولكن‭ ‬وهى‭ ‬رابحه‭ ‬ثلاثون‭ ‬وستون‭ ‬ومائه.

أوتار‭ ‬عزفها‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬على‭ ‬قلوبنا‭ ‬وجعلت‭ ‬شعوباً‭ ‬وأجيال‭ ‬فوق‭ ‬أجيال‭ ‬تشتاق‭ ‬أن‭ ‬تراه‭ ‬وتتلهف‭ ‬أن‭ ‬تستمع‭ ‬الى‭ ‬كلماته‭ ‬وتتذكر‭ ‬مقولاته‭ ‬وتحفظ‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬قلب‭ ‬أشعاره‭ ‬وقصائده‭ ‬وتسجل‭ ‬حكمته‭ ‬التى‭ ‬عجز‭ ‬كثيرين‭ ‬على‭ ‬أستيعابها.

حروف‭ ‬من‭ ‬مؤسوعة‭ ‬عبقرية‭ ‬كتبها‭ ‬هذا‭ ‬القديس‭ ‬لكى‭ ‬تعلم‭ ‬وتدرس‭ ‬لقرون‭ ‬قادمة‭ ‬فتاتئ‭ ‬بتلاميذ‭ ‬ومدارس‭ ‬تمنهج‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬الكبير‭ ‬وتؤسس‭ ‬منه‭ ‬عقول‭ ‬جديدة‭ ‬تنتشر‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬لتنشر‭ ‬معها‭ ‬السلام‭ ‬والوداعه‭ ‬والصلاة‭ ‬والايمان.

وأما‭ ‬عن‭ ‬أبتسامته‭ ‬فهى‭ ‬لا‭ ‬تؤصف‭ ‬الا‭ ‬بابتسامه‭ ‬طفل‭ ‬برئ‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬داخله‭ ‬الا‭ ‬كل‭ ‬حب‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬شئ‭ ‬عن‭ ‬البغضه‭ ‬أو‭ ‬الضغينه‭ ‬لاحد‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬لمن‭ ‬يسئ‭ ‬اليه‭ ‬وكنت‭ ‬أتعجب‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬صاحب‭ ‬تلك‭ ‬الضحكه‭ ‬هو‭ ‬المحمل‭ ‬بهمومنا‭ ‬وأثقال‭ ‬المسؤليه‭ ‬التى‭ ‬تعلو‭ ‬راسه‭ ‬لكى‭ ‬يصل‭ ‬بنا‭ ‬الى‭ ‬ميناء‭ ‬الخلاص.

مهما‭ ‬أوصف‭ ‬من‭ ‬أبتسامات‭ ‬أو‭ ‬حروف‭ ‬أو‭ ‬أوتار‭ ‬أو‭ ‬نبضات‭ ‬أو‭ ‬همسات‭ ‬أو‭ ‬روح‭ ‬أبى‭ ‬وحبيبى‭ ‬البابا‭ ‬المعظم‭ ‬بين‭ ‬البطاركة‭ ‬والقديسين‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭ ‬لن‭ ‬أعطيه‭ ‬قيم‭ ‬أو‭ ‬كسور‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬فى‭ ‬حقه‭ ‬فهو‭ ‬كان‭ ‬ومازال‭ ‬معلمى‭ ‬ومعلم‭ ‬الاجيال‭ ‬فتهنئتئ‭ ‬له‭ ‬بربح‭ ‬السموات‭ ‬وطلباً‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬يحفظنا‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الارضيات‭ ‬ولتكن‭ ‬سيرته‭ ‬التى‭ ‬غيرت‭ ‬فى‭ ‬نفوس‭ ‬الكثيرين‭ ‬هى‭ ‬الاثار‭ ‬التى‭ ‬نسير‭ ‬عليها‭ ‬حتى‭ ‬نصل‭ ‬جميعاً‭ ‬للقائه‭ ‬مرة‭ ‬ثانيه‭ ‬وأنما‭ ‬بابديه‭ ‬لا‭ ‬تنتهى.

تمضى‭ ‬مسيرة‭ ‬الآباء‭ ‬البطاركة‭ ‬ليكون‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬اماماً‭ ‬فى‭ ‬صفوفهم‭ ‬يقتدى‭ ‬بهم‭ ‬ويحتمى‭ ‬بتاريخهم‭ ‬وهو‭ ‬يصون‭ ‬وحدة‭ ‬مصر‭ ‬والمصريين‭ ‬بصلابة‭ ‬وعناد‭ ‬ومحبة‭ ‬تليق‭ ‬به‭ ‬وبمصر‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬فى‭ ‬زمن‭ ‬رفع‭ ‬فيه‭ ‬سيف‭ ‬العداء‭ ‬لمصر‭ ‬خصوم‭ ‬ألداء‭ ‬أشد‭ ‬عداوة‭ ‬وأشد‭ ‬خصومة‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬البريطانى‭ ‬وكان‭ ‬الخصوم‭ ‬يطمحون‭ ‬فى‭ ‬حالات‭ ‬كثيرة‭ ‬إلى‭ ‬شن‭ ‬حملات‭ ‬ضارية‭ ‬ضد‭ ‬مصر‭ ‬محاولين‭ ‬أن‭ ‬يقصموا‭ ‬ظهرها‭ ‬بسيف‭ ‬الفتنة‭ ‬الطائفية‭ ‬التى‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬براكين‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬أشهر‭ ‬غضباً‭ ‬أمام‭ ‬الرأى‭ ‬العام‭ ‬العالمى‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬يرتقى‭ ‬بمصريته‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬الجراح‭ ‬ويحبط‭ ‬كل‭ ‬طموحات‭ ‬الأعداء‭ .. ‬فعندما‭ ‬أتى‭ ‬كلينتون‭ ‬رئيساً‭ ‬راهن‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يدعو‭ ‬البابا‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬قبل‭ ‬زيارة‭ ‬مبارك‭ ‬ليعلن‭ ‬للعالم‭ ‬أولويات‭ ‬غير‭ ‬مقبولة‭ ‬ورفض‭ ‬البابا.

وعقب‭ ‬أحداث‭ ‬الكشح‭ ‬كان‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬غاضباً‭ ‬جداً‭ ‬لكنه‭ ‬أبى‭ ‬ان‭ ‬يشهر‭ ‬غضبه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يستخدمه‭ ‬أعداء‭ ‬الوطن‭ ‬وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬فى‭ ‬مرات‭ ‬عديدة‭ ‬كان‭ ‬التأسلم‭ ‬يدق‭ ‬إسافيناً‭ ‬فى‭ ‬جسد‭ ‬وحدة‭ ‬المصريين‭ ‬لكن‭ ‬البابا‭ ‬تجاوزها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مصر‭ ‬وأذكر‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬كنت‭ ‬أزوره‭ ‬ووسط‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬المطارنة‭ ‬صرخ‭ ‬مطران‭ ‬من‭ ‬الصعيد‭ ‬يا‭ ‬سيدنا‭ ‬أنت‭ ‬أبانا‭ ‬ومعلمنا‭ ‬ونحن‭ ‬نعانى‭ ‬ونضطهد‭ ‬والمسئولون‭ ‬كباراً‭ ‬وصغاراً‭ ‬يستخفون‭ ‬بنا‭ ‬وبكنائسنا‭ .. ‬اسمح‭ ‬لنا‭ ‬يا‭ ‬سيدنا‭ ‬أن‭ ‬نغضب‭ ‬لديننا‭ .. ‬وكان‭ ‬البابا‭ ‬يستمع‭ ‬وقد‭ ‬استند‭ ‬بكفيه‭ ‬على‭ ‬عصاه‭ ‬ولم‭ ‬يرد‭ . ‬وفجأة‭ ‬قال‭ ‬وهو‭ ‬يكاد‭ ‬يبكى‭ ‬موجهاً‭ ‬كلماته‭ ‬ليس‭ ‬لأحد‭ ‬ليس‭ ‬لأنه‭ ‬فى‭ ‬الكتاب‭ ‬أحبوا‭ ‬مبغضيكم‭ ‬وباركوا‭ ‬لاعنيكم‭ ‬وإنما‭ ‬لأننى‭ ‬معلق‭ ‬فى‭ ‬رقبتى‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬مليون‭ ‬قبطي،‭ ‬ومعهم‭ ‬مصريتى‭ ‬ومصريتهم‭ ‬ولا‭ ‬أريد‭ ‬ولن‭ ‬اسمح‭ ‬بقطرة‭ ‬دم‭ ‬تراق‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬طرف،‭ ‬فالفتنة‭ ‬إن‭ ‬اشتعلت‭ ‬ستتحول‭ ‬لبركان‭ ‬وهناك‭ ‬خصوم‭ ‬فى‭ ‬الداخل‭ ‬وفى‭ ‬الخارج‭ ‬ينتظرون‭ ‬الدم‭ ‬ليحرقوا‭ ‬الوطن‭ ‬ثم‭ ‬نهض‭ ‬واقفاً‭ ‬وغادر‭ .‬

أنطلقت‭ ‬الروح‭ ‬التى‭ ‬ظلت‭ ‬تخدم‭ ‬سيدها‭ ‬سنين‭ ‬كثيرة‭ ‬قاربت‭ ‬التسعون‭ ‬عام‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقارن‭ ‬عدد‭ ‬تلك‭ ‬السنوات‭ ‬بما‭ ‬قدم‭ ‬خلالها‭ ‬فالذى‭ ‬قدمه‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬طيلة‭ ‬حياته‭ ‬لا‭ ‬تكفى‭ ‬عصور‭ ‬وأزمنة‭ ‬وقرون‭ ‬حتى‭ ‬يستطيع‭ ‬تقديمها‭ ‬اشخاص‭ ‬أخرون‭ ‬وهذا‭ ‬جعل‭ ‬كثيرون‭ ‬يقفون‭ ‬مندهشين‭ ‬من‭ ‬أنجاواته‭ ‬وأدركوه‭ ‬الحقيقة‭ ‬عندما‭ ‬تاكدوه‭ ‬أن‭ ‬يد‭ ‬الله‭ ‬كانت‭ ‬تعمل‭ ‬معه‭ ‬دايماً.

بأى‭ ‬كلمات‭ ‬أوصف‭ ‬قوة‭ ‬أسد‭ ‬الكنيسة‭ ‬المرقسى‭ ‬وبأى‭ ‬فكر‭ ‬أقدر‭ ‬أن‭ ‬أعبر‭ ‬عن‭ ‬أبوة‭ ‬وحنية‭ ‬هذا‭ ‬الحضن‭ ‬الجامع‭ ‬لكل‭ ‬البشر‭ ‬وبأى‭ ‬رصد‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أجمع‭ ‬تاريخ‭ ‬هذا‭ ‬البرج‭ ‬العالى‭ ‬وبأى‭ ‬وفاء‭ ‬أتمكن‭ ‬أن‭ ‬أعطيه‭ ‬لمن‭ ‬قدم‭ ‬تعبه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬راحه‭ ‬الملايين.

فمهما‭ ‬ظللت‭ ‬أكتب‭ ‬وأوصف‭ ‬وأفكر‭ ‬وأرصد‭ ‬وأوفئ‭ ‬لهذا‭ ‬الاب‭ ‬لن‭ ‬يشكل‭ ‬هذا‭ ‬حرف‭ ‬أو‭ ‬نقطه‭ ‬تسجل‭ ‬فى‭ ‬دفتر‭ ‬عزاء‭ ‬رجل‭ ‬رحل‭ ‬عن‭ ‬عالمنا‭ ‬لكنه‭ ‬سيظل‭ ‬فى‭ ‬عالمى‭ ‬وحياتى‭ ‬حتى‭ ‬النفس‭ ‬الاخير‭ ‬فقد‭ ‬توقف‭ ‬قلبك‭ ‬العظيم‭ ‬عن‭ ‬النبض.

ولكن‭ ‬ستظل‭ ‬أعمالك‭ ‬العظيمة‭ ‬تنبض‭ ‬بالحياة‭ ‬فى‭ ‬قلوبنا‭ ‬وحان‭ ‬الوقت‭ ‬أننا‭ ‬نقول‭ ‬مع‭ ‬فراقك‭ ‬ربنا‭ ‬موجود‭ ‬وعنده‭ ‬تعزيات‭ ‬ولا‭ ‬يسمح‭ ‬أبداً‭ ‬أن‭ ‬تتبدد‭ ‬الرعية‭ ‬بفقدان‭ ‬الراعى‭ ‬لان‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان‭ ‬شهود‭ ‬له‭ ‬يستطعون‭ ‬أن‭ ‬يكملوا‭ ‬مسيرتك‭ ‬يا‭ ‬أبى‭ ‬التى‭ ‬بذلت‭ ‬حياتك‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬كشمعة‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين‭ ‬التى‭ ‬أنارت‭ ‬لكافة‭ ‬أركان‭ ‬العالم‭ ‬فتوهج‭ ‬العالم‭ ‬نوراً‭ ‬فوق‭ ‬نور.

وبعد‭ ‬نياحتك‭ ‬الهادية‭ ‬السلامية‭ ‬شتان‭ ‬الفارق‭ ‬الان‭ ‬بين‭ ‬الارض‭ ‬والسماء‭ ‬شتان‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬حزن‭ ‬وبكاء‭ ‬هنا‭ ‬وفرح‭ ‬وسعادة‭ ‬لا‭ ‬تنتهى‭ ‬فى‭ ‬السماء‭ ‬وإيضا‮  ‬شتان‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬الحشد‭ ‬والزحام‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬الذى‭ ‬صاحب‭ ‬نياحتك‭ ‬على‭ ‬الارض‭ ‬والحشد‭ ‬والزحام‭ ‬بين‭ ‬الملائكة‭ ‬الذى‭ ‬صاحب‭ ‬أستقبالك‭ ‬فى‭ ‬السماء.

والان‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬لك‭ ‬الا‭ ‬تلك‭ ‬الكلمات‭ ‬البسيطة‭ ‬يا‭ ‬أبى‭ ‬وحبيبى‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬المعظم‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭ ‬بعدما‭ ‬فشلت‭ ‬وعجزت‭ ‬فى‭ ‬الوصول‭ ‬لجسدك‭ ‬المقدس‭ ‬لنوال‭ ‬أخر‭ ‬نظرة‭ ‬تبارك‭ ‬عينى‭ ‬التى‭ ‬أمتلت‭ ‬بدموع‭ ‬لم‭ ‬تنتهى‭ ‬حتى‭ ‬الان‭ ‬ولن‭ ‬تنتهى‭ ‬لفراق‭ ‬أب‭ ‬وراعى‭ ‬جاهد‭ ‬الجهاد‭ ‬الحسن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ربح‭ ‬نفوس‭ ‬ووزنات‭ ‬البشرية‭ ‬كلها‭ ‬وتقديمها‭ ‬للمسيح‭ ‬لكى‭ ‬تفرح‭ ‬السماء‭ ‬ليس‭ ‬ببطريرك‭ ‬وراعى‭ ‬وأب‭ ‬وقديس‭ ‬فقط‭ ‬لكن‭ ‬بجموع‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬تعلمت‭ ‬منه‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬ربنا‭ ‬موجود‭.      

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى